الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب أكثر من الخوف.. جوهر الفكر الصوفي

الحب أكثر من الخوف.. جوهر الفكر الصوفي
14 مايو 2010 21:11
كان من الصعب على سيمون بروتون، الكاتب الصحفي والموثق الدارس لموسيقى الشرق الأوسط، أن يقارب موضوع “الموسيقى الصوفية” في محاضرة ألقاها في إطار فعاليات “أنغام من الشرق” على مسرح أبوظبي، من دون التطرق إلى مسائل شائكة رافقت حركات التصوف منذ نشأتها وإلى اليوم.. ولم يكن (مولانا) جلال الدين الرومي المثل الذي اعتمده في حديثه عن الصوفية إلا دلالة على مدى عدم التصالح مع الحركات المتصوفة في العمق التفكيري لها، وإنما انتقادها في طقوسها في الشعر والموسيقى التي يراها الكثيرون من المحرمات الدينية. سيمون بروتون، عرض لفيلمه “الروح الصوفية” - Sufi Soul، وهو فيلم وثائقي ينطلق من سوريا حيث رأى منبع الصوفية ووجهتها للتوحيد والتقارب بين كل الأديان متمثلة بعادات وتقاليد الصلاة المتناقلة عبر الأجيال، تمارس في كل المعابد الدينية على اختلاف الأديان. ومن دير صيدنايا في معلولة السورية، صوّر العادات وأساسيات الصلاة وتشارك المنتمين إلى الإسلام والمسيحية في عادات التعبد عبر احترام طهارة المكان قبل الدخول للصلاة عبر خلع الأحذية وسواها من الأمور، كتكرار الدعوات إلى الله عزّ وجلّ، وقد رأى أنها من أساسيات الصوفية كفكرة تسعى للتوحيد بين الناس. فالصوفية ليست مذهباً أو ديناً، إنما منهج يسلكه العابد للتقرب والوصول إلى المعرفة والعلم بالله، أي على قاعدة «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وعرض بروتون للغموض الذي لف الصوفية ومعارضتها وصولاً إلى تحوّلها إلى موضة تتبع في أيامنا الحالية. تحدث عن أساليب التعبير أو الطرق الصوفية المتنوعة من بلد إلى آخر، في رحلة صوّرها بين سوريا وتركيا وباكستان والهند والمغرب حيث الاحتفالات الأكثر شهرة في مهرجان مدينة فاس، اذ تجتمع فرق من الصوفيين المولويين يرقصون ويغنون ما يرون فيه رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية تبدأ بالدوران على الجسد ورفع اليدين في مناجاة ومحبة للوصول إلى التقرب من الكمال ومن ثم العودة في نضوج. ومع الرومي كانت أولى الخطوات في فيلم بروتون على الرغم من أن ثمة من سبقه إلى التصوف، لا بل إن والده هو من لقّنه الفلسفة الصوفية، من خلال مرافقته له إلى دمشق التي عاد إليها لأربع سنوات فيما بعد، وصولاً إلى قونية حيث استقر وكان قبره إلى جانب والده بعد وفاته في السابع عشر من ديسمبر، وقد تحوّل إلى مزار يحتفل في تاريخ وفاته سنوياً (لا تزال الاحتفالات تقام إلى يومنا هذا) وقد سمّى أتباعه هذه الليلة بليلة العرس. وربما اختار بروتون الرومي في فيلمه للتحدث عن أصول الصوفية وعن الشعر والموسيقى والرقص المعتمد في حركاتها المتنوعة، لجمعه بين عدة بلدان ولكونه عرف بالتسامح في حياته. فهو ولد في خراسان (ايران قديماً، واليوم أفغانستان) وتنقل بين عدة بلدان، أهمها سوريا وتركيا اللتين تشتهران بالحركات الصوفية. والرومي يعرفه الغرب ويعرف شعره، ويتحدث بجرأة أكبر عن حياته، وجزء منها مضلل في اللغة العربية، للشك في كونه أحب الشاعر الفارسي الكبير شمس الدين تبريزي، الذي قتل ورجح أن ولد الرومي هو من قتله. وحزن عليه الرومي أشد حزن وكتب له ديواناً سماه ديوان شمس الدين التبريزي أو الديوان الكبير. ومن سوريا وتركيا إلى باكستان والهند حيث المتصوفون من كل الأديان، يسلكون الطريق للتقرب من الله، فصوّر بروتون عاداتهم في الرقص والموسيقى و”الصلاة”، متحدثاً مع فنانين بارزين في البلدين ومنهم امرأة باكستانية لم تحب أن تذكر له العقبات التي واجهتها كونها امرأة واسمها عبيده بافين. وإلى المغرب، حيث اغتنت التجربة لدى بروتون والمعلق في فيلمه الوثائقي ويليام دارليمبل، مع مهرجان فاس السنوي للصوفية حيث تجتمع العديد من الفرق الصوفية وتقدم أعمالها أمام باب الماكينة في فاس. وأشار بروتون في فيلمه وفي النقاشات التي دارت بعد العرض، إلى أنه من الصعب تحديد منبع الصوفية، ولكنها أتت من الشرق كما المسيحية والإسلام واليهودية، غير أنها ليست ديناً، إنما طريقاً للتعبد امتزج مع العادات المحلية للجماعات الصوفية وفق انتماءاتها، ففي سوريا أخذت من أسلوب عيش الكهنة في الكهوف في العهد البيزنطي وتابعت الأسلوب نفسه مع الإسلام بعد الفتح الإسلامي. وشرح أن الحركات الصوفية، وهي ليست حركة واحدة، استخدمت منذ بداياتها الموسيقى التي انطلقت من الشارع، من أحياء الحرفيين العاملين في دقّ النحاس والخشب، وهو ما لاحظه الرومي حين كان يسير في حي في قونية ويستمع إلى الأنغام التي تصدر عن عمل الحرفيين. ومن قونية، انتشرت أفكار الصوفية وجذبت العالم وصولاً إلى الغرب. وأشار إلى أن الصوفيين لا يسمون الرقص والموسيقى وذكر الله عز وجل مراراً وتكراراً، بالرقص، إنما بالصلاة حيث يجتمعون جميعهم في صلاة عالمية. وفي مقابلات مع القوّالين والراقصين، يفسر هؤلاء كيفية التوصل إلى الدوران حول النفس من دون الوقوع، حيث في رقص المولوية أو الدراويش، يبدأ الفرد بالتدرب ويصاب في الشهور الأولى بالدوخة، ولكنه ريثما يتعوّد، فيتمكن من الاستمرار بها لفترة تلخص المراحل الرمزية للإلهام، وهي في أربعة أجزاء للوصول، وكل جزء منها (حسب زعمه) يمثّل أمراً، الجزء الأول الاقتراب نحو الله، الثانية مع الله، الثالثة في الله، والرابعة تمثّل العودة. وهذا كله في مفهوم الاتحاد لا الانقسام، الرسالة الأساسية لدى جلال الدين الرومي. ويلاحظ بروتون، أن ثمة نوعاً من الحجر على الصوفيين، أو المتصوفين، حيث كان المرء يسجن سابقاً في تركيا لممارسة الطريق الصوفي لستة أو سبعة أشهر. وهذا المنع لا يزال موجوداً إنما لم يعد تطبيقه كما السابق، فالمهم أن لا يظهر الصوفي تصوفه علناً. ولفت إلى رفض بعض رجال الدين المسلمين للصوفية وأسلوبها معتبرين أن الموسيقى من المحرمات، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحركات المتصوفة تنتشر بين المسلمين الذين يؤكدون أن الصوفية ليست إلا طريق وليست ديناً جديداً. والبعض اعتبر أنه ليس بالوسع ربح المعركة ضد الصوفية، لأنه ليس بالوسع منع الناس عن التعبير عن حبّهم لله عزّ وجلّ. ومن جهة ثانية، يجد البعض في الصوفية نوعاً من الهروب أو الابتعاد عن معاناة وتعب الحياة اليومية، ففي المغرب يلجأ إليها الكثيرون ويعتبرونها حتى وسيلة لمساعدة المرضى حيث تنشئ النساء حلقات حول المرأة المريضة، ولكن لدى قابلهنّ بروتون أوضحن له أنهن يساعدن المريضة روحياً لتسيطر على مرضها. ويرى البعض أن للصوفية دورا حيال الإسلام، لنشر الإسلام الحقيقي وليس الإسلام الذي يروّج له البعض ويلصقه بالعنف، في حين أن الإسلام طالما كان دين سلام وتسامح. من قبر جلال الدين الرومي الذي تحوّل إلى مزار في قونية التركية، والغموض حول بعض أجزاء في حياته بالإضافة إلى الغموض الذي يلفّ غير العارفين بأسس الصوفية، وصولاً إلى فاس المغربية المدينة التي أبت إلا أن تجمع موسيقى المتصوفين من كل أنحاء الأرض في احتفالات وموالد وتحوّل فرق المتصوفين أحياناً إلى فرق فنية أكثر منها فرق فلسفية في انتهاج طريق للمتعبد للاقتراب من الله، رحلة لا تزال شائكة يكتنفها الرفض والقبول، الاعتراف والرفض، الحقائق والشائعات.. ويبقى للدراويش وموسيقاهم المتغلغلة في مختلف أنحاء العالم سطوة الحضور.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©