الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

.. وبالوالدين إحسانا

.. وبالوالدين إحسانا
24 مارس 2011 21:21
أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا رسول الله: من أحقّ الناس بحسن صحابتي قال: «أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال أبوك»)، (متفق عليه). هذا الحديث الصحيح يرشدنا إلى وجوب الإحسان إلى الوالدين، فالإحسان إليهما والبر بهما من أصول ديننا الإسلامي الحنيف، ومن باب التوفيق للخير وصالح الأعمال، حيث إن أول أمر وصى به القرآن الكريم بعد وصيته بتوحيد الله وعبادته- سبحانه وتعالى- هو البر بالوالدين، حيث قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (سورة الإسراء: الآية - 23)، كما قرن الله تعالى حقهما بحقه سبحانه وتعالى وشكرهما بشكره فقال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (سورة النساء: الآية - 36) وقال أيضاً: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (سورة لقمان: الآية- 14). وقد أخبر نبينا- صلى الله عليه وسلم- أن الإحسان إلى الوالدين يعتبر من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، لما روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت النبي- صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قالت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه)، ولما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد فقال: (أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) (أخرجه البخاري). ومن المعلوم أن الأم هي التي حملت وقاست كثيراً من آلام الحمل، وهي التي وضعت وكثيراً من النساء يفقدن حياتهن أثناء الوضع، وما أدراك ما آلام الوضع، كما أنها هي التي أرضعت وسهرت ليلها وأظمأت نهارها في سبيل خدمة أبنائها. كما أن الأب يعمل ويتعب ويكافح من أجل توفير لقمة عيش شريفة لأسرته، ويتحمل المشاق والمتاعب ويذهب هنا وهناك، ويتحمل الأسى في سبيل توفير حاجات أسرته من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. لهذا أوجب الإسلام بر الوالدين والإحسان إليهما في المعاشرة بالمعروف، وإن كانا كافرين {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (سورة لقمان: الآية - 15)، وفي الحديث إليهما: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (سورة الإسراء: الآية- 23)، وفي التذلل لهما: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (سورة الإسراء: الآية- 24). ولا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما، لما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قدمت أمّي وهي مشركة في عهد قريش، فاستفتيتُ النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إن أمّي قدمت وهي راغبة- أي وهي راغبة في أن أعطيها شيئاً من المال- أفأصلها؟ فقال- صلى الله عليه وسلم-: «نعم صلي أمك»)، (أخرجه الشيخان). أنت ومالك لأبيك روي أن ولداً اشتكى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أباه، وأنه يأخذ ماله، فدعا به، فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوي، وفقيراً وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «ما من حجر ولا شجر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك». يا رسول الله إنها سيئة الخلق شكا رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- سوء خلق أمه، فقال: «لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟... قال: إنها سيئة الخلق... قال: لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟... قال إنها سيئة الخلق، قال: لم تكن كذلك حين أسهرت ليلها وأظمأت نهارها؟... قال: لقد جازيتها، قال: ما فعلت؟... قال: حججت بها على عاتقي... قال: ما جازيتها ولو طلقة»، أي أن حملك إياها على كتفك، وحجك بها على هذا الشكل، لا يصح أن يكون جزاء طلقة واحدة من آلام الولادة. إذاً للوالدين حق كبير فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلنها للأبناء صريحة مدوية (لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)، (أخرجه مسلم). دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لأم أبي هريرة (كان أبو هريرة- رضي الله عنه- كلما دعا أمه إلى الإسلام نهرته، حتى دعاها ذات يوم، فأسمعته في رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما يكره. فذهب أبو هريرة- رضي الله عنه- من فوره يبكي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- راجياً إياه قائلاً: ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فدعا لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. فلما عاد أبو هريرة- رضي الله عنه- إلى المنزل، فوجد الباب مردوداً فقالت له أمه: مكانك يا أبا هريرة، وعجلت إلى خمارها بعد اغتسالها، ثم فتحت لولدها أبي هريرة، وقالت «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله»، فرجع أبو هريرة- رضي الله عنه- يبكي فرحاً إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويخبره بهذا الخبر)، (أخرجه مسلم). يظهر من هذا الحديث مدى حرص أبي هريرة- رضي الله عنه- على برّ أمه، حيث كان- رضي الله عنه- يغتنم كل مناسبة لدعوتها إلى الإسلام، ويذكرها بآيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، لكنها كانت معرضة، ومع ذلك لم ييأس فقد توجه لحبيبه- صلى الله عليه وسلم- طالباً منه الدعاء لأمه بالهداية، فاستجاب الحبيب- صلى الله عليه وسلم - لطلب أبي هريرة- رضي الله عنه- ودعا لها بالهداية، واستجاب الله دعاء نبيه- صلى الله عليه وسلم-، فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، والنصوص القرآنية توضح ذلك كما في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (سورة آل عمران: الآية- 195)، لذلك فقد حرص الرسول- صلى الله عليه وسلم- على دعوة النساء للإسلام، فهن الأمهات، والزوجات، والأخوات، وبهذه المناسبة فإنني أُذَكّر الأبناء بضرورة بر الوالدين، وإكرامهما، والحرص على طاعتهما، وطلب الخير لهما مهما كانت الظروف، فالجنة تحت أقدام الأمهات، ورضي الله من رضي الوالدين، وسخطه من سخطهما، وكما تدين تدان، فهل عقل الأبناء ذلك كي يفوزوا برضى الله وطاعته في الدنيا، وبجنة عرضها السموات والأرض يوم القيامة؟! فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم، فباب التوبة والحمد لله مفتوح دائماً كما جاء في الحديث (إن الله يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها) ،(أخرجه مسلم). استمرار البر بعد موت الوالدين إن الإحسان إلى الوالدين ليس مقصوراً على وقت حياتهما، بل يمتد إلى ما بعد مماتهما، وهذه ملاحظة هامة من الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- حيث بين فيها أن بر الوالدين لا ينتهي مع الموت وإنما خيره يبقى متصلاً بفضل الأبناء الصالحين، فقد حاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هل بقي على من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما؟ فقال له الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما». وبهذه المناسبة فإننا نخاطب فلذات الأكباد وسند السواعد قائلين لهم: إن حقوق الوالدين عظيمة، فهما لم يقصرا معكم، وقدما كل خير لكم، فبادلوهم الخير بالخير، والإحسان بالإحسان، وقدموا كل خير ينفعهم في آخرتهم، لما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، (أخرجه مسلم). الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©