الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المكتب الرئيسي» فيلم يخادع الجمهور ويضعه في سياق لعبة واحدة

«المكتب الرئيسي» فيلم يخادع الجمهور ويضعه في سياق لعبة واحدة
24 مارس 2011 21:25
نحن بصدد عمل سينمائي مثير بامتياز.. لعل هذا التوصيف هو أقل ما يمكن إطلاقه على فيلم «المكتب الرئيسي» بطولة مات دامون وإيميلي بلونت، إخراج جورج نولفي بدءاً من اسمه الذي يوحي بسمة بيروقراطية صرفة، مروراً بمدخله الذي يضعنا في سياق لعبة واقعية إلى حدود المبالغة، قبل أن يذهب بنا فجأة نحو عوالم مسرفة في غموضها، وصولاً إلى خاتمته التي تعيدنا إلى الواقع وقد زودت ملامحه بما تحتاجه من تداعيات الغرابة. «المكتب الرئيسي» لا يمكن لهكذا عنوان أن يوحي بأكثر من نسق علاقات من طابع مؤسسي، وأن يشير إلى صلات بين أفراد هم أقرب إلى البراغي في آلة متقنة الآداء، أما التوغل منه نحو أسئلة وجودية تتصل بمعابثة الأقدار واللعب بالمصائر فذلك ما يبرر وضعه، دون تردد، في خانة الدهشة المتقنة التي تضرب المشاهد كعاصفة مباغتة. دايفيد نوريس (مات دايمون) هو أحد أصغر النواب في الكونجرس الأميركي، ظروف ومصادفات تصعب الإحاطة بها جعلت من هذا الشاب ذي الطلة الكاريزمية معقد إعجاب الناخبين فمنحوه أصواتهم دون تردد، في الانتخابات التالية كان يمني النفس بتكريس مكانته السياسية عندما سارت الأمور فجأة بغير ما يشتهي، مشادة في إحدى الحانات تداولتها وسائل الإعلام النهمة عادة لأمر مماثل، صورة قديمة تشي ببعد فضائحي أيضاً، وكذلك هجوم مكثف من الخصوم عبر شاشات التلفزة، كل ذلك كان أكثر من كاف ليحظى دايفيد بلقب «النائب السابق»، ويصير عليه العمل كشريك لصديقه شارلي، وهو أحد رجال الأعمال كان يتولى إدارة حملته الانتخابية. سخرية القدر لا يخرج كل ما سبق عن الإطار الواقعي القابل للتصديق بسهولة، إذ لطالما علمتنا الحياة أنها تأخذ بأكثر وأسرع مما تعطي، كما جعلتنا التجارب نوقن بكون دوام الحال من المحال، الربح والخسارة وجهان لعملة حياتية واحدة، والقدر هو ذلك اللاعب الساخر الذي يحلو له تقليب الوجوه بقدر ما يمتعه التحديق هازئاً في ملامح المتقلبين.. ليس في الحكاية ما يثير العجب، والرأي لا يقتصر علينا وحدنا، بل هو يطال دايفيد نفسه، الذي يذهب بعد تيقنه من الخسارة نحو مكان غريب لإعداد خطاب الهزيمة، هو اعتاد أن يلاقي لحظاته المصيرية في الحمام، ولا ينوي تغيير عاداته اليوم، سرعان ما نراه يذهب نحو حمام الرجال في الفندق الذي يدير منه حملته الانتخابية، يطلق التحية بصوت عال ليرى ما إذا كان هناك أحد ما، وعندما يأمن لخلو المكان يروح يردد بصوت عال ما ينوي قوله لمناصريه، ولخصومه أيضاً، بعد قليل. مفاجأة سارة كان دايفيد مندمجاً في خطابه التحضيري عندما تبين له أنه ليس بمفرده، والأمر ينطوي على مفاجأة دون ريب، أما المفاجأة الأدهى فتمثلت بكون شريكه المزعج امرأة وليس رجلاً، امرأة في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ أيضاً!! أطلت أليز (إملي بلونت) غير عابئة بكونها أنثى في معقل الذكورة، ولم بيد عليها أن تنوي الاعتذار، أو حتى تبرير الموقف، هي بادرت إلى مناقشة نوريس في ما سمعته من خطابه، ولم يفتها أن تتعاطف معه في الهزيمة، متأخراً رأى دايفيد نفسه معنياً بسؤال ضيفته عن سر اختيارها لمكان لا يخطر ببال أحد، ببساطة أجابته: «أنا مختبئة من رجال الأمن، فقد كنت أتطفل على حفل زفاف أقيم في الفندق، وأنا أفعل ذلك عادة»! الصدق يكفي صراحة المرأة أدهشت الرجل القادم لتوه من معترك السياسة، أي من حيث تمثل المراوغة وجهة نظر سائدة، ربما رأى نفسه مضطراً لمجاراتها فأفصح دون تردد: «لقد كنت افعل مثلك في السابق»! فضيحة أخرى لن تضير السياسي المثقل بالفضائح. سيل المفاجآت لم يتوقف عند هذا الحد، العلاقة بين دايفيد واليز تطورت بسرعة قياسية، لم تتردد في توجيه له بعض النصائح المتعلقة بخطابه السياسي، الصدق هو ما يبحث عنه الناس حقيقة، تكلم لهم عن تجاربك المتشابهة مع تجاربهم، وسوف تلقى منهم القبول. لم يكن لدى المرأة الهاربة من الأمن مزيداً من الوقت، لكنها قبل متابعة فرارها لم تنس أن تحل له ربطة عنقه لأن الإفراط في الأناقة ينقلب، ككل إفراط آخر، إلى عكسه. تعديل الطريق هربت أليز، وعاد دايفيد ليلقي خطابه، لكنه خرج عن النص المقرر، وارتجل، عملاً بنصيحتها، كلمة معبرة عن واقعه المعيشي، لقي كلامه قبولاً كانت المرأة الخبيرة في شؤون الحياة اليومية تتوقعه، وهي كما سنعلم لاحقاً، مدربة رقص ناجحة ينتظرها المزيد من النجاح في المستقبل. من على سطح يحيط بمنصة دايفيد كان ثمة أربعة رجال صارمو الملامح يراقبون بصمت، وحده أحدهم، رئيسهم على ما بدا، أطلق جملة يتيمة: لنغير له حياته. وكانت ملامح الآخرين تشي بالخضوع باستثناء واحد منهم بدت عليه علامات الضيق. وكلاء القدر كان بوسع المشاهد أن يطلق العنان لظنونه في ما يخص هوية الأشخاص الخمسة، يمكنه أن يذهب مباشرة إلى كونهم رجال أمن، أو أن يكونوا من أنصار الخصوم الانتخابيين للنائب الخاسر، وربما خطر له أن يكونوا عملاء لمخابرات دولة أجنبية، لكنه، مدفوعاً بهذا القدر من الواقعية الذي سيطر على مجريات الفيلم حتى اللحظة، لن يخطر له أن هؤلاء الأشخاص، ببزاتهم الفاخرة، وربطات أعناقهم الملونة، وقبعاتهم المميزة، هم ببساطة «عملاء للقدر»، مهمتهم تأمين سير الأحداث كما قررها «الرئيس» الذي رسم مخططاتها في كتاب لا يشبه الكتب التقليدية إلا في شكله الخارجي فقط. في صدفة، لا وجود لها في قاموس الرجال الخمسة، سيلتقي دايفيد وأليز مجدداً في الحافلة العامة ليوصلها إلى مكان قريب من منزلها، وهناك ستعطيه رقم هاتفها على أمل اللقاء مجدداً، لكنَّه بعودته إلى مقر عمله سيكون على موعد مع القدر عبر وكلائه المشار إليهم، هو لم يتنبه إلى الموظفين في الشركة وقد جرى تجميدهم على هيئة محددة، لكنه بدخوله إلى مقر صديقه شارلي وجده محاطاً بمجموعة من الرجال مع أدوات غريبة في أيديهم، المهمة تقضي بإجراء تعديلات على أفكاره ومخططاته، والأمر يحدث بعد إدخاله في حالة تشبه الغيبوبة لا يتذكر بعد الصحوة منها أياً من تفاصيلها، الحاصل أن القدر يسير أموره وفقاً لمنهجية متحركة، وهو يجري التعديلات المطلوبة اعتماداً على وسائل محددة سلفاً. خارج النص ما يمكن استنتاجه أن اللقاء الثاني بين دايفيد وأليز كان من خارج الروزنامة القدرية المحددة مسبقاً، ومثل هذه الاستثناءات النادرة يحدث فقط بفعل إصرار استثنائي لأصحاب العلاقة، ورغبة غير اعتيادية من قبلهم، كان المقرر لدايفيد أن يتخلف عن ركوب الباص، فلا يلتقي أليز، ويتأخر عن الوصول للشركة بحيث ينجز الوكلاء عملهم في تعديل شارلي قبل وصوله، لكن الذي حصل فعلاً هو أقرب إلى الخطأ التقني في آلة قدرية عملاقة، والمطلوب إصلاح الموقف بما يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة. يحاول دايفيد الهروب من الوكلاء لكن تجربة واحدة ستجعله يعدل عن ذلك، ويلجأ إلى التفاوض: المطلوب منه التوقف عن الالتقاء بأليز، لأن لقاءهما الثاني لم يكن مقرراً، ولن يكون لإصراره من معنى، فالأحمق وحده هو من يصارع قدراً يتمتع وكلاؤه بهذا القدر من النفوذ. يوافق نوريس مكرهاً على الشروط المطروحة، ويسلم الورقة التي كتبت عليها أليز رقم هاتفها لكبير الوكلاء كي يحرقها. بدا مغلوباً على أمره كما يجد كل شخص نفسه في مواجهة القدر. المعارك الخاسرة بعد مرور ثلاث سنوات على الواقعة، كما تشير رسالة سريعة على الشاشة، سنرى دايفيد غارقاً في همومه يحتار كيف يعقد صفقة جديدة مع قدر لا قدرة له على مواجهته، إذن هو الإصرار الذي لا يملك سواه، وهو سيجعله يلتقي ليز مجدداً كما حصل له في المرة الأولى، أي من خارج الأجندة المقررة، لكنه هذه المرة سيبدو أكثر تصميماً، واستعداداً لخوض المعارك الخاسرة، وفي مفارقة قدرية أخرى، سيلتقي دايفيد بأحد الوكلاء القدريين هاري ميتشيل (أنطوني ماكي) الذي يبدي تعاطفاً غير مفهوم معه، ويتيح له بعض الإحاطة بطبيعة عمله وعمل زملائه، نحن نشبه ضباط المخابرات، نلتزم بتعليمات رئيس لا نعرف له وجهاً.. كما أفهمه هاري أن لقاءه بأليز ليس مستحيلاً لكنه في غاية الصعوبة. استحقاق الأفضل هنا يزداد إصرار دايفيد على المواجهة متغاضياً عن فداحة التكلفة، خاصة أنه تعلم من هاري بعض آليات الدفاع عن الذات في مواجهة التحديات الغير مألوفة، ثمة أبواب محددة تفضي إلى مجاهل غير محددة، وإن كانت تحمل بعض علامات النجاح، المسألة تعتمد على العزيمة والإرادة، والرغبة في تحمل المخاطر أيضاً، في اللقاء التالي بين دايفيد وأزلي كانت تبدو الأمور سائرة نحو مستقر لها حتى تلقت المرأة عدة اتصالات هاتفية مباغتة من خطيبها السابق، هو يعرض عليها العودة له، لكنها سبق له أن تخلت عنه إثر لقائها دايفيد: «لقد أفسدتني».. تقول له، وتضيف: «عندما رأيتك أيقنت أنني أستحق ما هو أفضل من خطيبي السابق». فضيلة الإصرار لدى تدربها على الرقص تصاب أليز بالتواء في الكاحل، وهنا يظهر كبير الوكلاء أمام دايفيد ليخبره أن حبيبته مقرر لها أن تصبح راقصة عالمية، ومن شأن إصراره على الاقتران بها أن يجعلها تحلم بتعليم الرقص لأطفال في السادسة من أعمارهم. الحادثة التي تتعرض لها أليز تـدفع دايفيد للابتعاد عنها حرصاً على مستقبلها المهني، فتوافق هي على الاقتران بخطيبها السابق بعد أن تظن أن المسافة الاجتماعية الفاصلة بين سياسي محنك وراقصة متدربة هي التي دفعته للتخلي عنها، لكن دايفيد يقرر الدخول مجدداً في لعبة الأقدار. ويخوض مجازفات مكلفة مع أليز التي تتبعه غير مقتنعة بكير ممما يقوله، وفي النهاية يصدر أمر «الرئيىس» بتعديل المسار والسماح للثنائي العاشق بإكمال طريقهما معاً.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©