الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

توجه لإعادة النظر في برنامج الخصخصة المصري

توجه لإعادة النظر في برنامج الخصخصة المصري
14 مايو 2010 22:48
جاءت تصريحات وزير الاستثمار المصري الدكتور محمود محيي الدين قبل أيام حول وقف بيع شركات القطاع العام المصري لمستثمر رئيس لتعكس توجهاً جديداً من جانب الحكومة المصرية في التعامل مع برنامج الخصخصة الذي انطلق قبل 17 عاماً ومحفظة الأصول المملوكة للدولة. وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول دوافع حكومة الدكتور أحمد نظيف لإعادة النظر في آليات وأهداف الخصخصة، فإن هذه الآراء تكاد تجمع على أن تصريحات وزير الاستثمار تؤشر على شبه توقف رسمي لبرنامج الخصخصة إن لم تكن نهاية البرنامج. وتتراوح هذه الآراء بين ضغوط حركات الاحتجاج العمالية التي شهدتها مصر في الشهور الأخيرة من جانب عمال شركات تمت خصخصتها عبر آلية المستثمر الرئيس، واتجه هؤلاء المستثمرون لتصفية نشاط هذه الشركات وبيع أصولها من الأراضي والعقارات وغيرها وتسريح العاملين، وكان من أبرز أمثلة هذه الشركات شركة طنطا للكتان التي تم بيعها لمستثمر سعودي وشركة المعدات التليفونية التي تم بيعها لمستثمر مصري، حيث فتح اعتصام هاتين الشركتين ملف الخصخصة على الرأي العام المصري. ويرى فريق آخر أن الاحتجاجات العمالية ليست سبباً كافياً للتوجه الأخير للحكومة، وأن الأمر يتعلق بإعادة النظر في أساليب التعامل مع محفظة الأصول المملوكة للدولة على نحو أكثر كفاءة، وبحيث يحقق أقصى استفادة ممكنة من هذه الأصول لا سيما مع تصفية الديون التاريخية المستحقة على هذه الشركات مع نهاية العام المالي الجاري في شهر يونيو، حسبما يؤكد وزير الاستثمار محمود محيي الدين، وهو الأمر الذي يعني إمكانية تحول الكثير من شركات قطاع الأعمال العام من الخسارة للربح بعد تخفيف أعباء سداد أقساط الديون وفوائدها. في الوقت ذاته، يرى فريق ثالث أن التوجه الحكومي الأخير جاء بناء على تعليمات مباشرة صدرت عن القيادة السياسية المصرية كنوع من الاستجابة لمطالب فئات واسعة من المصريين الذين يرون في بيع الشركات لمستثمر رئيسي ـ لا سيما إذا كان هذا المستثمر أجنبياً ـ خطراً على الثروة المصرية التاريخية ويعرضها للاستنزاف لحساب الأجانب في الوقت الذي يتم فيه إهدار حقوق العمال وخلق شبكات احتكارية في مجالات السلع والخدمات الرئيسة مثلما حدث في قطاع الإسمنت بما يشكل ضرراً مباشراً على المواطنين. وبغض النظر عن كافة هذه الأسباب، فإن تصريحات وزير الاستثمار الأخيرة تكشف عن مجموعة من الحقائق سوف تجد طريقها إلى الواقع الاقتصادي في السوق المصرية خلال المرحلة المقبلة. أولى هذه الحقائق، تتمثل في عدم طرح أي من شركات قطاع الأعمال العام سواء أكانت رابحة أو خاسرة للبيع بنظام المستثمر الرئيس في المرحلة المقبلة، وثانية هذه الحقائق تتمثل في أن عمليات الطرح سوف تقتصر في الفترة القادمة على طرح شرائح من الأسهم تتراوح بين 20 و40 بالمئة من هذه الشركات للبيع عبر عمليات اكتتاب عام يقتصر تملك الأسهم فيها على المصريين، وذلك قبل تداول هذه الأسهم في البورصة في وقت لاحق، وحينها يمكن للأجانب شراء هذه الأسهم من البورصة إلا إذا كانت وزارة الاستثمار تفكر في وضع قيود على نقل ملكية هذه الأسهم من المصريين للأجانب سواء أكانت قيوداً على ذلك. وثالثة هذه الحقائق تتمثل في اعتزام الحكومة إعادة النظر في عقود بيع العديد من الشركات التي تمت خصخصتها بنظام المستثمر الاستراتيجي ونتجت عنها مشكلات سواء عمالية أو مع الشركات القابضة البائعة، ومنها على سبيل المثال صفقة بيع شركة عمر أفندي وبحث الجوانب القانونية المتعلقة بمعالجة الأخطاء والتداعيات التي نجمت عن البيع سواء عبر اللجوء إلى التحكيم الدولي أو عبر فسخ عقود البيع في حالات الإخلال الجسيم بشروط الصفقة من جانب المشتريين أو عبر منع تصفية الشركات وبيع الأصول من الأراضي والعقارات تحت أي ذريعة من جانب هؤلاء المستثمرين، لا سيما مع استمرار ارتفاع أسعار الأراضي إلى مستويات غير مسبوقة في مصر تحت وطأة طلب شديد يقابله عرض محدود ووصول قيمة محفظة أراضي بعض الشركات المبيعة إلى عدة مليارات من الجنيهات. ومن المنتظر على ضوء هذه الحقائق أن تشهد الفترة القادمة تفعيل نصوص حق الانتفاع فيما يتعلق بأراضي الشركات المبيعة وعدم السماح بنقل المصانع إلى مناطق صناعية بغرض الاستفادة من أراضي المصانع القديمة في أغراض سكنية أو استثمار عقاري وإعطاء تعليمات واضحة للإدارات المحلية في المحافظات بعدم الترخيص لهذه الأراضي لاستغلالها في أي أغراض سكنية. وترى دوائر اقتصادية مصرية أن التوجه الأخير من جانب الحكومة يعطي مؤشراً على عودة دور الدولة بقوة في المرحلة المقبلة في المجال الاقتصادي وعودة الاستثمارات العامة بقوة بعد سلبيات تجارب الخصخصة السابقة، والدليل على ذلك اعتزام وزارة الاستثمار تأسيس عدد من الشركات للاستثمار في مناطق الصعيد وإنشاء مصنع إسمنت جديد مملوك للدولة عبر إحدى الشركات القابضة الحكومية. وتؤكد هذه الدوائر أن تعظيم كفاءة استخدام محفظة الأصول المملوكة للدولة في المرحلة المقبلة من شأنه تدعيم خطوات الإصلاح الاقتصادي وتعزيز قدرة الاقتصاد القومي على النمو لا سيما أن حجم القطاع العام لا يزال كبيراً ومؤثراً على الخريطة الإنتاجية في مصر في العديد من المجالات الحيوية خصوصاً الصناعية. ويؤكد الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد المصري الأسبق، أن الخصخصة لا تعني انسحاب الدولة، بل يجب أن يكون دور الدولة حاضراً وقوياً سواء لتنظيم الملعب الاقتصادي وممارسة دور الحكم بين أطراف اللاعبين في السوق، أو لممارسة دورها الرقابي الحازم الذي يمنع انفلات قوى السوق بما يؤثر على حقوق المواطنين الاقتصادية أو يحول دون حصولهم على السلع والخدمات بجودة عالمية وبأسعار مناسبة. ويقول إن عودة الاستثمارات العامة سواء في مجال صناعة الإسمنت أو غيرها تؤشر على اعتزام الحكومة تدارك أخطاء التجارب السابقة في بيع الشركات دون ضوابط، الأمر الذي نتج عنه بعض الأوضاع الاحتكارية أو استغلال حاجة السوق لمنتج معين ومن ثم رفع أسعاره دون أي مبرر أو منطق اقتصادي رشيد. وأوضح أن أخطاء التجارب السابقة لا تعني خطأ الفكرة، ولكن التطبيق هو المسؤول، حيث كان يجب التصدي بحزم ومن البداية لعمليات الاتجار في أراضي شركات القطاع العام تحت أي مسمى أو بيع الشركات دون الأراضي أو بنظام حق الانتفاع، بحيث لا تصبح هذه الأراضي مطمعاً أو حافزاً للمستثمرين للمجيء لشراء الشركات ومن ثم تصفية النشاط وبيع الأراضي في عمليات استثمار عقاري لا علاقة له بأنشطة الشركات. ويؤكد الخبير الاقتصادي هاني توفيق أن التوجه نحو طرح حصص من شركات قطاع الأعمال العام في المرحلة المقبلة بنظام الاكتتاب العام للمصريين من شأنه توسيع قاعدة الملكية في المجتمع وتلافي عمليات تصفية الشركات التي يقدم عليها بعض المستثمرين غير الجادين أو الطامعين في محفظة الأراضي، ومن ثم يفتح هذا التوجه الباب أمام تعظيم الاستفادة من محفظة الشركات الحكومية، ولكن هذه الاستفادة مرهونة بإصلاح الهياكل المالية والإدارية لهذه الشركات وتعزيز الدور الرقابي للجمعيات العمومية وإعطائها صلاحيات حقيقية للمحاسبة والمساءلة لمجالس إدارات هذه الشركات.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©