الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

معـاً... خطوات واضحة نحو بصمة بيئية أفضل

معـاً... خطوات واضحة نحو بصمة بيئية أفضل
30 أغسطس 2009 22:17
لفتت أخبار العرض الناجح الذي استطاعت من خلاله دولة الإمارات العربية الفوز باستضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا» في أبوظبي أنظار العالم إلى ملفنا البيئي. وارتفعت في حينها أصوات كثيرة في سماء الإعلام العالمي متسائِلَةً عن أحقية وجدوى استضافة دولة الإمارات، وهي إحدى أكبر الدول المنتجة للبترول، للوكالة الدولية المتخصصة والمسؤولة عن الحد من تغيرات المناخ وتشجيع تطوير استخدام مصادر الطاقة المتجددة حول العالم. ولا شك أن جزءاً كبيراً من التساؤلات والانتقادات التي تم طرحها خلال فترة حملة «أيرينا» ومابعدها قد تم اقتباسها مما ورد في تقرير الصندوق العالمي لصون الطبيعة فيما يتعلق بسجل دولة الإمارات البيئي، وكونها صاحبة البصمة الكربونية الأكبر بين دول العالم. ومن المؤسفِ أن هذا التقرير أصبح معياراً للحُكم على مسارِنا البيئي، على الرغم من أنه بشكلٍ أو بآخر مُجحِفٌ بحق جهود دولة الإمارات التي بُذِلَت وما تزال تُبذَل لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والإسهام في مقاومة التغيُر المناخي، وأن دولة الإمارات هي إحدى الدول صاحبة المبادرات البيئية المميزة التي تعمل على مواجهة تحدي التغير المناخي والارتقاء بمستوى حياة الأفراد على مستوى العالم. وبرغم ما يلقيه تقرير الصندوق العالمي لصون الطبيعة من ظلالٍ ثقيلة على ملفنا البيئي، اعترفت المنظمة بشكل واضح أننا دولة تَتَّخِذٌ إجراءات جريئة في هذا الصدد. فعندما قدمنا عرضنا لاستضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «أيرينا»، أعلن الصندوق عن دعمه لدولة الإمارات العربية المتحدة كَمُضيفٍ مناسب للوكالة، وفي هذا الصدد فإننا مُمتنون له، لأن دعمه لنا يعني ثقته في التزام قيادتنا الرشيدة تجاه البيئة والمستقبل المستدام. ما تقدم ذكره لايعني مطلقاً بأننا ندَّعي أن مستويات انبعاثات غاز الكربون لدينا في الحدود المقبولة. فطبيعة اقتصادنا الذي تمتلك فيه صناعة النفط ذات الانبعاثات الكربونية العالية الحصة الأكبر منه، وحجم التعداد السكاني المتواضع لدولتنا، أمران مؤثران في النسبة الكربونية لبصمتنا البيئية. وعلى كل حال فإن صناعة النفط والغاز تتسبب بأقل من نسبة الثلث فقط فيما يتعلق ببصمتنا الكربونية، بينما تُعزَى النسبة الكبرى منها لقطاع العقارات والمنازل السكنية وقطاع المواصلات. كما أن أحد أسباب هذه المعدلات المرتفعة من الانبعاثات الكربونية الطبيعة الجغرافية لبلدنا؛ فنحن نعيش في بيئةٍ صحراوية، حيث ترتفع درجة الحرارة وتقل الموارد الطبيعية للماء بما في ذلك المطر. فالوصول إلى معدلات استهلاك الماء والطاقة التي تحقق مفهوم الاستدامة في بيئة صحراوية كبيئة دولة الإمارات العربية المتحدة أصعب كثيراً من الوصول إليها في بيئة مُعتَدِلَةِ المناخ وتتمتع بوفرَة الموارد الطبيعية للماء. فنحن مثلاً نحتاج في بلدنا إلى تحلية ماء البحر وإلى التبريد بشكل متواصل، وكِلاهما عمليتان تستهلكان قدراً كبيراً من الطاقة، وبالتالي تتسببان في قدر لايُستهانُ به من الانبعاثات الكربونية. وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية، ينبغي علينا الاعتراف بأن معدلات الاستهلاك المرتبطة بِهاتَين العمليتين ستبقى مرتفعة إلى أن يتم تحقيق إنجازات فعلية وعملية في مجال تقنيات التحلية والتبريد. إنها حقيقة مؤسفة، لكننا كعادتنا لن نستسلم، بل سَيَحذونَا إيماننا بقدرتنا على تحقيق المراد للاستمرار بالعمل على استكشاف وتطبيق حلول جديدة. تَعكِفُ دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة حالياً على تطبيق العديد من المبادرات، من مشروعات كبيرة للطاقة النظيفة، إلى حملات توعية وإرشاد عامة. ونظراً لأننا دولة فَتيَّة تتميز بنمو اقتصاديٍ واجتماعيٍ سريع، فإننا نَتَّخِذُ دائماً الإجراءات المناسبة لتعزيز الوعي البيئي وروح الانتماء باعتبار أنهما يُشَكِّلانِ القاعدة الصلبة للاقتصاد الذي يُراعي المحافظة على البيئة ويساعد على نمو دولتنا في المستقبل. ولنكون عادلين في حق تقرير الصندوق العالمي لصون الطبيعة، يمكن القول إنه قد كان له أثر إيجابي، حيث أدى إلى تأسيس شراكات بين جهات حكومية وجهات خاصة في أبوظبي، كتلك التي قامت بين هيئة البيئة في أبوظبي، ومبادرة أبوظبي للبيانات البيئية العالمية، وجمعية الإمارات للحياة الفطرية، والصندوق العالمي لصون الطبيعة وشبكة البصمة البيئية العالمية، وغيرها من الشراكات الأخرى. وتهدف هذه الشراكات إلى دراسة وفهم البصمة البيئية لدولة الإمارات بهدف تخفيض هذه البصمة. ومن المُنتَظَر أن تسهم النتائج التي تُسفِر عنها هذه الأبحاث والدراسات في تمهيد الطريق أمام وضع سياسات واتخاذ إجراءات تستهدف المجالات التي يؤدي بذل جهود فيها إلى الحد من مستوى البصمة البيئية للدولة. وقد أسفرت الدراسات والبحوث حتى الآن عن الإحاطة بعدة حقائق أهمها أنَّ معدلات استهلاك الطاقة المنزلية هو من أهم أسباب ارتفاع قوة بصمتنا البيئية، حيث أنها وراء حوالي نصف معدل الانبعاثات الكربونية في الدولة. وقد جاءت حملة «أبطال الإمارات»، التي ترعاها «مصدر»، استِجَابةً لهذه النتيجة التي تم التوصل لها؛ فهذه الحملة تهدف إلى زيادة الوعي المنزلي بضرورَةِ التقليل من استهلاك الطاقة. وعندما يتم الوصول إلى كافة النتائج واتخاذ جميع الإجراءات المناسبة، سيصبح أُسلوبنا في توليد، وترشيد، واستهلاك الطاقة أحد العوامل الرئيسية في الحفاظ على بيئتنا، وهو عمل يمكن أن يشارك فيه كل فرد من أفراد مجتمعنا. وهذا يعني أن توعية المجتمع وإِشرَاكِه في عملية توفير الطاقة من خلال اتخاذ إجراءات بسيطة سيلعب دوراً هاماً في إطار مجمل الجهود المبذولة من أجل خفض معدلات الانبعاثات الكربونية. وباعتبارِ احتياجاتنا المتزايدة للطاقة بصِفَتِنَا دولة تنمو اقتصادياً وسكانياً بشكل مطَّرد، فإن حملات التوعية وتأسيس الشراكات بين جهات القطاعين العام والخاص لا تكفي لتحقيق مبتغانا. وكان من اللازم أن نشبع حاجتنا المتزايدة إلى الطاقة باستخدام مصادر الطاقة النظيفة منعدمة الانبعاثات الكربونية. وهنا تلعب الرؤية الحكيمة والبصيرة المستقبلية لقيادتنا الرشيدة دوراً جوهرياً في تنمية اقتصاد مستدام ومنفتح وقادر على المنافسة عالمياً من خلال الاهتمام المنقطع النظير بالبيئة ومستقبل الطاقة المتجددة، حيث يُنتَظَر أن تكون مبادرة مصدر التي تم إطلاقها في أبوظبي في أبريل 2006، من أكبر المساهمين في تحقيق أهداف حكومة أبوظبي في الوصول لـ 7 في المائة من الطاقة المنتجة من مصادر طاقة نظيفة بحلول عام 2020. وتتجسد مساهمات مصدر من خلال استثماراتها في مجال تقنيات الطاقة المتجددة حول العالم، وكافة مشاريع الطاقة المتجددة التي يتم تنفيذها في أبوظبي والخاصة بإنتاج الطاقة وفقاً لآليات مستدامة تتضمن قدراً ضئيلاً من الانبعاثات الكربونية. ومثال ذلك مشروع شبكة التقاط وتوزيع وتخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون في أبوظبي الذي يمثل المرحلة الأولى ضمن سلسلة من منشآت التقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المنشآت الصناعية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية في أبوظبي. وسيساعد المشروع في منع خمسة ملايين طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون المنتج من المنشآت الصناعية من دخول الجو سنوياً من خلال التقاطها، وهذا يعادل تقريباً إزاحة حوالي مليون وربع سيارة من الطريق سنوياً وبالتالي التخلص من انبعاثاتها الكربونية. ومِمَّا لا شكَّ فيه أن وَضعَ وتنفيذ تقنيات وسياسات الطاقة النظيفة على المدى الطويل يستلزِمُ تعزيز الخبرات في هذا المجال، وكذلك تنمية الكوادر البشرية المؤهلة. وهنا يعتبر «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» نقطة الانعطاف الأكثر أهمية على هذا الصعيد. فبحلول سبتمبر 2009، ستكون أبواب المعهد مفتوحة أمام حوالي 100 طالب من حملة الدرجات الجامعية تم انتقائهم من أكثر من 22 بلدا حول العالم لبدء الدراسات العليا المتضمنة على برامج بحثية وعلمية وهندسية تُرَكز على الطاقة المتجددة وتقنيات الاستدامة . وسيحصل خريجي المعهد على شهادة الماجستير في تخصصهم. وقد بدء «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» فعلياً في لعب دور محوري في مجال بناء الخبرات لصالح منهجية البصمة البيئية، حيث يتم وضع نماذج تحليلية مفصلة للبصمة البيئية وتقديم المهارات الفنية للمنظمات المعنية مثل الصندوق العالمي للحياة البيئية وجمعية الإمارات للحياة الفطرية من أجل مساعدتهم في الجهود التي يبذلونها. ومن المنتظر أن يكون للمعهد الفريد في تخصصه في الطاقة البديلة والتقنيات المستدامة، دور رئيسي في تقديم القوى العاملة الموهوبة من العلماء، والباحثين، ورجال الأعمال المهتمين بقضايا الاستدامة، ما سينعكس إيجابياً على المجتمع ويساهم بشكل كبير في تحولنا إلى اقتصاد قائم على المعرفة. اليوم، يُمكِنُنَا القول بأن الحد من الانبعاثات الكربونية لابد له أن يكون الشُغلَ الشاغل لمؤسسات القطاعين العام والخاص في دولة الإمارات. وأنه ينبغي علينا متابعة العمل الفعلي الجاد وترجمته على أرض الواقع، وذلك من خلال إطلاق مبادرات جديدة وتطوير مشاريع متخصصة هدفها الحد من الانبعاثات الكربونية. وعلى سبيل المثال، فإن مبادرة «استدامة»، التي تعنى بتطبيق الإرشادات والقواعد الخاصة للمباني المستدامة، هي أحد الدلائل المبشرة على الجهود الجادة التي تبذلها دولة إمارة أبوظبي نحو الحفاظ على البيئة والسير في مضمار الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي. وخلال الفترة ما بين 1994 و2006، كانت الإمارات العربية واحدة من 16 دولة فقط على مستوى العالم تلتزم بالحد من اشتعال الغازات، وهو أحد المصادر الرئيسية لانبعاثات غازات الدفيئة. خلال تلك الفترة نجحت شركة آدنوك في خفض معدل اشتعال الغازات بمقدار 80 في المائة، وما زالت، حتى يومنا هذا، تستكشف أساليب جديدة للحد من الانبعاثات الناتجة عن الصناعات البترولية ومشتقاتها. وتعكس هذه البرامج التزام قيادتنا الحكيمة في الحد من التغير المناخي والحفاظ على البيئة، وهذا الالتزام ليسَ بِحَدِيثِ العهد بالنسبة لدولتنا، بل هو إحدى الركائز الأساسية المترسخة في تراثنا منذ البداية. فالاهتمام بالبيئة يرجع إلى عدة عقود مضت. وكان ذلك بدعم من مؤسس الدولة الوالد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، صاحب الأيادي البيضاء على البيئة، الذي نال عدة جوائز في مجالها، منها جائزة الباندا الذهبية من الصندوق العالمي للحياة البيئية عام 1997، وكان بذلك أول رئيس دولة يعترف بجهوده في مجال الحفاظ على الطبيعة وحماية البيئة ويحصل على أرفع جائزة يمنحها الصندوق. وبدون أدنى شك، فإن استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «أيرينا» سَيَشحَذُ هِمَّتَنَا لمواصلة تخفيض بصمتنا الكربونية، كما سَيُمَكِّنُنَا من مساعدة أنفسنا ومساعدة الدول الأخرى على أن تُحَقِّقَ مجتمعاتنا مزيداً من التنمية المستدامة. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة سَتظلُ إحدى أكبر الدول المنتجة للبترول ومشتقاته خلال السنوات القادمة، إلا أننا نسعى لزيادة مصادر الطاقة والخبرات الفنية اللازمة لتنويع الأُسس التي يقوم عليها اقتصادنا من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة وتبني التقنيات البيئية المستدامة. إننا نعمل على زِيادة وَعي المجتمع ووضع سياساتٍ للحد من انبعاثات الكربون الصادرة عنا. هذه الجهود لن تخدم البيئة فقط، بل ستخدم أفراد المجتمع أيضاً لأنها ستمنحهم مستقبلاً اقتصادياً مستداماً. وفي النهاية، آمل أن يحرص جميع قاطني إمارة أبوظبي ودولة الإمارات على خفض معدلات استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون بشكل يرتقي إلى مستوى حِرصِ قيادة دولة الإمارات الرشيدة، والمساعي الجَّادة لِكافة مُؤسساتها البيئية للوصول إلى المستوى المنشود من التوازن البيئي والحياة الرَّغِيدة لِكافة أفراد المجتمع. ثمن الوقود الحيوي: غابات العالم تحتضر! كل من يراقب الغابات التي تحتل مساحة شاسعة من الأراضي في إندونيسيا من الطائرة سيصاب بالذهول لأن أول ما سيطالعه هو أعمدة الدخان البيضاء التي تتصاعد وكأن المنطقة قُصفت بالقنابل لتتراءى بعد ذلك جذوع الأشجار وهي متناثرة مفسحة المجال لمزارع زيت النخيل التي بدأت تجتاح الغابات وتقلص مساحتها. وإذا استمر الوضع على حاله يتنبأ المراقبون بمستقبل قاتم للغابات التي تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن البيئي للعالم وفي حماية بعض الحيوانات المعرضة للانقراض. والحقيقة أن ما يجري اليوم في إندونيسيا، وباقي دول آسيا، من تراجع مساحات الغابات لصالح مزارع زيت النخيل يظهر بشكل واضح المفارقة التي يحملها الوقود الحيوي معه، إذ في الوقت الذي يتم فيه تشجيع الدول على تبني زراعات بعينها تساهم في التخفيف من الاعتماد على النفط سواء تعلق الأمر بزيت النخيل الذي يدخل في صناعات عديدة، أو الإيثانول المستخرج من الذرة، فإن هذه الزراعات أيضاً تقضم مساحات متزايدة من الأشجار والغابات وتلحق في العديد من الأحيان أضراراً بالغة بالنظام البيئي في مجمله. ومع حملات قطع الأشجار وتحويل الغابات إلى مزارع خاصة على نحو ما باتت تمارس بعض دول آسيا بنشاط، تلجأ الحيوانات مضطرة إلى المناطق الأكثر أمناً لتوفير الغذاء والمرعى، ولكن الآلاف من هذه الحيوانات تتعرض أيضاً للقتل أو الذبح سنوياً بسبب دخولها إلى مناطق زراعية أعدت لإنشاء مزارع نخيل الزيت الضخمة مما يهدد بانقراض أنواع وفصائل عديدة من هذه الحيوانات. وعلى مدار عقود من الزمن فقدت أنواع كثيرة من الحيوانات مواطنها، وانقرضت أنواع أخرى نتيجة عمليات قطع الأشجار غير القانونية وحرائق الغابات المهلكة في كل عام، فضلا عن عمليات الصيد غير القانونية. ولكن ذلك لم يمنع ماليزيا وإندونيسيا، آخر موطنين متبقيين لبعض الحيوانات النادرة، من مسابقة الزمن لتحويل الغابات إلى مزارع لنخيل الزيت ومشاريعه المربحة، لتتم التضحية بآلاف الحيوانات من أجل خدمة التجارة العالمية وإتاحة الفرصة للشركات العالمية التي تستفيد من تجارة زيت النخيل لكي تتغول وتتمدد. وفي هذا الإطار توسع إندونيسيا وماليزيا بسرعة زراعتهما لهذا النوع من النخيل الذي يُستخرج منه الزيت ، لتتمكّنا من تموين السوق الأوروبية بالوقود العضوي، بنسبة 20 في المئة. وفي البرازيل، حيث باتت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة المخصّصة للزراعات التي تُستخرج منها المحروقات كبيرة للغاية -بحجم مساحة هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وبريطانيا مجتمعة- تتوقّع الحكومة زيادة المساحة المخصّصة لزراعة قصب السكر بنسبة خمسة أضعاف؛ وذلك بهدف استبدال 10 في المئة من الاستهلاك العالميّ للوقود من الآن وحتى عام 2025. كما تجري تعبئة الرساميل وتركيز السلطة في صناعة المحروقات الزراعية بسرعة مذهلة، فعلى مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، ارتفعت الاستثمارات المخاطِرة إلى ثمانية أضعاف، وتدفقت التمويلات الخاصّة على مؤسسات البحث العلمي الحكومية، وهو ما يثبته على سبيل المثال نصف مليار دولار من المساعدات التي تقدّمها شركة «بريتيش بتروليوم» لجامعة كاليفورنيا. ومن ناحيتها تعقد المجموعات التجارية النفطيّة الكبيرة، وتلك المختصّة في زراعة الحبوب وصناعة السيارات والهندسة الجينيّة، اتفاقات شراكة قويّة: شركة أرشر دانييلز ميدلاند وشركة مونسانتو؛ شفرون وفولكس فاجن؛ بريتيش بتروليوم ودوبون وتويوتا. وتسعى تلك الشركات المتعدّدة الجنسية إلى تركيز نشاطاتها في البحث والإنتاج والتحويل والتوزيع، المرتبطة بأنظمتنا الغذائية وكذا مصادر التموين بالمحروقات. ويذكر، في هذا المقام، أن زيت النخيل الذي يتسبب في الكثير من الأضرار البيئية في إندونيسيا وغيرها أصبح هو ثاني أكثر الزيوت النباتية انتشاراً في العالم بعد زيت فول الصويا، ويستخدم في صناعة الكعك ومعجون الأسنان والخبز، وقد تزايد الطلب أيضاً على الوقود الحيوي المصنع من زيت النخيل على رغم اعتراض منتقدين على هذا البديل «الأخضر» للنفط الخام لكونه باهظ الثمن نظراً لتسببه في تدمير الغابات من أجل إفساح الطريق لزارعة أشجار نخيل الزيت. وأكثر من ذلك تقول جماعة أصدقاء الأرض للحفاظ على البيئة إن أربعة ملايين فدان من مساحة الأراضي التي زرعت عليها ماليزيا وإندونيسيا أشجار نخيل الزيت في عام 2004 وبلغت إجمالا 6.5 مليون فدان كانت أراضي غابات في السابق. وحسب المختصين والمدافعين عن البيئة تعدّ زراعات النخيل المنتج للزيت في إندونيسيا، المخصّصة لإنتاج الوقود البيولوجيّ المُسمَّى بـ «وقود اقتلاع الأشجار»- هي السبب الأساسيّ لتراجع مساحة الغابات، بحيث يتوقع بحلول عام 2020، أن يزداد حجم تلك المساحات بنسبة ثلاثة أضعاف ليبلغ 16.5 مليون هكتار وهو الأمر الذي ستنتج عنه خسارة نسبة 98 في المئة من أشجار الغابات، كما أن ماليزيا المجاورة، وهي المنتج العالميّ الأول لزيت النخيل، خسرت 87 في المئة من غاباتها الاستوائية حتى الآن، وهي تستمرّ في استصلاحها بوتيرة 7 في المئة سنوياً، ما يهدد في النهاية باختفاء مساحات شاسعة من الغابات في العالم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©