الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نورثروب فراي يرصد العلاقة بين الكتاب المقدس واللغة

نورثروب فراي يرصد العلاقة بين الكتاب المقدس واللغة
30 أغسطس 2009 22:26
يسعى نورثروب فراي في كتابه «المدونة الكبرى: الكتاب المقدس والأدب» إلى دراسة الكتاب المقدس من خلال رؤية ناقد أدبي وإخضاعه لقواعد النقد الأدبي وتحليل علاقته باللغة، حيث نجد أنفسنا أمام نظرية متكاملة عن علاقة اللغة بالفكر، ويشير هنا إلى أن اللغة بمعنى النظام اللغوي، مرت بأطوار ثلاثة، كل طور منها كان يشكل نظاما معرفيا ويملي على العقل الإنساني آليات محددة في التفكير، وهذه الأطوار هي: الاستعاري، الكنائي، الوصفي. تركيز لغوي لا يسعى الكاتب في كتابه إلى عمل دراسة أكاديمية عن الكتاب المقدس، كما لا يريد أن يكون عملا عن اللاهوت، وهذا ما سنلاحظه عبر قراءة صفحات الكتاب. حيث يبدأ الكاتب حديثه في الفصل الأول عن علاقة الكتاب المقدس باللغة من خلال نظرة تحليلية، فيقول «إن الكتاب المقدس في العادة يُكتب بتركيز لغوي كالذي يوجد في الشعر، ولذلك فهو كالشعر يرتبط ارتباطا وثيقا بشروط اللغة، ويوضح أن الدراسات المسيحية لم تغفل اللغة على الإطلاق، لأن المسيحية في البداية كدين كانت تعتمد على الترجمة، وبالتالي كانت علاقة الكتاب المقدس باللغة والترجمة علاقة وثيقة، ولعل اشهر الترجمات في هذا السياق، هي الترجمة السبعينية، التي قوبلت عند صدورها بحماسة كبرى من قبل العبرانيين آنذاك». التجريد والتمثيل يلاحظ الكاتب في هذا المجال أن لهجة الكتاب المقدس خطابية في جوهرها، وهذه حقيقة من الضروري إدراكها في عصر كان قد ترسخ فيه غياب الثقة بالنوع المغلوط من البلاغة، ولكن الكاتب يشير إلى أن «الكتاب المقدس يفترض تقليديا أنه بلاغة الله التي تكيفت بما يتلاءم مع العقل الإنساني، ونزلت من خلال إنسانيين». مع ذلك لا تتطابق النبرة اللغوية للكتاب المقدس مع أي من الأطوار الثلاثة للغة مهما كانت هذه الأطوار مهمة في تاريخ تأثيرها، فلغة الكتاب المقدس ليست استعارية كالشعر، على الرغم من أنها تعج بالاستعارة ويمكنها أن تكون شعرية على أحسن وجه، من دون أن تتحول إلى عمل أدبي حقيقي، وهي لا تستعمل اللغة المتعالية في التجريد والتمثيل، في الوقت الذي يمكن القول إن استعمالها للغة الوصفية والموضوعية يظل عارضاً الشكل الرابع يخلص الكاتب إلى أن لغة الكتاب المقدس تُعد شكلاً رابعاً من أشكال التعبير وتبنى له مصطلحاً راسخاً وهو «البلاغ». و في الاستعمال العام غالباً ما يقصر هذا المصطلح على كلام الرسل، ولكن لا يوجد فرق كافٍ بين كلام الرسل وبقية كلام الكتاب المقدس في استعمال اللغة كي نتفادى تعميمه على الكتاب بأسره. و»البلاغ» الذي هو وصف الكاتب للغة الكتاب المقدس، يعد نمطاً بلاغياً من نوع خاص ومثل البلاغة كلها فهو خليط من الاستعاري والوجودي أو المهموم، ويعتبر حاملاً لما يُسمى تقليدياً بالوحي. ثم يدلف الكاتب إلى الحديث عن نسق كلمات الكتاب المقدس، مستهلاً ذلك بالحديث عن الأسطورة، موضحا أنه لا يمكننا مواصلة القراءة في الكتاب المقدس من دون التعرف إلى البنى اللفظية، التي تذكرنا بما يسمى بالأساطير، ويقصد الكاتب هنا بالأسطورة، الميثوس، أو الحبكة، أو السرد، أو على العموم الترتيب المتوالي للكلمات، وبما أن جميع البنى اللفظية تنطوي على نوع من التوالي، حتى لو لم تُقرأ بهذه الكيفية، فإن جميع البنى اللفظية هي أسطورية بهذا المعنى البدائي. متوالية لفظية يوضح نورثروب فراي «إن الاستعمال البدائي لكلمة أسطورة بوصفها متوالية لفظية أوسع من أن يكون مفيداً بذاته، فالأساطير بمعناها الثانوي والحكايات الشعبية هي على السواء قصص أو حكايات لفظية، وبالتالي فلا يوجد فرق بنيوي متين يفصل بينها، ولذلك لا يوجد فرق جوهري في المحتوى: فالقصص التي تتعلق بالآلهة التي «يعتقد بها» أو هي التي موضوعات للعبادة، لابد وأن تكون أساطير أيضا، ولكن ليس جميع الأساطير قصصاً عن الآلهة. ثم يبدأ الكاتب في سرد نماذج من تلك الأساطير التي وردت في الكتاب المقدس،، مستخلصاً منها سمات الأسطورة، وهي: 1- النظام الأسطوري ليس بمعطى، ولكنه واقعة في الوجود الإنساني، وهو ينتمى إلى عالم الثقافة والحضارة الذي صنعه الإنسان، وما زال يسكنه 2- النظام الأسطوري يتمتع بطبيعة تقديسية، ومحتمل أن يستمر في مجتمع ما بطرق مصطنعة، ويبدأ بإطلاق الأحكام والافتراضات حول نسق الطبيعة تتعارض مع الملاحظة الفعلية التي يوحي بها ذلك النسق، وحين يحدث هذا لابد من استبدال التفسير الأسطوري بتفسير علمي. 3- يرى البعض أن الأسطورة تمثل شكلاً من أشكال التفكير الخيالي والابداعي ولا يمكن أن تتطور مع نمو المجتمع أو التكنولوجيا، بل ربما يلغيانها. الأدب الدنيوي عن علاقة الأسطورة بالأناجيل يقول «نندفع أحيانا إلى أن «ننزع الأسطورة» عن «الأناجيل» كي نجعلها أكثر انسجاماً مع قوانين الموثوقية الحديثة، ومع ذلك لا يمكن للمؤرخ أن ينظر إلى الكتاب المقدس بوصفه تاريخاً، لأن ذلك سيربكه ويثير حفيظته. ويضيف الكاتب، لعل تمثيلاً من الأدب الدنيوي يعطينا مفتاحا لإجرائنا الإضافي، ومن ذلك حكايات «جرينلاند الآيسلندية» و»ايريك»، التي تمثل نتاجات أدبية، فالمقصود منها أن تكون على هذا النحو، وتتوافق مع أعرف الأدب، ولكن لأنها تلمح إلى رحلات الاسكندنافيين القدماء، واستقرارهم على سواحل أميركا، فإن مدى انطوائها على عنصر تاريخي عارض يزداد أهمية بالطبع عند كثير من الناس، ومن هنا فقد تمت دراستها باعتبارها وثائق في مشكلة تاريخية، وفي ذلك السياق يصح ما هو تاريخي، أو ما يمكن أن يكون تاريخياً، أما ما ينتمي للأسطورة والأدب، فزائف وخيالي. المجازات اللغوية ينتقل الكاتب إلى الاستعارة، فيقول «ما أن ندرك أن الكتاب المقدس ليس أدبيا في مقصده بالأساس، حتى يبدو لنا من اللافت أن يكون مملوءاً بالمجازات اللغوية بهذا القدر، سواء في أشكالها التقليدية أو البلاغية، وتصبح الإثارة أقل إذا أدركنا كم من الكتاب المقدس كان معاصرا للطور الاستعاري للغة، حين لم يكن بالإمكان نقل كثير من مظاهر المعنى اللفظي إلا من خلال الوسائل الاستعارية والشعرية، حيث يكشف النثر داخل العهد القديم بفواصله المنظومة المتكررة، عن صلة قربى قوية مع الخطاب الشعري الذي تتخلله الصور البلاغية، وتظهر التوريات والاشتقاقات الشعبية في كل مكان في النص العبراني، وحتى العهد الجديد لا يخلو بدوره من مثل هذه الصور البلاغية التي تتخلي أحيانا عن الواقع، مثل التهويل أو المبالغة المقصودة، ومن ذلك ما نجده في النظم الختامي لإنجيل يوحنا «وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة، فلست أظن أن العالم كله يسع الكتب المكتوبة». أطوار الوحي في القسم الثاني من الكتاب يتحدث نورثروب فراي عن التنميط في الكتاب المقدس، مستعرضاً أطوار الوحي، بادئاً بطور الخلق، فيتحدث عن قصة الخلق كما جاءت في سفر التكوين، مستعرضاً الاستعارات الموجودة في تلك القصة، كما يتناول أيضاً المعاني الضمنية والكامنة والمصطلحات البلاغية، التي وردت في أطوار الوحي الأخرى وهي، الثورة، القانون، الحكمة، النبوءة، الإنجيل، الرؤيا. ويعرج المؤلف إلى الحديث عن الصورة الفنية للكتاب المقدس بصفة عامة، موضحاً أن «هناك سمة شعرية للصور الطبيعية في الكتاب المقدس، وهناك مستويان للطبيعة، الأول، المستوى الأدنى، الذي يعبر عنه عقد الله مع نوح، وهو يسلم بوجوب طبيعة يجب أن يسيطر عليها الإنسان ويستغلها، والمستوى الأعلى الذي يعبر عنه عقد أقدم مع آدم، حيث تصور قصة جنة عدن تخليص الإنسان الذي يرجعه إلى هذا المستوى الأعلى، وفي الطريق من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى نقابل صور عالم العمل، والصور الرعوية، والزراعية، والحضرية، إذا تنطوي بنية الصورة الفنية في الكتاب المقدس على صور الأغنام والمرعى، وصور الحصاد وجنى الكروم، وصور المدن والمعابد، وكلها تحتوي عليها وتصهرها صورة واحة الأشجار والمياه التي توحي بنمط أرقى من الحياة بكل معنى الكلمة». ومع قراءة بقية صفحات الكتاب يأخذنا نورثروب فراي في رحلة عبر المصطلحات و التعبيرات البلاغية والمجازات اللغوية المختلفة، محاولاً بالشرح والتحليل تفسير أوجه العلاقة بين الكتاب المقدس والأدب.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©