الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوفر أبوظبي إضافة مهمة لسجل إنجازاتي

لوفر أبوظبي إضافة مهمة لسجل إنجازاتي
17 يناير 2008 01:16
متفائل·· محب للحياة·· يعشق التحديات ويهوى التناقضات ويستمد وحي إلهامه من سكون الليل· ذاك هو جان نوفيل المهندس الفرنسي المبدع الذي وقع عليه الاختيار لتصميم متحف لوفر أبوظبي، أحد المتاحف العالمية الخمسة المنتظر أن تقام على أرض جزيرة السعديات، والذي يعد صرحاً حضارياً وثقافياً تعتز به مدن المنطقة، ومنارة تشع فناً راقياً وإبداعاً معاصراً، وعمارة تجسد ثقافة الحوار بين الشرق والغرب· وهو المشروع الذي أعرب جان نوفيل عن سعادته بتولي مهمة تصميمه واعتبرها فرصة مثالية وإضافة مهمة لسجل إنجازاته المعمارية القيمة· ولقد انتهى نوفيل من وضع لمساته الأخيرة على متحف لوفر أبوظبي الذي سيقام على مساحة 24000 متر مربع وتتكون هندسته المعمارية من قرص أبيض ذي نوافذ رحبة ومبانٍ مرفقة بأشكال فنية غير تقليدية تتخذ شكل التقسيمات الحادة والألوان البيضاء· ومن المرتقب أن يتم افتتاحه عام ،2012 وأن يضم مجموعة كبيرة من المختارات العالمية والمقتنيات الفريدة لأعمال أثرية نادرة وقطع فنية معاصرة ومعروضات أصلية تمثل كل الحضارات والعصور قادمة من لوفر باريس ومركز بومبيدو ومتحف أورسي وقصر فرساي· ولعلها فرصة سانحة ننحو بها لتقديم صورة بانورامية ملونة عن حياة وتاريخ وإنجازات المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل· بداية مهندس ولد جان نوفيل عام 1945 في قرية فوميل جنوب غرب فرنسا· ومن فرط شغفه بالهندسة التحق بالعمل في شركة هندسية أثناء تلقيه تعليمه الأساسي في المدرسة· ثم التحق بمعهد الفنون العليا وحصل على دبلوم الفنون عام ·1972 وفي عام 1975 نجح جان نوفيل في أن يؤسس مكتبه الهندسي الخاص وأن يخوض بتصاميمه العديد من المنافسات مع كبار المهندسين الفرنسيين وينتزع العديد من الجوائز العالمية من يد أسماء لها بريقها في عالم التصميم الهندسي· فلقد كانت أعمال نوفيل تتسم بطابع معماري مميز وتتحدث لغة هندسية خاصة تختلف عن خطوط الحداثة وما بعد الحداثة· وجعل نوفيل تصاميمه المتمردة ترفض الانصياع للخطوط التقليدية الجامدة لمشروعات الحداثة والمعاصرة وأفكارها المتوارثة الثابتة· وعلى الرغم من استعانته بالقوالب التقليدية إلا أن مبانيه كانت تنسحب بعيداً عن كل ما هو شائع وتقليدي· شخصية المكان عندما يذكر اسم جان نوفيل يتبادر إلى الذهن اهتمامه المفرط بشخصية المكان· فهو يتبنى فلسفة خاصة تجعل الهندسة المعمارية حارساً أميناً للموروث الثقافي للمكان الذي سيقام فيه المشروع· وتتميز تصاميمه بإدراك عميق لجغرافية المكان وتاريخه، مما يجعل المبنى يتناغم مع بيئته الخارجية وينسجم مع ما يحيط به من معالم طبيعية· لذلك نجح نوفيل في أن يصنع لكل عمل هندسي شخصية متفردة تتضافر فيها أبعاد الشفافية مع خيوط الظل والضوء· وفي عام 1981 بزغ نجم جان نوفيل عندما فاز بسلسلة من الجوائز في مسابقة ''مشاريع عظيمة'' التي أطلقها الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا متيران· وعام 1987 منح جائزة ''عظماء المعماريين'' عن مجمل أعماله الهندسية· كما نال جوائز قيمة أخرى منها مسابقة معهد العالم العربي عام 1981 وجائزة مبنى فرنسا لعامي 1987 و1993 كما منح درجة الدكتوراه الفخرية من معهد أميركا للهندسة بشيكاغو عام 1993 والمعهد الملكي للهندسة ببريطانيا عام ،1995 وفي عام 2005 نال جائزة ''مبدع العام'' الهندسية عن مساهماته الفاعلة في خلق حركة هندسية جديدة· ومن أبرز مساهماته القيمة في عالم الهندسة مبنى معهد العالم العربي في باريس ومبنى الأوبرا في ليون ومقر مؤسسة كارتيير· ·· وشخصة المصمم وتبدو الحياة بالنسبة للمهندس الفرنسي ذائع الصيت ذات أبعاد هندسية أيضا· فهو رجل الخطوط المستقيمة والزوايا المعتدلة والمساحات المدروسة· فصفاء الليل يوحي له بإبداعات هندسية خلاّقة لذا يفضل العمل في ساعات متأخرة، ويرسم معظم تصاميمه في سريره أو على طاولة صغيرة في مقهى ونادراً ما يستخدم الطاولة الكبيرة في مكتبه· ولقد انعكس عشقه للتناقضات وإيمانه بجماليات الأضداد في كثير من مناحي حياته حتى في انتقائه لثيابه· ففي الشتاء يكاد لا يرتدي إلا اللون الأسود وفي الصيف يكاد لا يرتدي إلا اللون الأبيض· كما نجد التناقض في حياته متجسداً بين ساعات يقضيها وسط ضجيج الاجتماعات والمناقشات وساعات يقضيها مع سكون النفس والعزلة والتأمل· وعلى الرغم من فرط انشغاله وكثرة أسفاره إلا أنه حريص كل الحرص على الثقافة العامة ومتابعة الأخبار السياسية في العالم· وعندما تتأزم الأحداث هنا أوهناك يقول إنه لا يخشى المستقبل فهو دوماً متفائل ولا يقلقه سوى الحاضر ومسؤولياته· ويرى أن البشرية يمكن أن تسير في اتجاه السلام وتخلق نهايات سعيدة للأحداث بعيدة عن العنف والصراع· وهو قارئ نهم يهوى قراءة الصحف اليومية ومتابعة المجلات الأسبوعية التي يشتريها كلها· ولكنه لا يستمع إلى برامج المذياع إلا أثناء قيادة السيارة· ومزاجه الموسيقي يتأرجح أحياناً بين مقطوعات من الأوبرا وترانيم دينية قديمة· هذه الفلسفة العميقة في فهم العالم وتحليل الأحداث رسخت لدى نوفيل كل ما يبحث عنه من تميز وانفراد· فهو يرفض مبدأ الاستنساخ الهندسي وتكرار المباني· ويرى أن العالم يزداد بها ضيقاً ويفقد رحابته وأن الفرصة الوحيدة تبقى في الحرص على خلق الفوارق بين الأمكنة· ومن أبرز سمات تميزه هو ما يتمتع به من حس مرهف تجاه قيمة الضوء· ويرجع ذلك إلى عشقه لأجواء الكاتدرائيات الكنسية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر والتي كان الضوء فيها مادة عضوية حية تتحرك بين الأرجاء والزوايا· لذا فإن كل أعمال جان نوفيل تتأرجح فيها الظلال بين النور والعتمة· فالضوء عنده هو السؤال الأصعب الذي تكمن إجابته في كشف مفاتن المكان شيئاً فشيئاً· وفي تصميمه لمبنى ''معهد العالم العربي'' وضع في واجهته الجنوبية عدسات عملاقة تقوم بدور نوافذ مثمنة مستوحاة من النقش الإسلامي تفتح وتغلق آلياً وفقاً لدرجات الحرارة وكميات نور الشمس وساعات النهار· بعيداً عن التكرار ومن المعروف عن المهندس جان نوفيل أنه يحب مناقشة أفكاره الهندسية مع أصدقائه· فهو يحيط نفسه بعدد كبير من المستشارين من ذوي الثقة الذين تربطهم به سنوات طويلة من العمل المشترك والتفاهم والتوافق· وعندما يوكل إليه تصميم جديد يظل جان نوفيل حائراً شارداً مشغولاً بالفكرة يبحث عن سبب جيد يدفعه لوضع بصمته على هذه البقعة من الأرض· ومع الوقت تنتهي المعاناة ويولد الإلهام ويصنع التميز والتفرد والهوية· فهو لا يحب أن يكرر خطوطه الهندسية· ويرى أن تلك الخطوط هي مفردات جمالية تصنع جملاً من الروعة والسحر فتتحول فيما بعد إلى مبانٍ ذات هوية متفردة تستطيع أن تتحدث عن نفسها· ولكل مشروع يقوم نوفيل بتكوين فريق عمل خاص من المهندسين الاستشاريين فيكلف كل واحد مهمة خاصة· ويجد في ذلك معاناة شديدة لغياب بيئة صحية تجمع مهندسي فرنسا النابغين· ويشعر جان نوفيل بالأسى لعدم وجود صالون في فرنسا يتبادل فيه المهندسون أحلامهم ويتواصلون معاً بأفكارهم، حتى أصبحت السمة السائدة هو أن يعمل كل شخص بمعزل عن الآخرين· إلا أنه على الجانب الآخر يرفض نوفيل بشكل قاطع أن يعطي نصائح لشباب المهندسين ويفسر موقفه ذلك بأنه يجب أن يكون لكل منهم رؤيته وأسلوبه الخاص في العطاء وفهم الحياة فالإبداع لا يكون بالإملاء والتوجيه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©