السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناصر الظاهري: عشت في زمن الصلصال

ناصر الظاهري: عشت في زمن الصلصال
17 يناير 2008 01:17
ناصر الظاهري يحب مدينته التي ولد فيها العين ويعشق أبوظبي التي يرى فيها حلمه وهي تتحول إلى عاصمة حقيقية للثقافة والإبداع، ومع كل ذلك التحول الجميل الذي تزخر به أبوظبي في شتى أوجهها المليئة بالوعي الحضاري المتجدد لا تزال عيون ناصر الظاهري ترنو إلى البعيد الماضي حيث الجزئيات الصغيرة من عبارات يومية كانت متداولة في موروثها اللغوي، فيبحث عن جزئياتها في مضارب ''البدو'' و''أحضان الجدات'' وعبق البخور الذي يعطر الكلمات بالسنين الماضيات، رائحة المكان لا تغادر أجواءه القصصية أو الروائية أو حتى عموده الذي اشتهر به ''العمود الثامن'' يومياً في جريدة ''الاتحاد''· ناصر الظاهري عاشق الترحال، والباحث عن الماضي في عمق الحاضر وعن الحاضر في تجليات المستقبل لا يؤرقه شيء سوى أن يحل اشكالية هذه العلاقة الحميمة بين الأدب والحياة، إنه طائر باتجاه المستقبل بأفكار جديدة مع الأيام والليالي التي يحدق فيها بعينين مليئتين بالحكمة، هو ماكنة أفكار لا تهدأ حيث لم يربح منها سوى بريق لمعانها اذ لم يدخر شيئاً لتوالي الأيام إلا الكلمات والرؤى التي يتمنى أن تتحقق· ''الاتحاد الثقافي'' يلتقيه في هذا الحوار ليكشف سر هذا الطائر الذي اتخذ القلب بوصلة كي يتعرف على مساره في آخر الأفق· كلمة حكاية ؟ لماذا وضعت على غلاف روايتك ''طائر بجناح أبعد منه'' كلمة حكاية؟ ؟؟ أولاً أنا لا أريد أن أعطيك السبب، فإنني أغلق باب الحكاية، هناك من يقول لي هل تحكي عن البطل أم عن نفسك، هناك شاعرية في الكلمة تكاد تقطر شعراً، هناك جمل نحتت فيها اللغة، هي فضاءات جديدة لا يمكن أن أسميها رواية في كل الأحوال، شعرت عندما كتبت عليها حكاية أن الناس لصقوها بي، وحسناً فعل الناشر ''الطائر بجناح أبعد منه حكاية ناصر الظاهري''· ؟ يعني هذا أن ثمة تطابقاً حصل بين الإخراج الطباعي والموضوع؟ ـ؟؟ نعم·· أحسست بذلك وأحس الناس أنني البطل، كما تعرف أن البطل له حالاته، أعتقد أن فيها تميزاً جديداً كسر القالب، فتح نافذة صغيرة يتسرب منها الضوء بشكل أجمل ''لكنها ليست رواية''· ؟ إذاً هنا قد قوضت الجانب النقدي الذي كتب عنها؟ ؟؟ أنا أختلف معك، أنا لا أريد أن أسميها رواية ولي الحق فهو مشروعي الصغير الجديد· ربما يأتي فيما بعد كاتب آخر وتستهويه حكاية الرواية نفسها ويكتب بدل الرواية حكاية ويصبح تقليداً فنياً جديداً أو ربما تطمس هذه التجربة وتكون تجربة أشبه ببيضة الرخ الوحيدة· أنا وهو ؟ استخدمت ضمير الغائب ثم استخدمت ضمير المخاطب والأخير نادر في الرواية، بل لا يلجأ إليه الروائي، هل تجد هذا التزاوج شكلاً فنياً مختلفاً علماً بأن الحكاية لا تستخدم الثاني (المخاطب)·· مطلقاً؟ هل تجد تعارضاً؟ ؟؟ في الراوية البطل وقرينه هنا ثمة تقاطع بين الاثنين أنت وهو، أنا وهو، هذا التقاطع أحياناً يتماهى بحديث تصبح أنت والقرين واحداً، وأنت لا تستطيع أن ترميه خلال فهمك، هما بطلان ولكن في الحقيقة هما بطل واحد، هنا تلتبس هذه الحالة على المتلقي ولكني أعتقد أنني وظفتها بطريقة فنية، فالالتباس مقصود وليس عبثياً· ؟ هل استخدمت الضميرين وفق هذا التناسق؟ ؟؟ نعم يفترض أن القرين هو الذي يخدم البطل لكن كان البطل دائماً يحب هذا القرين ويعشقه بحيث هو الذي يخدمه بالمعرفة وقراءة الناس، القرين (جني) له حرية الاختيار· ؟ ولكن هذا النمط يبدو كلاسيكياً في استخدام ضمير المخاطب؟ ؟؟ لابأس أن تتعكز على أشياء قديمة على ألا يكون كلاسيكياً في النهاية· الطريقة اليومية ؟ حسناً، لنتحدث عن استغراقك في الوصف في روايتك هل تراه وليد الطريقة اليومية في كتابة العمود، بل لنقل كيف تخلصت من طريقة كتابة العمود وأنت تكتب روايتك في آن واحد بل يومي متزامن؟ ؟؟ على أساس أن تبدو المسألة واضحة للقارئ، انني دخلت الصحافة من باب الأدب وكنت أراهن أن يكون عمودي مختلفا وأن يكون صحفياً متأدباً، لذلك يمكن أن أكتب العمود وسط ضجيج الشوارع، أما القصة والرواية فلها زاوية صغيرة دافئة وأتمنى دائماً أن تقبض على خاصرتي في الشارع، إذ أنا منعزل حين أكتب الرواية، ووسط الناس حين أكتب العمود رغم طول الوقت في كتابة ''الطائر بجناح أبعد منه'' إلا أنني أعتقد أنني حافظت على رتم الكتابة وكأنه النهر الأول المتدفق، هناك وهج ظل مستمراً بالرغم من انتقالي في أمكنة كثيرة، أنا كنت صدوقاً في الرواية الى حد الطهر ولم أخجل من شيء· ؟ ما هي ضرورة الخجل؟ ؟؟ لا أقصد الخجل الذي تفهمه·· إنني أرمي نصي وأنتهي منه وقد يقال لي كيف تستعمل هذا الكلام، الرواية هي أشبه بالسينما، انه الإبداع، القراء العاديون تشغلهم الصغائر، أتمنى أن يروا النور فيها والوهج داخلها· بطل الحكاية ؟ هل نهاية روايتك كانت من اختيارك أم اختيار شخوصك؟ ؟؟ بصراحة كان صعباً علي كما على القارئ أن أفصل بين بطل الحكاية وأنا، وبالتالي كانت نهاية الحكاية في مسألة تواطئية بينها وبين البطل، أنا ككاتب خرجت مرتين في الصفحة الأولى والصفحة الأخيرة، ربما هذه المسألة تغريني في حكاية أخرى· ؟ أجد دائماً في أعمالك هذا الحس الإنساني المغرق بالبكائية على المصائر الشخصية في هذا العالم، من أين يأتي هذا الجانب، الثقافة أم الحياة؟ ؟؟ أولاً ربما كان لفقد الأب سبباً، ربما للأسفار الكثيرة· ربما لمراقبة هذا الفتى الشقي لوجوه الناس المتعبة في المحطات والمطارات وموانئ الدنيا، ربما لوجود قلب أنثوي في الداخل والانثوي ليس بالتصنيف الجنسي وإنما الرحيل وربما أتى من الرحم لأن الرحم يحتضن الأشياء، يحافظ عليها، ربما لأنني احترفت القلم وعشقت العدسة تلك التي تقبض على الزمن· زمن الصلصال ؟ ولكن ما الذي جعلك لا تكتب شعراً؟ ؟؟ تلك قصة أخرى، كنت في زمن الصلصال الأول قبل أن تتشكل الأشياء ونسميها بأسمائها، أعزف على القيثار وبدأت التعلم على العزف على الساكسفون، كنت أرسم وأمثل وعضوا في جماعة الصحافة والإذاعة المدرسية، ولكنني كنت أعشق السينما حد الجنون، وكنت أحب الشعر ودرست عن الإلقاء لكنني كبرت وتبعثرت أشيائي بعضها تحكي عني وبعضها تخليت عنه، لكنني بقيت هذا الإنسان المعجون بالفن والثقافة ثم اكتشفت أن ليس كل كلام جميل بالضرورة أن يكون شعراً، اليوم الشعر في قصتي وحكايتي وعمودي اليومي· ؟ كيف ترى الرواية في الإمارات الآن·· في أي مرحلة تمر؟ ؟؟ الرواية في الإمارات جرباء·· مثلاً أنا عندي حكاية ولم أضع رواية على اعتبار الجانب التدرجي، ليس هناك في الإمارات ما يدعمني وأستند عليه روائياً ولا يقدمني للآخر ولهذا لا أستطيع أن أقترب من الرواية الإماراتية خوفاً من الجرب، هناك روايات ساذجة جداً وأفلام هندية كتبها اثنان أوثلاثة وهربوا من الساحة، وهناك روايات لا تقرأ·· أنا أهرب الى رواية أميركا اللاتينية الى الأدب الروسي القديم الى الفرنسي والتركي حتى قبل أن يفوز بوماك بجائزة نوبل، في الإمارات قصة في فترتها الذهبية كانت زاخرة على مستوى الكاتبات أو الكتاب، وقد تميزت على المبدعين في القصة القصيرة ولجأوا الى الرواية ولكنهم خيبوا ظني فلم يكتبوا قصة ولا دلفوا باب الرواية، من المؤسف أننا كنا نمتلك ملاحق ثقافية مهمة تعنى بالشباب المبدع واليوم استطاع الشارع الاستهلاكي أن يسحب الثقافة إليه· في الأربعين ؟ كتبت القصة القصيرة والرواية أيهما تجد نفسك فيه؟ ؟؟ أيضاً لنعد الى البداية، فإن أول عمل لي قد كتبته كان رواية ولكنها كانت رواية كلاسيكية، وكنت متأثرا فيها بالأدب الفرنسي والروسي ولكن مع بداية الوعي الحقيقي والنضج الثقافي أبحث لنفسي بسرقة مشروعة فخرج من بطل تلك الرواية التي لم تر النور مجموعة قصصية هي الأولى والتي قدمتني للقراء وأنا فرح بهذا· ؟ لكنك كنت حكاء في القصة وصافاً في الرواية؟ ؟؟ هذا صحيح لأنني أحب القصة القصيرة وأعتبرها من أصعب الفنون، فالمراوحة بين القصة القصيرة والرواية أساسية وأجد أن الرواية تستوعبني وأنا في الأربعين· ؟ كيف تستوعبك على مستوى الذات أم الموضوع؟ ؟؟ أرجو لا تجزأني انني والقرين واحد، المدينة كبرت والذي كان يلعب على سيف البحر أصبح له برجاً على السيف ذاته فكيف تريد أن يظل العقل محاطاً بضيق القصة والمدينة بكبرها اليوم قد لا تعرف ناصر الذي كان قبل عشرين عاماً· البدايات الجميلة ؟ يقال إنك تطرح نفسك في الثقافة بشكل شخصي وأن نشاطك مؤسساتي ثقافياً·· ومشاريعك كلها مؤقتة وعابرة ماذا تقول في ذلك؟ ؟؟ أنا أفرح دائماً بالبدايات الجميلة وأفرح أن أكون مؤسساً لأشياء كثيرة فنية وثقافية، وقد كنت لكنني أنا خجول جداً في تسويق نفسي وخجول أدبياً واجتماعياً أن أروج لإبداعي، قد أكون مفتقداً لصفة أو مهنة رجل العلاقات العامة· ؟ هذا واضح ومن حقك الطبيعي؟ ؟؟ إذاً عام 1988 قام مواطن بعمل أول معرض فوتوغرافي في فندق الانتركونتننتال في أبوظبي، وكان اسمه ناصر ثم انتقل هذا المعرض الى عواصم عربية وأوروبية، جئت الى جريدة ''الاتحاد'' وخلقت عاصفة من التغيير في زمن قصير ثم خرجت وقد لا تعني الأسباب شيئاً في هذه المسألة المهم كانت البداية جميلة لروح تنشد التجديد والتغيير وقد الصق اسمي بهذا العمل وكنت فرحاً، كانت تجربة المؤسسة العربية ذات المجلات المتخصصة والتي نفتقدها في عالمنا العربي بحيث تخدم الفئات العمرية المختلفة وتخدم الصفة الجنسية (ذكر، أنثى، طفل) وكانت تجربة أكثر من ناجحة فقط كانت تحتاج الى صبر الاستثمار في الإعلام، والصبر على العمل الثقافي الذي يخدم المجتمع وقد الصق اسمي شرفاً بهذا العمل ·عام 2000 أقمت معرضاً ومزاداً للسجاد الإسلامي النادر· الفن والاقتصاد ؟ هل تعاملت مع معرض السجاد بشكل فني أم اقتصادي؟ ؟؟ فني·· وهذا مستحيل أن أبحر في الجانب الاقتصادي، انني رجل فاشل في الاقتصاد ولكنني ناجح في الفن·· هذا العمل وضع أبوظبي كمدينة على خريطة معارض السجاد النادرة في العالم وأصبح تقليداً كل سنتين ليبدأ من نيويورك الى لندن ثم هونج كونج ثم الى أبوظبي، وكان لي الشرف أن أكون الرجل الخجول خلف هذا المنجز، هنا يأتي الخجل أيضاً لأنني لا أريد أن أعدد الكثير، نادي السينما في المجمع الثقافي ابتدأ منذ 18 عاماً، جعلناها تقليداً لأسابيع ومهرجانات سينمائية، ما يطرح الآن انه نتاج للأعمال السابقة التي اجترحناها بل استطعنا أن نجعلها مشروعاً، كنت خلف مشاريع ليست محلية بل عربية، مشروع كتاب في جريدة وجائزة العويس الثقافية·· لن أطيل· ؟ رداً على ذلك يقال إنك لم تحقق للثقافة في الإمارات ما كان مؤملاً منك أن تنجزه على مستوى الثقافة بالرغم من أنك كنت على رأس عدد من المشاريع المهمة·· أليس بالإمكان أن تطبع للمثقفين الإماراتيين أو تحتفي بهم إبداعياً؟ ؟؟ كنت أول من دعا الى إنشاء جمعية للصحفيين وكنت عضواً فاعلاً حينما كانت تسمح الظروف في العمل التطوعي أن يكون عضو مجلس الإدارة أو رئيس الاتحاد مثل أي عضو آخر أصغر منه، كان دائماً هدفي العمل والعمل الوطني من أجل الثقافة ـ السياسي الاجتماعي ـ لكنني مثل ما أعترف الآن أن كلمة شكراً تخجلني وتكاد أن تضع على كتفي أثقالاً لا أقدر على حملها وأنا أؤكد أنني فاشل في التعامل مع بعض الأشياء مثل المال، العلاقات الاجتماعية، حب الظهور (الشهرة) وفاشل أن أكون مهرجاً في سيرك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©