الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

لوحة الإغريق

2 يوليو 2008 23:09
يحكى أن ثرياً رومانياً بنى قصراً و أراد أن يزين الصالة الكبرى بأجمل لوحة فنية يستطيع أن يرسمها فنان ، فقام معاونوه بإحضار فريقين من أفضل الرسامين أحدهما صينيٌ و الآخر إغريقيٌ، و تم وضع ساتر في وسط الصالة و لعدة أشهر قام الصينيون برسم لوحة باهرة لا تضاهى على الجدار الأول بينما كان الإغريق قد انتهوا من لوحتهم بسرعة غريبة وقاموا بتغطيتها بالكامل، وعند نهاية المدة أزيح الستار ودخل الثري ونظر بإعجاب بالغ للجدارية التي قام الصينيون برسمها، ثم إلتفت للوحة الإغريق بعد كشفها والتي لم تكن سوى مرآة كبيرة جداً قامت بعكس لوحة الصينيين مع فارقٍ واحد، أن في وسطها كان انعكاس صورة الثري نفسه فاختارها فوراً· أتذكر هذه القصة كلما قابلت أناساً يبدو أن دأبهم الوحيد هو حفظ المصطلحات الرنانة لبيان علو ثقافتهم، وتسرّعهم دائماً للإفتاء في كل قضية للتأكيد على أنهم الأجدر بالمناصب حتى ولو أتوا بالمضحك، والذين لا يألون جهداً لمحاولة إرضاء المدير أو المسؤول حتى ولو كان على حساب ليّ أعناق الحقائق، ولن يفيدك كثيراً محاولتك لفتح باب نقاشٍ منطقي قائم على وقائع مجردة، إذ لن تجد سوى ثرثرة صاخبة تتخللها تعليقات تهكمية تتصنّع الظرافة وتبطن الوعيد لمن يخالف ما يقولون· من المتعارف عليه أنه إذا تشابه اثنان في الأفكار والتوجهات فإن أحدهما يعتبر زيادة عن الحاجة حتى ولو كان مُلمّاً بما يتكلّم، فما بالكم بمن لا تتعدى ثقافته مفرداتٌ أجنبية تتصنّع التميّز و تتظاهر بالمعرفة و لو سألته أكثر عما يتحدث عنه فلن تجد سوى الروغان ومحاولة مستميتة لتغيير مسار النقاش لأمر آخر يسمح بالتخلص من (الوهقة) و يوفر فرصة جديدة لاستخدام مصطلح رنان آخر · عندما نادى جيفري فوكس بضرورة عدم تعيين أفرادٍ متوسطي القدرات لم يكن يحاول التضييق على البشر، بل كان يرى أن مستقبل المؤسسات لن يكون بمأمن مع أشخاص يعلمون أن هناك الكثير ممن يفوقونهم موهبة و قدرة ، فيبدأون كطبيعة البشر القائمة على محاولة ضمان البقاء بالبحث عن موظفين أقل منهم كفاءة في الوظائف المحيطة بهم للتخلّص من تهديد الموهوبين و البقاء كأفضل الموجود لأطول فترة، وما تلبث هذه النظرة من الانتقال إلى المستويات الإدارية الدنيا فتمتلئ المؤسسة بكمٍ كبير يفتقر للكيف و النوعية التي بإمكانها تقديم الجديد والمختلف لمخرجات تلك المؤسسة · ما يستوقفني أيضاً مع هذه الفئة أنهم يعانون من ( شيزوفرينيا) فكرية، فهم لا يتوقفون عن ترداد نزعاتٍ إدارية يتداولها بكثرة أصحاب الكرافتات المنمقة من الاستشاريين -كالمقارنات المعيارية وأفضل الممارسات وعدم القفز لاستنتاجات وغيرها من الأمور التي أصبح سماعها همّاً يومياً - لكنهم يناقضون أنفسهم عندما تأتي لحظة تطبيق تلك النزعات فتجد التردد والتعلّل بضوابط الأنظمة الحالية وأن الموضوع يحتاج لدراساتٍ (أعمق) وكأنهم بذلك يرسلون لك رسالة بأن القضية أكبر من إدراكك البسيط رغم يقينك بأنهم لا يعلمون مما يقولون إلا القشور· عندما أجد أن قيمة التحالفات والتملّك التي قامت بها الشركات خلال الشهور الستة الأولى من هذه السنة والتي بلغت حوالى تريليون وثمانمائة وستين مليار دولار حسب تقرير جريدة الفايننشال تايمز وأرى أن الكثير منها لازال يصارع من أجل الوصول لفائدة حقيقية لهذا الإنفاق الهائل دون جدوى لتغيّر توجهات الأسواق تارة و لصعوبة اندماج ثقافات بعض المؤسسات تارة أخرى أتيقن أكثر أن أصحابنا لديهم الكثير من النظراء والأشباه من القافزين للمجهول تحت توصيات الخبراء الذين يقتاتون بالمشاكل وتوليدها، فيجرون على مؤسساتهم الكثير من الخسائر بعد أن تنحسر الضبابية عن عروض الباوربوينت الخلاّبة لتجد المؤسسة نفسها في مأزقٍ مركّب، فالفكر القاصر لا تغطيه الملابس المتأنقة، والنظرة الضيّقة لا تسترها المصطلحات المعلّبة، وقطعة حجرٍ صغيرة كفيلة بفضح لوحة الإغريق الساذجة · Awad141@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©