الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابنة الشيطان

ابنة الشيطان
21 مارس 2013 20:28
(القاهرة) - صرخت «آية» بشكل هستيري وهي تلطم وجهها وتضرب رأسها بيديها، ووصلت صرخاتها إلى كل السكان في البناية المتواضعة، لكن أباها كان الأقرب وأول من وصل إليها، حيث إنه كان عائداً من عمله في هذا الوقت في موعده اليومي المعتاد، كاد قلبه يسقط في قدميه، لأنه عرف صوت ابنته، وطريقتها في الصراخ والعويل تؤكد أن الحدث جسيم والأمر جلل، ارتعشت قدماه وخارت قواه واستطالت درجات السلم إلى الطابق الثاني، حيث يقيم هو وأسرته كأنها في برج من مئة طابق، في نفس الوقت كان الجيران من أعلى ومن أسفل قد خرجوا من مساكنهم والتقى الجميع على السلم يتساءلون ماذا حدث، لكن لا أحد يملك جواباً، اسرعوا الخطى وأولهم أبوها إلى أن وصلوا إليها وهي كالمجنونة. كان باب الشقة مفتوحاً، وما إن شاهدتهم حتى دخلت ولسان حالها يقول اتبعوني إلى الداخل، حيث الممر الضيق، النظرة الأولى لكل منهم تكفي لمعرفة الحدث، فالأم ملقاة بالممر جثة هامدة بها إصابات وطعنات بلا عدد، أما عن الدماء فحدث ولا حرج فقد سالت وأغرقت الأرض ولم يعد في ملابس القتيلة مكان إلا وقد تحول إلى اللون الأحمر، شاركت النسوة في الصراخ، بينما كان المشهد قاسياً على الزوج فسقط مغشياً عليه، وانشغل بعض الرجال بمحاولة إفاقته، وبينما قام آخرون بتفحص جثة المرأة وتأكدوا أنها فارقت الحياة بالفعل أبلغوا الشرطة، وتحول المكان إلى خلية نحل الجميع يضربون الأكف ويسألون من المجرم الذي فعلها؟ حضر رجال الشرطة والمعمل الجنائي والأدلة الجنائية وقاموا بترسيم الجثة وفحص منافذ الشقة والباب ورفعوا البصمات، كما تولى الطبيب الشرعي تشريح الجثة وأثبت أن بها أكثر من ست عشرة طعنة تركز معظمها في القلب والباقي في البطن والصدر والظهر، ثم بدأ جمع المعلومات من المقربين وكانت البداية بالزوج البالغ من العمر خمساً وخمسين سنة ويكبر زوجته بثلاثة أعوام، قرر أنه خرج في الصباح إلى عمله ومعه طفلاه اللذان اعتاد أن يصطحبهما في طريقه إلى المدرسة، وترك زوجته وابنته التي كانت تستعد هي الأخرى للخروج إلى عملها، فهي موظفة، لكنها تغادر المنزل بعده، ثم تتفرغ زوجته لشؤون البيت إلى أن يعود الجميع بعد الظهيرة ويتناولوا معاً طعام الغداء، وأنه دائماً يكون أول من يعود، واليوم وهو عائد كعادته يحمل بعض أكياس الفاكهة، ولج إلى المدخل وقبل أن يضع قدمه على أولى درجات السلم سمع صراخ ابنته وحدث له ما حدث بعدما شاهد زوجته وشريكة حياته جثة هامدة، ولا يعرف من الذي ارتكب هذه الجريمة الشنعاء وليس لديه أي معلومات. أما الابنة التي اكتشفت الجريمة وأول من تلقى الصدمة فما زالت ترتعش وغير قادرة على السيطرة على أعصابها، حاولت أن تتماسك قليلاً لأن أقوالها غاية في الأهمية فهي التي ستقدم الخيوط التي ستقود إلى الجناة، قالت إنها في الصباح توجهت إلى عملها وغادرت المنزل بعد خروج أبيها بحوالي نصف الساعة، ولم تكمل اليوم في العمل وخرجت مبكراً لأنها شعرت بصداع مفاجئ ولم تحتمله، فقررت أن تستأذن وتعود إلى البيت مرة أخرى، ووجدت أمها تعد طعام الغداء فألقت عليها التحية ودخلت في غرفتها لتنام وتناولت بعض المسكنات، وبالفعل راحت تغط في نوم عميق، وفجأة استيقظت على صوت أمها وهي تستغيث وتصرخ، فقامت مفزوعة ووجدت أربعة من الشباب الملثمين ينهالون عليها طعناً وفي لحظة أردوها قتيلة وتوجهوا إلى غرفة النوم واستولوا على مصوغاتها التي كانت تحتفظ بها في الخزانة ومبلغ مالي قليل، وما إن شاهدتهم حتى صرخت ففروا هاربين إلى الخارج وأطلقوا لأقدامهم العنان يسابقون الريح، فصرخت إلى أن تجمع الجيران وبالصدفة كان هذا موعد حضور أبيها، وبالطبع لم تتبين ملامحهم لأنهم كانوا ملثمين. رواية الفتاة فيها الكثير من المغالطات الواضحة التي استطاع رجال المباحث أن يستنبطوها، لاختلافها مع حقيقة ما حدث، فالجيران لم يسمعوا صرخات الأم، بينما سمعوا صرخات الفتاة، وهذا يتناقض مع الواقع، ثم إن الأب وهو في طريقه إلى المنزل لم يشاهد أحداً يخرج في هذه اللحظات، أما المعلومات الأخرى الجديدة، فإن باب الشقة تبين أنه تم فتحه بمفتاح مصطنع، ولم يتم العثور في مسرح الجريمة إلا على بصمة واحدة غريبة بخلاف بصمات أفراد الأسرة، وهذا يعني أن شخصاً واحداً هو الذي دخل الشقة وارتكب الجريمة أو شارك فيها، والأهم أنه تبين أن الفتاة نفسها لم تذهب أصلاً إلى العمل في ذلك اليوم، بالإضافة إلى أنها وأمها متخاصمتان، فكيف تلقي عليها التحية بعد عودتها من العمل. جاؤوا بالفتاة مرة أخرى لمواجهتها بالتمثيلية الهابطة التي ابتدعتها ولم تستطع أن تحبكها إلى النهاية لأنها كلها أكاذيب، فلم تتمكن من الاستمرار فيها وبدأت تعترف بالتفاصيل، قالت إنها منذ عامين ارتبطت بعلاقة غرامية مع زميلها في العمل، وقررا الزواج وأرادت أن تكون العلاقة في النور فأخبرت أمها بكافة التفاصيل، ورأت الأم أنه طالما أن نواياه سليمة وهدفه شريف فلا مانع، لكن يجب أن يكون هناك ارتباط رسمي، فالناس هنا يعرفون بعضهم، ولابد من تجنب القيل والقال والحفاظ على سمعة الفتاة، وتم تحديد موعد ليزورهم في بيتهم للتعارف فلم يحضر ولم يعتذر، وهنا ظهرت بادرة عدم جديته، وأفصحت الأم عن ذلك وأبدت مخاوفها من عدم التزامه من أول خطوة وهذا يؤكد أنه شخص فوضوي وغير مسؤول ولا يمكن أن تأمنه عليها، غير أن الفتاة راحت تدافع عنه باستماتة وتختلق له الأعذار. وتم تحديد موعد آخر، وحضر هذه المرة بملابسه غير المهندمة وغير المنسقة، بل تبدو قديمة ومتسخة، يدخن بشراهة، لا يعرف كيف يتكلم، لم يفتح الموضوع الذي أتى من أجله، كانوا يستنطقونه ويكادون يسحبون الكلام من حلقه ليضعوه على طرف لسانه، وفي النهاية كانت المقابلة واضحة، فهو لا يملك إلا راتبه من وظيفته المتواضعة، وهذا الدخل لا يكفي مصروفاته الشخصية، جعل الأمور تتعقد، إذ أنه لم يبد استعداده لعمل إضافي أو أنه يخطط للزواج أو كيف سيعيش في المستقبل، إنه يريد زوجة تتحمل هي كل النفقات مع انه ليس فيه ميزة واحدة تجعل أي فتاة ترغب فيه، فلا حسب ولا نسب ولا مال ولا جاه. كان الرفض التام هو القرار النهائي للأم التي تعرف مصلحة ابنتها التي أعماها الحب عن كل هذه الحقائق التي يراها الأعمى في الظلام، ما زالت تدافع عنه وتراه فتى أحلامها، ولم تدرك أنها بعد أن حدث هذا لم يكن متمسكاً بها ولم يظهر عزمه الوقوف بجانبها وإنما ألقى الكرة في ملعبها وعليها أن تجد حلاً مع أهلها، واحتدم النقاش بين الأم والابنة ووصل إلى طريق مسدود، فالأم تعرف صالح ابنتها وترى الصورة أكثر وضوحاً بلا رتوش، والأب اكتفى بالسكوت لأن زوجته تفعل ما يريد أن يفعله، وأعلنت الفتاة تمردها وأنها ماضية في علاقتها به مهما كلفها الأمر، ولم يجد معها خصام أمها لها ولا مقاطعة أبيها. جلست مع فتى الأحلام يبحثان عن مخرج، لكنه ليس لديه أي حلول، فقررت أن تأخذ المبادرة ووضعت السيناريو، أقنعته أنه حتى يتم زواجهما، فإن هذا لن يحدث إلا إذا تخلصا من أمها، أخذ نفساً عميقاً من سيجارته وهو ينفث الدخان الكثيف في الهواء ولم يرد عليها واكتفى بهز رأسه بما يعني أن عليها أن تكمل، قالت سأعد لك نسخة من مفتاح الشقة وأبقى في المنزل ولا أذهب إلى العمل وعندما تكون الأجواء مهيأة ويذهب أبي إلى عمله وإخوتي إلى المدرسة سوف أتصل بك لتأتي ونجهز عليها وكأن شيئاً لم يكن، ورأى أن خطتها جيدة ومحبوكة ولن يتم التوصل إليهما بأي شكل. وقالت الفتاة: أعطيته المفتاح وارتديت ملابسي كالمعتاد في الصباح، لكن لم أذهب إلى العمل، وفي الظهيرة، اتصلت به وكنت أنا وأمي وحدنا، ودخل بالمفتاح المصطنع وأنا في غرفتي فخرجت أمي لترى من القادم الغريب في هذا الوقت، التقيا عند الممر، كنت قد خرجت وعاجلتها بطعنة في القلب وتلتها طعنات متلاحقة لم تمهلها لتصرخ ولا تستغيث، وسكين المطبخ في يدي أطعنها بكل غل بسرعة واحدة تلو الأخرى حتى بعد أن سقطت جثة هامدة وفارقت الحياة، وتوجهت إلى غرفة نومها وأحضرت مجوهرات أمي ومبلغاً صغيراً من مصروف البيت وأعطيتها لحبيبي، الذي تركني وغادر المكان. شعرت بالسعادة بعد أن تخلصت من الكابوس الذي كان يحول بيني وبين حلمي الأكبر، اتصلت بحبيبي على هاتفه المحمول، لنخطط كيف نبيع المجوهرات ونتزوج قريباً، ووقفت في الشرفة أراقب أبي عندما يعود حتى يكون هو أول من يحضر لأبعد الشبهات عني وحتى يقتنع الجميع أنني عدت لتوي من العمل. اقتادها رجال المباحث إلى حيث مسكن زميلها، وبعد أن شاهدهم لم ينطق بكلمة، أخرج المسروقات ومد يديه بها، وأيضاً مدهما ليتم وضعهما في القيود الحديدية، فكل شيء أصبح على المكشوف، وقفا متجاورين يتبادلان الاتهامات لكنها مصرة على أنها غير نادمة وأن أمها تستحق كل هذه الطعنات في القلب لأنها أدمت قلبها من قبل ومن بعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©