الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تواطؤ الصحافة الاقتصادية !

15 مايو 2010 21:25
لم يقدم أحد بعد شرحا وافياً عن اختفاء الآلاف المؤلفة من مليارات الدولارات بسبب الأزمة المالية العالمية التي حصدت عشرات ملايين الضحايا من صغار المدخرين ومتوسطيهم وحرمت عشرات الملايين الأخرى من عملهم ووظائفهم وأنتجت، عبر العالم وفي منطقتنا، كوارث اجتماعية ونفسية و”انتحارية” طالت الأفراد والأسر والمجموعات والشركات وحتى بعض الدول. لقد ذهبت تلك المبالغ التريليونية، ولاسيما التي تسربت من خلال البورصات، إلى خبايا ما بالتأكيد، فهي لم تنتقل بعد إلى الكواكب الأخرى، والأشخاص الذين حكموا بجرائم النصب والاحتيال، وأكبرهم روبرت مادوف، لا تتعدى أرقام عملياتهم النذر النذير من الثروات التي تلاشت فجأة دون أن يعرف أحد بعد كيف وإلى أين. فكل ما قيل حتى الآن ينحصر في آثار ما يحصل من نتائج الأزمة أو الأزمات، ولكن أحداً لم يقل بعد لماذا وكيف. ولأن لا أحد يضمن عدم تجدد مثل هذه الأزمات فإن كل الأسئلة تبقى مشروعة وتفتح معها النقاش حول مسؤوليات المعنيين، ومن هؤلاء إضافة إلى القضاء المالي وأجهزة الرقابة والمحاسبة، أجهزة الإعلام وخاصة الصحافة الاقتصادية، بأنواعها كافة التي ثبت أنها كانت غافلة تماماً عن حقيقة ما يدور في الاقتصاديات الدولية والاقتصاديات المحلية في الوقت التي كانت تشارك فيه بكل حيوية ونشاط في الترويج لاتجاهات واستثمارات وشركات ثبت لاحقا أنها خاسرة أو فاسدة أو تتورط في بيع أوهام وأحلام وردية لا هم لكثير منها سوى جذب الأموال وتكديسه في مشاريع ورقية أو صناديق فاشلة. ومن منطلق هذه الشراكة يأتي تواطؤ الصحافة الاقتصادية، ومنه يجب تحميلها جزءاً كبيراً من المسؤولية ليس فقط عن الأزمات المالية الأخيرة بل عن المصير الذي ينتظر اقتصادياتنا الوطنية و”العالمية”، ومنه أيضاً يتوجب إعادة النظر في منهج هذه الصحافة القائمة بشكل رئيسي على التصريحات وعلى البيانات الرسمية للشركات ورجال الأعمال والمؤتمرات الصحفية (الشكلية) الأقرب إلى العلاقات العامة والتسريبات الإعلامية، المدفوعة لبعض المخبرين أو المحررين، وكلها تمر غالباً بدون تدقيق أو مساءلة. ولأن سكين الأزمة يبقى سيفاً مسلطا على الجميع بمن فيهم الدول الكبرى قبل الصغرى والغنية قبل الفقيرة، فقد آن أوان انتقال الإعلام، وخاصة الصحافة الاقتصادية، من نهج العلاقات العامة إلى نهج الصحافة الاستقصائية والتحقيق والمتابعة وأقل الإيمان المساءلة. ولأن الصحف ووسائل الإعلام كانت بدورها وما زالت من أوائل المتضررين من الأزمة المالية الأخيرة جراء انكفاء ميزانيات الإعلانات وانهيار الكثير من الشركات وخوف الباقي منها، فقد آن الأوان لكي تكون الصحافة الاقتصادية في المرحلة الراهنة محط اهتمام أجهزة الإعلام أكثر من أي وقت مضى، نهجاً وتحريراً وتدريباً وتوجيهاً، إذ أن هذه الصحافة قبل غيرها يمكن أن تكون المصدر الأول للثقة بوسائل الإعلام لكونها تتعاطي في شأن يهم العالم والناس أجمعين، ومنهم المعلنون والقراء وجميع العاملين في أي صحيفة أو وسيلة إعلامية أخرى بمن فيهم مدراؤها وممولوها أو أصحابها. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©