الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«ولادة».. يجسد العزاء والانفتاح علــى الأمـل والتجــدد

«ولادة».. يجسد العزاء والانفتاح علــى الأمـل والتجــدد
14 مايو 2017 23:09
إبراهيم الملا (رأس الخيمة) في وادي «البيح» التابع لمنطقة «السدمة»، وتحت سفوح جبل «جيس» برأس الخيمة، كان المخرج السينمائي الإماراتي أحمد حسن أحمد يضع اللمسات الفنية الأخيرة، ويهيئ الكادرات الختامية لفيلمه الروائي الطويل الأول «ولادة»، الذي شهد ولادات متعاقبة على الورق، واختبر اقتراحات متعددة حول النص ومآلاته وشخوصه وحبكته، قبل أن يستقر المخرج ومعه مؤلف الفيلم السيناريست يوسف إبراهيم على صيغة نهائية، أفضت إلى سيناريو متماسك ورؤية جاذبة ومشوقة للمتلقي، قبل عرض الفيلم في الدورة المقبلة من مهرجان دبي السينمائي، وفي صالات السينما المحلية لاحقاً. كانت الطبيعة المحيطة بالمكان تنطق هي الأخرى بلغة مشهدية آسرة، وترافقنا في تجوال مهيب وساحر نحو تفاصيل منسية، غيّبتها عنّا المدن، وأنسانا إيّاها ضجيج الحياة المتسارعة، كانت تلك تفاصيل الرعوية تنبعث وتندلع مثل سرّ، وتبوح بهدوء من خلال منطوقها الخفيّ بما لا يمكن لأي لسان أو أذن أن يفكاّ شيفرتها الغاصّة بصمت عريق، وجلال فائض. «الاتحاد» التقت أثناء التصوير كلاً من مخرج الفيلم وكاتب السيناريو للتداخل مع المناخ الروائي والمشهدي للفيلم، حيث أشار عبدالله حسن أحمد، بداية، إلى أن تصديه لإخراج هذا الفيلم، جاء بعد تحديات إنتاجية كبيرة، وبعد تأملات مطوّلة حول النصّ الأولي الذي انبنى على فكرة احتاجت للكثير من الخيال الخصب والرؤية الدقيقة، وهي تحديات ــ كما وصفها عبدالله ـ شكّلتها الظروف الإنتاجية، والقيمة الإضافية المتوقعة لأول أفلامه الروائية الطويلة في المشهد السينمائي المحلّي، بعد فترة انقطاع وتوقف عن التعامل الفعلي على الأرض، وبعد خوض تجارب كثيرة مع الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة خلال الخمسة عشرة عاماً الماضية. «مطلع الشمس» في سؤال عن الصيغة النهائية التي استقر عليها الفيلم بشكله الفني وبمضمونه السردي، أوضح عبدالله حسن أن الفيلم كان يحمل عنوان: «مطلع الشمس» قبل أن يتم تغيير هذا العنوان، عطفاً على أجوائه المشبعة بفكرة الولادة، كبشارة لتغييرات إيجابية، سواء على المستوى العام، أو على المستوى الفردي للشخصيات الرئيسية في الفيلم، ومن هنا ــ كما أشارــ جاء اختياره لبيئتين مختلفتين، إحداهما في الصحراء، والأخرى تحت سفح جبل يحتضن منزلين متجاورين تدور فيهما وحولهما معظم أحداث القصة وانعطافاتها وتطور الشخصيات تبعاً لهذا الأحداث، وتبعاً لتأثيرها على مسارات الفيلم، وصولاً لنقطة اللاعودة وللمشاهد الختامية المنطوية على علاقات وروابط متداخلة بين الذات والآخر، وبين الإنسان والطبيعة، بما تشتمل عليه هذه الطبيعة من نباتات وحيوانات (الناقة هنا تحديداً) والتي تعكس حسّاً أمومياً طاغياً، وارتباطاً وثيقاً بالمرأة ــ إحدى الشخصيات في الفيلم ــ وسط أفراح مؤجلة وعذابات غير معلنة. وأضاف عبدالله حسن أن الفيلم ينطلق في جزئه الأول من اليوم الذي يتم فيه دفن الشهداء، بحيث تتحول ظلال هذا المدخل الروائي إلى سياقات مشهدية متنوعة تكون فيه بشرى الولادة هي العزاء والتعويض عن الفقدان، وهي أشبه بالانفتاح على الأمل والتجدد والتواصل في مسيرة الحياة، وتتويجاً للمعنى الأهم الذي يطرحه الفيلم، وهو أن الطبيعة من حولنا ولاّدة ومتدفقة على الدوام، ولا تعرف الجمود والتراجع. وعن مدى استفادته من خبراته السابقة في تنفيذ هذا الفيلم بالذات، والذي يضم طاقماً فنياً وأدائياً كبيراً، أوضح عبدالله أن تعامله في السابق كمنتج وكمخرج مع البيئة الخارجية المفتوحة في الأفلام القصيرة، أتاحت له وضع حلول بديلة ومناسبة لتجسيد السيناريو ونقل شحناته العاطفية والذهنية إلى كادرات بصرية توائم بين الشكل الواقعي والمحتوى الرمزي. وعن المقاييس التي اعتمدها في اختياره لطاقم الممثلين، أشار عبدالله إلى أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على أداء الأطفال بجانب الممثلين الكبار، وقال: إن هذا الأمر شكل تحدياً آخر عند تنفيذ الفيلم، وتتطلب منه إجراء اختبارات أدائية مرهقة للوصول إلى الأطفال القادرين على التجسيد العفوي والمتقن في ذات الوقت، استناداً لشخصياتهم المرسومة في النص المكتوب، مضيفاً أن الفريق التقني الذي اختاره للعمل خلف الكاميرا هو فريق سبق له التعامل مع أغلب عناصره في أعمال سينمائية سابقة له، وبالتالي فإن التناغم مع هذا الطاقم كان متوفراً وأزال الكثير من العقبات التي يمكن تواجه أي مخرج عند تنفيذ الفيلم الطويل بشروطه الصعبة والمرهقة. تغيير مسار النص بدوره أشار كاتب السيناريو يوسف إبراهيم إلى أن النص الأصلي للفيلم كان مخصصاً لإنتاج عمل روائي قصير، ولكن بعد نقاشات متواصلة مع المخرج تم وضع أفكار جديدة غيّرت من مسار النص ومن طبيعة الشخصيات، فأصبح السيناريو مهيأً للدخول في مغامرة أكبر وهي التحول إلى سيناريو فيلم طويل، وهذا ما حدث ــ كما قال ــ فبدأت المرحلة التالية من تطوير النص وتحقيق التوازن بين السرد الواقعي للأحداث، وبين الأسلوب الفني الخاص لعمليات التصوير والإخراج وتوزيع المشاهد بما يخدم رؤية وفكرة النص. ونوّه يوسف إلى أن أحداث الفيلم تقع في زمننا المعاصر، رغم أن البيئة المحيطة بأغلب المشاهد تحيل إلى مكونات متباينة وذات خصوصية منعزلة ومحتشدة بطابعها الإنساني والوجودي المستقل نوعاً ما. وعن مميزات هذا النص مقارنة بنصوصه السينمائية السابقة، أشار يوسف إلى أن تراكم الخبرات في مجال الكتابة للسينما والتلفزيون جعلت من نص فيلم «ولادة» أكثر نضجاً واحترافية بما تم إنجازه سابقاً، منوهاً إلى وجود استعادات بصرية كثيرة في الفيلم، استند فيها إلى ذاكرته الشخصية ومشاهد من الطفولة والبيئة الشعبية، وقال: إن هذا الترابط بين المعطى الذاتي اللصيق بروحية المكان القديم والبراءة الأولى، وبين المعطى الخارجي المرتهن بالشخصيات والأحداث الإضافية والمتخيلة، خلق علاقات مبنية على المزج والتنوّع بين الحمولات النفسية والأبعاد الواقعية، إضافة إلى الدلالات الرمزية الموظفة لصالح الرسالة الجمالية والإنسانية التي يطرحها الفيلم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©