الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرزاي... وبوادر الملل من الحرب الأفغانية

21 مارس 2012
على مدى عقد من الزمن، قُتل جنود أميركيون وماتوا دفاعاً عن حكومة كرزاي. ولكن يوم الخميس الماضي، وبينما كان وزير الدفاع الأميركي يزور كابول، طالب كرزاي بأن تتوقف تلك القوات عن القتال من أجله حيث قال في تصريح أدلى به للصحفيين: "إن أفغانستان مستعدة الآن لتسلم كل المسؤوليات الأمنية بشكل كامل". وبالنظر إلى الأدلة الكثيرة التي تفيد بالعكس، فإن المرء قد يميل إلى افتراض أن إعلان كرزاي ليس سوى استفزاز آخر من زعيم مل من الحرب ويشعر بالغضب من الأخطاء العسكرية الأميركية، والتي كان آخرها إطلاق النار العشوائي من قبل رقيب في الجيش الأميركي أسفر عن مقتل 16 مدنياً أفغانياً نهاية الأسبوع الماضي. فقد قال كرزاي يوم الجمعة "إن تحمله بلغ حدوده القصوى" بخصوص الكيفية التي يتعامل بها الجيش الأميركي مع الحادث. ولكن كرزاي لا ينتقد الأميركيين -الذين تبدو قوتهم وأموالهم مهمة لبقائه- فقط من شدة الإحباط بسبب عجزه عن السيطرة على كيفية تصرفهم، بل إن رد فعل الرئيس الأفغاني يجد تفسيره في تطوره الخاص على مدى قرابة عقد من قيادة البلاد. وعليه، فما الذي يفكر فيه حقاً؟ وماذا يجدر بأميركا أن تسمع عندما يتحدث كرزاي؟ خلال الشهر الماضي، تحدثتُ مع عدد من مساعدي كرزاي الحاليين والسابقين بشأن آرائه حول الوجود الأميركي في أفغانستان، فوصفوا رئيساً أضحت شخصيتُه وقناعاته السياسية معارضةً للمقاربة الأميركية بشكل جوهري. فخطابه ليس مجرد فرقعة موجهة للاستهلاك الداخلي، أو يهدف إلى إظهار أنه ليس رئيساً يتم التحكم فيه، مثلما توحي بذلك تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين، بل نتيجة ارتياب قوي بشأن دوافع الولايات المتحدة في أفغانستان. ففي الجزء الأكبر من ولايته الثانية، كانت مواقف كرزاي متسقة ومنسجمة بخصوص اعتقاده بأن الجنود الأميركيين إنما يخلقون المشاكل أكثر مما يخلقون الحلول في الحرب ضد "طالبان". ومشاعر الغضب الأخيرة - الفيديو الذي يُظهر على ما يبدو جنود "مارينز" يتبولون على جثث، وإحراق نسخ من القرآن الكريم من قبل جنود أميركيين، والإصابات المدنية في إقليم قندهار - تقوي وتعزز حجته المتمثلة في أن استراتيجية محاربة التمرد الأميركية إنما تؤدي إلى نتائج عكسية. وتأتي مطالبته قوات "الناتو" بالبقاء خارج القرى الأفغانية والانسحاب إلى قواعد كبيرة بعد مجموعة من الأوامر السابقة: وقف الضربات الجوية التي تنفدها قوات "الناتو"، والغارات الليلية وعمليات تفتيش المنازل التي تقوم بها قوات العمليات الخاصة، وإلغاء شركات الأمن الخاصة، وفرق إعادة الإعمار التابعة لـ"الناتو" في الأقاليم، والسجون التي تديرها القوات الأميركية. والواقع أن جذور آراء كرزاي طويلة طول أمد الحرب، غير أن المواجهة مع الولايات المتحدة اشتدت بشكل خاص خلال حملة إعادة انتخابه في 2009، فترة وصفها أحد مساعديه بـ"الجرح الذي لم يلتئم أبدا"، حيث يقول مسؤولون في القصر الرئاسي إن كرزاي غدا مقتنعاً بأن إدارة أوباما سعت جاهدة وراء انهزامه في الانتخابات. وعندما فاز، يضيف هؤلاء المسؤولون، رأى كرزاي في التركيز الأميركي الجديد على محاربة فساد الحكومة الأفغانية طريقةً أخرى لتشويه سمعته. وفي حال قدم له مساعدوه نصيحةً اعتبرها مؤيدة للأميركيين جداً، يضيف هؤلاء المسؤولون، فإنه كان يرفضها أحياناً ويصفها بأنها من تلاعبات "البناية الصفراء"، مثلما يسمي السفارة الأميركية في نهاية الشارع. ويقول مسؤول سابق في القصر: "لقد قرر الرئيس مضايقة الأميركيين، على النحو الذي يضايقونه به"، مضيفاً "وهكذا، اختار في ذهنه أربعة مواضيع مهمة يمكن أن يضغط بها على الأميركيين. فكانت هي الإصابات المدنية، ومراكز الاعتقال، وشركات الأمن الخاصة، والغارات الليلية". وقبل سنوات من اعتراف المسؤولين الأميركيين بأن "طالبان" وجدت ملاذاً عبر الحدود في باكستان، كان كرزاي وآخرون في حكومته مقتنعين بهذا الأمر. غير أن رفض الولايات المتحدة محاربة الإرهاب في منبعه هناك دفع العديد من المسؤولين الأفغان، ومن بينهم الرئيس، إلى الشك في أن تكون لأميركا دوافع خفية، حسب شهادات مسؤولين أميركيين عملوا معه من قبل. والواقع أن كرزاي لم يكن أبداً قائداً عسكرياً متحمساً حيث كان متشككاً في قرار أوباما في ديسمبر 2009 القاضي بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان. كما يتحدث مساعدو كرزاي عن طبيعته المحبة للسلام، فيقولون إنه غير مهتم بالعمليات العسكرية اليومية، حيث يعمد أحياناً إلى تقصير الإيجاز الأسبوعي لمجلس الأمن القومي حول المستجدات العسكرية من أجل الخوض في مناقشات حول الأوضاع الجيو سياسية. لقد سبق للولايات المتحدة أن واجهت وصمدت أمام عدة غضبات لكرزاي، وكثيراً ما كانت الشراكة بينهما تنتصر في الأخير وتحل محل الأزمة. ولكن ورغم ما يقوله البعض حول ضعف كرزاي، إلا أن مطالبه انتزعت تدريجياً تنازلات كبيرة من الولايات المتحدة، ومن ذلك الموافقة على تسليم سجن يديره الأميركيون في باغرام على نحو أسرع مما كان متوقعاً. كما غير كرزاي الوضع بالنسبة لشركات الأمن الخاصة الأجنبية، وفرض قدراً أكبر من الحذر في الغارات الليلية والضربات الجوية. وعلى ما يبدو، فإن كرزاي لا يرغب في انسحاب عسكري أميركي كامل، ولكن معارضته القوية للاستراتيجية الحالية يمكن أن تؤدي إلى تسريع ذلك الانسحاب. وحينها سيخضع تشديدُه على أن أفغانستان مستعدة للدفاع عن نفسها للاختبار. جوشوا بارتلو رئيس مكتب "واشنطن بوست" في كابول من 2009 إلى 2011 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©