السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا ومرحلة «اللاعودة»

21 مارس 2012
عام كامل ولم ينجح النظام السوري في القضاء على فكرة حان وقتها وثورة تزداد انتشاراً. لقد اقتنع النظام منذ البداية أنه قادر على إنهاء الاحتجاج الذي تحول إلى ثورة. حاول بقوة في أكثر من منعطف أن يحسم. العنصر الأهم في الثورة السورية هو استمرارها بقوة بعد القمع المرعب الذي وقع في حمص وفي بابا عمرو بالتحديد منذ أكثر من أسبوع. ففي الجمعة الماضية جددت الثورة نفسها وهذه الجمعة ستعيد إنتاج قوتها بعد معارك إدلب في بقية سوريا. ويتضح أن القوة الكثيفة لا تنهي ثورة يقوم بها شعب تجمع أغلبيته على أهداف التغيير. في ظروف كهذه إن قوة الجيش السوري معرضة للإنهاك ولمزيد من الانشقاقات. لقد أدخل النظام السوري القوى الدولية في حرب باردة مؤقته حول وضعه. فروسيا تكتشف أن "الحراك العربي" شكل خسارة لها ما جعلها تصمم على إيقاف الخسائر في سوريا، أما الصين الخاسر الآخر من هذا الحراك فخائفة من تغيرات قد تصل لشعوبها وللأقليات في أراضيها. ولقد شكل الجهد العربي الأخير للتعامل مع وزير الخارجية الروسي والذي نتجت منه النقاط الخمس التي تدعو إلى وقف العنف في سوريا وآلية رقابة وإطلاق حوار سياسي محاولة في اتجاه حل لا تشجع عليه الوقائع على الأرض. وبينما ترفع هذه المساومات والاتفاقات الثمن الذي يدفعه الشعب السوري، ستكون الأحداث على أرض الواقع متسارعة، فالنظام السوري أوصل شعبه إلى مرحلة اللاعودة. الشعب السوري ماض في طريق تغيير النظام، كما يتضح من سياق الأحداث إنه في لحظة محددة ستتعمق الانهيارات في النظام كما تتعمق في الجيش. وما الاتفاق بين "المجلس الوطني" و"الجيش الحر" إلا بداية جديدة لإحداث مزيد من التغيير في ميزان القوى على الأرض في الصراع بين الشعب السوري والنظام الرافض للرحيل. إن عدم مواكبة الوضع الدولي للثورة لن يوقفها، بل نرجح أن الوضع الدولي سوف يجد نفسه مضطراً لمواكبة قوتها وانتشارها واشتعالها. إن "الجيش الحر" الذي ينشأ على خلفية الدفاع عن المتظاهرين السلميين قوة صاعدة مؤهلة للعب دور كبير في الثورة السورية. فالاستمرار في القمع والحل الأمني يرهقان النظام السياسي وأجهزته ويعمقان من حالة الانشقاق في الجيش. وهذا بطبيعة الحال سيصب في استمرار تطور "الجيش الحر" وتعميق تجربته. إن اتفاق هذا الجيش مع "المجلس الوطني" مرشح لانتزاع فائدة الدعم والمساعدات العربية والدولية ما سيجعل منه مؤهلاً للقتال باسم الثورة. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لوجدنا أن "الجيش السوري الحر" لم يكن موجوداً، لكنه نتج من آلة القمع التي قام بها النظام ضد المتظاهرين السلميين."الجيش الحر" ليس ظاهرة يمكن القضاء عليها، فبإمكانه أن يكون متحركاً وتعداده تجاوز عشرات الألوف. لقد فشل الخيار الأمني للنظام السوري في إيقاف الثورة وفي الوقت نفسه ساهم في نشر الثورة وعمّق من وسائلها وقدراتها وأنتج "الجيش الحر". أما الاقتصاد السوري، فهو بحد ذاته مقتل آخر للنظام السوري ويلعب دوره في إضعافه وتفككه. فقد توقفت الصناعة والزراعة وأحرقت المحاصيل وساهم قتل ألوف الناس بتوقف العمل في كل مرفق. في هذه الحالة يستمر النظام في رفض الاعتراف بالواقع، فهو لو انتصر على كل مدينة وقرية ثائرة ووضع في كل مكان دبابة لن يُخرج نفسه من الكارثة الإنسانية والاقتصادية التي سببها لنفسه ولن يستطيع مواجهة شعبه أو ممارسة الحكم في اليوم التالي. سيبقى هذا النظام ملاحقاً حتى زواله. هذه إشكاليته الأكبر الآن. الوضع الدولي يتجه للضغط على النظام السوري، كما أن قدرة روسيا على حماية النظام من نفسه هي الأخرى بدأت تسقط أمام صمود الشعب السوري واستمرار الانتفاضة. لهذا نقترب الآن من موقف أشد صعوبة تتخلله قرارات دولية وعقوبات أقوى وقرارات قد تؤدي إلى محاكمات دولية على جرائم حرب. هذا سيعيد الجميع إلى المربع الأول وإلى فكرة الممرات الآمنة، والدعم العربي والإنساني ومناطق الحماية للشعب السوري عند حدود سوريا مع تركيا. لهذا فإن استمرار القمع سوف يفتح الباب لمزيد من الضغط الدولي ما سيضعف الموقف الروسي. التحول إلى السياسة يتطلب توقف القصف والمدافع والعنف والاعتقال وإخراج المساجين والسماح بالتظاهر السلمي. هذا هو الحل الوحيد مرحلياً الذي يستطيع أن يهدئ من روع الشعب السوري. لكن السؤال: هل يعرف النظام السوري معنى السماح بالتظاهر السلمي بعد كل ما وقع في الشهور الماضية من منع لأدنى تعبير معارض؟ وهل يقبل الشعب السوري الآن بعد كل ما وقع بأقل من تغيير النظام ورحيل الأسد؟ د. شفيق الغبرا كاتب وأكاديمي كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©