الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحو معجم موثق للهجة أهل الإمارات

نحو معجم موثق للهجة أهل الإمارات
2 يوليو 2008 23:33
إن الباحث في التراث الشعبي من خلال بحثه عن معان لمفردات، طالما مرتّ عليه أثناء عملية توثيق وتحقيق بعض الروايات الشفوية، التي يمكن أن يشتغل عليها في جمع وتوثيق الشعر النبطي أو الشعبي، ولطالما تحيّر واضع البحث عن معنى مفردة، أو تعبير ما جاء عرضاً في أبيات قصيدة لشاعر شعبي، فأجهد النفس والوقت في بحث عن هذا المعنى المنشود الدقيق الصحيح، في هوامش ديوان منشور، أو كتاب توثيقي عن شاعر شعبي ربما تكون قد وردت في إحدى قصائده وتفضل الجامع أو المعد أو المحقق لهذا الديوان وشرحها في هامش من الهوامش التي يمكن أن تسعفه، ولكن في أي هامش سوف نجد هذا المعنى وفي أي صفحة سنجد ضالّتنا هذه، الله أعلم، كان الأمر يزداد صعوبة اذا كانت المفردة لم تكن قد مرّت على الأذن من قبل، أو كانت مغرقة في بدويّتها أو محليّتها، ملتصقة ببيئة الشاعر محلياً وتاريخياً، أو ربما كانت ذات خصوصية لهجية في طريقة نطقها تعود مثلا الى قبيلة من القبائل، أو صقع من الأصقاع التي ربما تواجدت بها هذه القبيلة سواء في أراضي دواخل الجزيرة العربية أوسواحلها، أو كانت متداولة في مجتمع ما ذي خصوصية معينة انتمى اليه أو زاره هذا الشاعر أو تعامل معه لسبب من الأسباب، وهنا يكون الموقف أصعب بالنسبة للباحث في بحثه عن معنى هذه المفردة· عمار السنجري كتبت عن (لهجات الإمارات) في الحقيقة دراسات عديدة، فلأهل الإمارات لهجات وليس لهجة واحدة، قد لا يميزها السامع غير المتخصص، خاصة ونحن نسمع اليوم في الإمارات لهجة عامية وسيطة مفهومة مبسطة أخذت من لهجات عربية عدة ربما من أجل تقريب المعنى وللتطور الحاصل في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية ولتعدد الجنسيات عربية وغير عربية على أرض الإمارات، لهجات يمكن توزيعها قبلياً كلهجة العوامر والمناصير وبني كتب والحراسيس وبني كعب والشحوح والظهوريين وغيرها من القبائل الكريمة التي يشكل أبناؤها سكان الإمارات اليوم، أويمكن توزيع هذه اللهجات مكانياً، كلهجات القبائل البدوية التي تنقلت قديماً في المناطق الصحراوية واستقرت حديثاً في الدواخل، أو تلك التي عاشت واستقرت على السواحل، أوالتي في الجبال، كل واحدة منها حسب بيئتها الصحراوية والساحلية والجبلية، وقد ذكر هذه الدراسات التي اهتمت بـ (لهجات الإمارات) الباحث أحمد محمد عبيد في كتابه ''لهجات الإمارات - مقدمات ودراسات''، والتي اعتمد بعضها على جمع ألفاظ هذه اللهجات ومحاولة شرحها وتفسيرها وارجاع بعضها الى الفصيح، وعنيت دراسات أخرى القاء الضوء على بعض العلاقات اللغوية بين هذه اللهجات، ومحاولة تقديم أسس تهدف الى فتح أبواب جديدة للجمع الميداني، ومن أهم هذه المؤلفات: كتاب المستشرق ت· م· جونستون: دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية (1983م)· د· فالح حنظل: معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات (ط·1 : 1978م )· د· إبراهيم الكسواني: لهجة الشارقة - دراسة لغوية، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة (1984م)· د· علي عبدالعزيز الشرهان: تحولات اللغة الدارجة (1989م)· عبدالعزيز المسلّم: اللهجة الإماراتية·· مدخل عام للجامع الميداني (2001م)· أحمد محمد عبيد: دراسات في أدب الإمارات وثقافتها ولهجاتها (2003م)· معجم لهجة الإمارات، إصدار مركز زايد للتراث والتاريخ، وقد تحدث عنه الدكتور حسن النابودة مدير المركز المذكور (الخليج 7/10/2002م) ولكنا لم نطلع عليه الى الآن· إن الجهود السابقة لاشك بأنها جهود مشكورة ومقدرة ولكنها لاتكفي· توثيق الفنون القولية فنحن بحاجة بلا شك إلى نوع موثق من المعاجم التي تعنى بالفنون القولية الشعبية واللهجية نرجع اليها عندما نحتاج مثلا لأن نشرح معنى كلمة أو اصطلاح ، خاصة للباحثين المهتمين بالتراث الشعبي بشكل عام، وبالفنون القولية الشفوية الشعبية وبشكل خاص ومحدد في الشعر الشعبي· وسأضرب هنا مثلا بسيطاً لما يمكن أن يجده الباحث في هذا المجال من مشقّة في عملية بحثه عن معنى لمفردة عابرة، ربما مرّت في بيت من قصيدة شعبية قد لاتتجاوز الثلاثة أبيات، أن مجرّد تأمّل هذه الأبيات القليلة وشرح مفرداتها، بالطبع ليس كل الكلمات الواردة في القصيدة أو الأبيات الثلاثة، سيعطينا بلاشك فكرة عن أهميّة وضع مثل هذا المعجم المتخصص، يقول الشاعر مرشد بن راشد الأحمدي في إحدى قصائده: وياراكب الحرّة اللّي كاملة بالحال وسلاح ليا زفرها طموح تفوتها فوت الرماح ما ذكرت بالصرار أربع حوالي عند مصلاح ماسرّحت في الفضا تنفض رسنها في المراح اللي عدّل لبسها ماله شطن فاضي ومرتاح ينعش مخاويل في سد المحاجر والسناح الصرار: هي عملية ربط محالب الناقة لئلا يرضعها حوارها، وهذه الناقة الحرّة لم تمنع من الرضاعة بل كأن حليب أمها لم يصرف لغيرها مما أعطاها القوّة، وأيضا لم تغادر الحي لغير التدريب وغذاؤها أو علفها يقدم لها دون أن تسعى اليه كالإبل الأخرى، كناية عن العناية بها· عدّل: صنع، شطن: عمل وشاغل، ينعش: يشكّل ويطرّز، مخاويل: خطوط زينة مطرزة على الملابس من الرصاص والتل والخرز الملوّن الدقيق وخيوط الحرير الملونة، المحاجر: الحجرات، السناح: الرواق من بيت الشعر· هذا الشرح المتقدم لسبع كلمات وردت في ثلاثة أبيات فقط في قصيدة أوجزء من قصيدة لشاعر شعبي، يجعلنا نقول وبصدق أنه ليس من السهل الحديث عن وضع معجم للثقافة الشعبية الشفاهية، ولكنه بالطبع ليس عملا مستحيلا اذا تكثفت وتكاتفت الجهود فالعمل هو عمل جماعي وقد يستغرق سنوات، في وقت لايوجد في دولة الإمارات سوى معجم واحد فقط مطبوع ومتوفر بين أيدينا عني بالألفاظ الشفاهية وهو ''معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة'' للدكتور فالح حنظل مع مالنا عليه من ملاحظات حتى بعد صدور طبعته الثانية (1998م) ليس هنا مجال ذكرهذه الملاحظات· وأعتقد أن أول مايجب أن نهتم به ونفرد له مجالا أوسع في البحث والتقصي ثم بالتدوين والشرح ، الكلمات الواردة في الشعرالشفهي، أو مايسمى بالشعر النبطي (أو البدوي، الشعبي)، وهي كلمات حسب اطلاعنا لاتحصى ولاتعد لازالت مع ذلك مبعثرة في بطون الكتب والدواوين المطبوعة فقط، هذا فيما لو وجدنا لها شروحا في الهوامش، سواء قام الشاعر نفسه بشرح معاني الكلمات الواردة في قصائده، أو المحقق أو المعد لذلك الديوان، وقد يمثل هذا المدون (المطبوع) نسبة قليلة جدا أمام المحفوظ في صدور الرواة والشعراء، لذلك نحن ندعو الى بحث ميداني موسع أكثر للبحث عن شروح معان لكلمات أكثر، ثم الكلمات الواردة فيما يسمى بـ (سالفة القصيدة)، أو السبب الذي قيلت من أجله هذه القصيدة، أي سبب نظمها من قبل الشاعر وهنا يمكن أن نقف على المعاني الأكثر ثراء، يشير الدكتور سعد العبدالله الصويان في كتابه جمع المأثورات الشفهية إن من الأشياء التي يمكن أن نتفحصها أيضا في الإطار الأدائي الشفهي هو فهم العلاقة التي تربط الراوي أو الشاعر بالمستمعين، وكذلك مدى ثبوت النص من خلال الرواية الشفهية وبالتالي ملاحقة معاني المفردات المستخدمة بمختلف الروايات، وماهي العوامل التي تتحكم في هذا التغير؟، ومادور البعدين الزماني والمكاني في ذلك؟· وكل ذلك سيساعدنا على استنباط معايير نقدية تتلائم مع الطبيعة الأدبية والوظيفة الاجتماعية والنفسية لنوع واحد من أنواع الفنون القولية وهو الشعر النبطي، كذلك نصبو من خلال هذا البحث، الى إيجاد تصور شامل للمحيط الحضاري والاجتماعي والسياسي الذي نشأت في هذه الفنون القولية الشفهية على اختلاف أنواعها، ولو أخذنا الشعر النبطي نموذجاً للبحث، فمن خلال وجود الرواة معنا خلال عملية التسجيل سيمكننا من جمع المعلومات الضرورية عن حياة الشعراء المشهورين، وظروفهم المعيشية، ليس فقط للتعرف على مصادر الهامهم، بل أيضا للتعرف على مكانتهم الاجتماعية والدورالذي يلعبونه في تحريك الأحداث السياسية والاجتماعية· جمع المتناثر وفي رأينا أن عملية جمع ماتناثر من معاني كلمات وردت في سياق فن من الفنون القولية من شعر نبطي، أو حكاية شعبية (خروفة أو خاروفة)، أوسير شعبية، أوألغاز، أو في سياق فن من فنون حركية أدائية خاصة الرقصات الشعبية سواء ماأختص منها بالبادية أو البحر، وأمثال شعبية وغيرها من الفنون الشفاهية، باتت عملية جمعها وتدوينها في معجم واحد يجمع شتات جلّها ولانقول كلها وتقديم نماذج منها، هي عملية انقاذ مايمكن انقاذه قبل أن تفوت الفرصة ويضيع كل شيء، ولايكفي أن تكون مبعثرة في بطون (بعض) ماطبع من دواوين منشورة، أو كتب ومراجع تعني بمختلف فروع تلك الفنون القولية الشفاهية، يجهد الباحث نفسه ويضيع الكثير من وقته في البحث عنها في مصادر عديدة قد لاتتوفر له· لذلك نأمل أن يكون هناك معجم ومصدر جامع للمصادر التي تفيد الباحثين في التراث والثقافة الشعبية، يمكن أن يجدوا فيه كل مايخص الفنون الشفاهية الشعبية، من تعريفات لمصطلحات تتعلق بمختلف جوانب تلك الفنون مثل كلمة (غطو) أو (تغرودة) أو القصيدة المثلوثة أو المروبعة والخ·· وشروحات وافية لكلمات قد ترد في قصيدة نبطية، أو في متن حكاية شعبية، أو مثل أو لغز أو ما الى ذلك من فنون تنحصر في المجال الثقافي الشعبي الشفاهي تحديداً· إن الآداب الشعبية التي تستقي مواضيعها من حوادث التاريخ، وقيم المجتع، وممارسات الناس اليومية ومعاناتهم، تعتبر ثروة أدبية ضخمة، وظاهرة من ظواهرالأدب الشعبي الفريدة من نوعها التي تخص مجتمع الجزيرة العربية دون غيره من المجتمعات الأخرى، فهي فنون فريدة في شكلها ومضمونها، كما أنها فريدة في وظيفتها الاجتماعية ومكانتها الأدبية، لذا فهي تعتبر مصدراً هاماً لايمكن التغاضي عنه لمن يزمع القيام بدراسة جدية ومتمعنة لجغرافية الجزيرة العربية، وتاريخ سكانها من حاضرة وبادية، وتاريخ الأحلاف والهجرات القبيلية، وأنساب القبائل، ولهجاتها، ومواطنها، وأيامها وما الى ذلك من مواضيع، إضافة لما تقدمه هذه الفنون من مصادر لدراسة الأحوال السياسية والاجتماعية لمجتمعات الجزيرة العربية في فترات تاريخية مهمة مثل فترة ماقبل اكتشاف البترول· ونزعم أننا في عملية جمعنا لكل مايتعلق بفنوننا القولية الشفاهية في معجم واحد، يمكن أن نسهم بشكل فعّال وأصيل في تطوير الدراسات الأدبية والتاريخية والأنثروبولوجية، وأثراء البحوث الإنسانية على المستوى العالمي، كما أن ذلك مما يضمن الخلود والشهرة العالمية لأدبنا الشعبي، كغيره من الآداب الشعبية التي حظيت بنصيب وافر من الدراسة والتحليل، مما أتاح الفرصة للمفكرين والمثقفين في جميع أنحاء العالم للتعرف عليها وتذوقها وتقديرها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©