الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متـــــــــون

متـــــــــون
2 يوليو 2008 23:35
استراتيجيات العلوم والتعليم في اسرائيل والوطن العربي لعبد الحسن الحسيني الاسرائيلي يقرأ 11 كتابا في السنة مقابل أقل من كتاب حصة العربي رولا عبدالله يطرق كتاب ''استراتيجيات العلوم والتعليم في اسرائيل والوطن العربي''، الصادر عن الدار العربية للعلوم للباحث عبد الحسن الحسيني، أبواب الوطن العربي بناقوس خطر التقهقر الثقافي والعلمي والتربوي الذي استشرى في التاريخ العربي المعاصر، معيدا الى الأذهان اجتياح هولاكو في العام 1258 م، عاصمة الخلافة الاسلامية بغداد، وبداية التحول في مسيرة تقدم الأمة الاسلامية والعربية وتطور العلوم لديها، نحوتاريخ جديد من النزاعات والحروب والأزمات التي انعكست سلبا على كل مظاهر الحياة في العالم العربي، والاسلامي تحديدا، وعلى عناصر القوة والمناعة التي أطلقها الاسلام ووصلت الى أوجها في عهد الخليفة هارون الرشيد وبعده المأمون· في القرن العشرين، وبعد سنوات من الخيبة والانحدار، بدا للقوى العظمى بأن المنطقة العربية بلغت من الوهن مرحلة تسمح بزرع الكيان الصهيوني داخل الأمة العربية وسيطرة القوى الاستعمارية على المقدرات والموارد· توّجت تلك المرحلة بهزيمة القوى الممانعة لها سنة ،1967 ومن ثم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر المبكرة عام ،1970 ومعه دفن الحلم العربي بإقامة دولة عربية موحّدة، لتزداد بعد ذلك حدة الصراع العربي الاسرائيلي، ويزداد التدهور العلمي والثقافي والاقتصادي، الذي أسهم في جانب منه غياب الديمقراطية وقمع الحريات الذي مارسته بعض الأنظمة العربية، مما دفع بالنخبة الثقافية والعلمية والاقتصادية الى الهجرة بحثا عن متنفس للجهر بالحقيقة· يأتي الكتاب بمثابة رد على كل من عزا التدهور العلمي والثقافي والاقتصادي في الوطن العربي الى اللغة والدين· هو يفرد في ثلاثة أبواب دراسة تفنّد المزاعم بالدعوة الى إعادة قراءة التاريخ، ومعرفة كيف كانت العلوم العربية والاسلامية ساطعة، فالمعجم الأول للمصطلحات العلمية وضعه أحد العلماء العرب وهو حنين بن اسحق، ثم جاءت أعمال الخوارزمي، وجابر بن حيان، وابن سينا، وابن خلدون، والفارابي وابن الهيثم وغيرهم الكثير من العلماء الذين كتبوا باللغة العربية وترجمت أعمالهم الى جميع اللغات الأخرى واستفاد الغرب منها وبنى عليها وطوّرها ليصل الى ما هو عليه اليوم· بعد تلك الانجازات والسيرة المشرّفة، ينتقل الباحث الى تشريح الحاضر الذي طغت عليه النزعة الاستهلاكية، ليس للسلع الغربية فقط، بل للثقافات الغريبة على المجتمع العربي، الأمر الذي فاقم من تشويه اللغة وانعدام الخطط الاقتصادية والعلمية والتربوية، مما جعل معدل الأمية في الوطن العربي يصل الى حدود قياسية، بلغ 70 مليون أمي ثلثيهم من النساء والأطفال، وأصبح المواطن العربي من أقل الشعوب قراءة للكتاب، بمعدل أقل من كتاب واحد لكل ألف شخص، ولا يتجاوز عدد الكتب الجديدة تأليفا وترجمة 5400 عنوان، وبمعدل كتاب مترجم واحد لكل مليون نسمة، وأكثر الكتب رواجا هي كتب الطبخ والتنجيم· أما معدل الانفاق على البحث العلمي والتطوير فيتراوح بين أقل من 0,1 % الى 0,6 % من الدخل القومي، وهو أقل بأكثر من ثلاث مرات مما تنفقه الدول النامية الأخرى، وأقل بكثير من متوسط المعدل العالمي العام للانفاق على البحث والتطوير والذي يبلغ 1,6% من الدخل القومي، وأقل بكثير جدا مما تنفقه اسرائيل على البحوث العلمية، والذي وصل الى حدود 4,8 % من الدخل الوطني لسنة ·2005 يحذّر الباحث في تقديمه من تنامي الهوّة الثقافية والعلمية بين الدول العربية مقارنة مع الغرب، خصوصا بعد انتشار الثقافة الهابطة التي تروّج لها الفضائيات العربية، واحجام المستثمرين العرب عن توظيف أموالهم في مجالات اقتصادية وعلمية منتجة، واقتصار استثماراتهم على المشاريع الترفيهية والعقارية والمضاربات في البورصة وفي مجال الفضائيات··· مما أدى الى زيادة معدل الانحدار في المستوى الثقافي والعلمي للشعوب العربية، بدءاً من الموسيقى وصولا الى العلوم الدقيقة والمتزنة· الترجمة يقارن الباحث في معرض بحثه بين اهتمام اسرائيل بالكتاب بالنظر الى الوطن العربي· يستند الى الاحصائيات الصادرة عن منظمة ''اليونسكو'' بخصوص النشر والترجمة في السنوات الخمس الأخيرة من القرن العشرين، فيتبين أن الوطن العربي كله أنتج أقل من كتاب واحد مترجم في العام لكل مليون نسمة، في حين تنتج إسبانيا وحدها ما يقارب 920 كتابا لكل مليون نسمة (على عكس ما كان سائدا في العصر العباسي إبان عهد الخليفة المأمون الذي اعتبر الترجمة وسيلة أساسية لنقل المعرفة الى العالم العربي)· ومقارنة بإسرائيل، بلغ عدد زوار معرض الكتاب العبري للعام 2004 حوالي المليون اسرائيلي، وبلغ عدد الكتب المباعة حوالى 600 ألف كتاب، أي ما نسبته خمسة في المئة من العدد الاجمالي للكتب المباعة في الأسواق الاسرائيلية، إذ يباع في اسرائيل حوالى 36 مليون كتاب سنوياً، منها 15 مليون كتاب مدرسي، بقيمة تبلغ حوالى 450 مليون دولار أميركي· وتصدر سنوياً حوالى أربعة آلاف عنوان جديد· ويبلغ معدل ما يقرأه المواطن الاسرائيلي حوالى 11 كتابا في العام، في حين يقرأ العربي أقل من كتاب واحد لكل ألف نسمة· يحلل الباحث الأرقام بأنها مؤشر الى خلل كبير في الوطن العربي حيث الثقافة والمعرفة والعلم مهملة وغير مدعومة، الأمر الذي يؤكد حجم معاناة المثقف العربي الذي لا يجد في كثير من الأحيان من يقرأ فكره، ولا يقدّر جهوده· خلاصة الدراسة دعوة الى إعادة قراءة التاريخ واستخلاص العبر من العدو والصديق، ومحاربة الفساد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وبناء نظام سياسي يرتكز على الحرية والديمقراطية والعدالة··· واعتبار العلوم والتعليم دعامة في بناء الدولة· حكاية زيارة مؤثرة سقطت من الذاكرة والأرشيف احتفاء بطه حسين في تونس وظلم في الجزائر الطيب بشير ذكر المؤلّف أبو القاسم محمد كرّو في كتابه: ''طه حسين والمغرب العربي''، أنّ طه حسين زار تونس عام ،1957 وأقام بها زهاء الأسبوع··· وحضر محاضرته في قاعة ''البالماريوم'' (إحدى اكبر قاعات السينما وقتها) آلاف المواطنين من الشباب خاصّة، وفي الصدارة كانت الحكومة والسّفراء وكبار القوم، ويذهب المؤلف، بوصفه شاهد عيان، إلى حدّ الجزم بأنه لا يعتقد أن محاضرة أخرى بتاريخ تونس قد كان جمهورها في ذلك المستوى والعدد· وإنّ سبب الزيارة الرسمي، هو أن يشرف طه حسين بوصفه عميداً للأدب العربي، ورائداً من روّاد الحداثة على أوّل امتحان في اللّغة والأدب العربي ينظّم بتونس بعد استقلالها عام ،1956 في أوّل نواة جامعيّة، وهي دار المعلّمين العليا، لكن نشاط طه حسين تجاوز هذا النطاق الضيّق المحدود ليشمل مجالات أخرى اجتماعيّة وثقافيّة وإنسانيّة· انّ علاقة طه حسين بتونس، كما جاء في الكتاب، أوسع وأعمق من علاقاته بالأقطار العربيّة الأخرى، ويجزم بانّ مكانته وأثره وإشعاعه في تونس كانت دائما في اتّساع وانتشار، من جيل إلى جيل، بداية من جيل العشرينات والثلاثينات إلى اليوم· ويورد المؤلف في كتابه قصة اللقاء الذي تمّ بينه وبين طه حسين يقول: ''أما الذكرى الأهم، فهي الاجتماع بطه حسين ومكالمته عام 1957 في السفارة المصرية عندما أقامت هذه السفارة حفل استقبال على شرفه في نهاية زيارته لتونس· فقد صحبت زوجتي لزيارته في هذا الحفل، وكنت من المبكّرين، فوجدته جالسا مستقيما كعادته على كرسي منفرد، وخلفه يقف كاتبه الخاص، وعن يساره يجلس ثلاثة كبار في مقعد مشترك وهم: الأمين الشابي (شقيق الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي) وزير المعارف يومئذ، ومحمود المسعدي، والشاذلي القليبي، فرأيت أن أكلمه بعد أن أحيط كاتبه الخاص علما بذلك''· في جامع الزيتونة وقدّم الكاتب وصفاً دقيقاً لزيارة طه حسين لجامع الزيتونة المعمور قائلاً إن العميد بدأ نشاطه صباح يوم 29/6/1957 بحضور الحفل السنوي لاختتام السنة الدراسية بالجامعة الزيتونية داخل رحاب الجامع الأعظم·· وفي الحفل استمع العميد إلى خطاب الشيخ الإمام الذي لم ينس في خطابه أن ينوّه بطه حسين لمواقفه السابقة نحو تونس، ونحو الزيتونة بالذات وقد تأثر العميد بذلك لأنه لم يتعوّد على مثل هذا التفتح والتعلق بالحداثة من شيوخ الأزهر··· كما تأثر طه حسين بوجود طالبات فائزات بالجوائز وبالشهادات الزيتونية، الأمر الذي لم يكن قد حدث بعد مثله في الأزهر· ومن المعروف أن العميد كان ينادي ويطالب باستمرار بتحديث الأزهر وإعطاء الفتاة المصرية حقها في التعليم في جميع المستويات، وتحت تأثير تلك المشاعر التّي غمرت نفس العميد بالابتهاج والارتياح، وقف العميد وارتجل كلمة رائعة جاء فيها بالخصوص: ''إنّي لأسعد النّاس بما أتاحه لي السيد رئيس الحكومة التونسيّة الصديق العزيز الحبيب بورقيبة، حين تفضّل فدعاني لزيارة تونس، واشهد لقد أهدى إليّ بذلك فضلا لا ينسى، وما أكثر ما دعيت إلى زيارة تونس فأبيت وكرهت أن أزورها وهي خاضعة لغير أهلها، فأما الآن وتونس قد تحررت بفضل هذا الجهاد الرائع الذي جاهده أبناؤها وعلى رأسهم رئيس حكومتها''· بين بورقيبة وطه حسين وحلّل المؤلّف في فصل من كتابه العلاقة بين طه حسين والزعيم الحبيب بورقيبة وشرح القواسم المشتركة التي تجمع بين الرجلين وذكر: ''أنّ الحبيب بورقيبة أقام في مدينة القاهرة بوصفه زعيما لحزب وكلاجئ سياسي أرسله حزبه من عام 1945 حتى عام ،1949 ولا شكّ أنّ الوقت كان يسمح له بزيارة طه حسين في بيته، وأنّ شفيعه إلى ذلك إجادة بورقيبة للفرنسيّة، ثمّ انه درس بفرنسا ومتزوّج بفرنسيّة وله منها ابن وحيد، وكلّ هذه تقرّبه من طه حسين الذي كان مثله يجيد الفرنسية ودرس بفرنسا، ومتزوّجا بفرنسية، وله منها ابن وحيد وان كانت له أيضا ابنة وحيدة· لكن الأمر الذي قرّبهما ليس ذلك وحده، بل لعله الأهمّ من جميع ذلك وهو الاعتدال المشترك في كره الاستعمار الفرنسي، والدعوة إلى التفاهم مع ساسته من حكام وزعماء، فضلا عن حبّهما المتشابه للثقافة الفرنسية، والأدباء الفرنسيين برغم اختلاف الرجلين في السلوك والمهنة·· وبالتأكيد فانّ دعوة طه حسين إلى تونس عام ،1957 ولم يمض على استقلالها عام ونصف، قد تمّت بموافقة بورقيبة، وربّما باقتراحه، إذ كان يومئذ أول رئيس للحكومة في عهد الاستقلال، وقد حرص بورقيبة على حضوره المكثف في جميع الحفلات والمناسبات العامة التي حضرها طه حسين وأقيمت له''· مجلة الأحوال الشخصية كتب طه حسين بعد عودته إلى مصر مقالا نشره في جريدة ''الجمهورية'' بتاريخ الثالث من اغسطس،1957 معبرا عن إعجابه بمجلة ''الأحوال الشخصية'' التي جعلت أمر الطلاق إلى القاضي لا إلى الزوج، وجعلت الطلاق لا يصدر ولا يقع الا بحكم قضائي، وأكد أنّ القوانين التي جاءت بها مجلة الأحوال الشخصية عصمت الأسر بذلك من عبث كثير مضيفا: ''ثم مضت إلى ابعد من ذلك أيضا، فأصدرت قانونا يحرّم تعدّد الزوجات، وقد حدّثني رئيس الحكومة (ويقصد الحبيب بورقيبة)، انه أعلن هذا القانون إلى مواطنيه في الراديو، وكان إلى جانبه وقتذاك حضرة صاحب الفضيلة شيخ الجامعة الزيتونية، ولم يكد رئيس الحكومة يفرغ من حديثه حتى تكلم فضيلة الأستاذ التونسي الأكبر فقال للتونسيين: ان ما قررته الحكومة ملائم كل الملاءمة للدين الإسلامي الحنيف، ولم يرتفع صوت بإنكار شيء من ذلك· وكان من اغرب ما رأيت في الجامعة الزيتونية أنّ فتاة من طالبات هذه الجامعة ؟ والفتيات يشاركن الفتيان في طلب علوم الدين دون تفريق بين أولائك وهؤلاء ـ أقبلت لتتلقى جائزتها من رئيس الحكومة، وكانت نصف منقبة، فقال لها الرئيس وهو يعطيها جائزتها: أرجو أن أراك في العام المقبل سافرة وقد تخففت من بقية هذا النقاب· ورئيس الحكومة يدعو جاهدا إلى السفور، والى أن تشارك المرأة في الحياة الاجتماعية العامة كما يشارك الرجل· ويتلقى أهل تونس نساء ورجالا دعوته في استجابة ورضا''· ومن جملة الانطباعات التي سجلها طه حسين عن رحلته إلى تونس ما لاحظه عند حضوره لأول امتحان في اللغة العربية وآدابها بدار المعلمين العليا بتونس، ولا شك ان عميد الادب العربي كان مهتما شديد الاهتمام بمناهج التدريس، وهو الذي خبر الاسلوب التقليدي في الازهر والاسلوب الحديث في جامعة السوربون فيكون حكمه صادرا عن تجربة وادراك· يقول: ''لم أر الأساتذة قد أملوا على تلامذتهم شيئا، ولم أر انّ الطلاب قد اقبلوا على الامتحان، وقد حفظوا ما ألقى الأساتذة عليهم فهم يكرون ما حفظوا منه كرا، ويقفون حين تخونهم الذاكرة، وإنما رأيت الأساتذة يرشدون طلابهم إلى مواطن العلم، ويعلمونهم البحث عنه واستنباطه من مصادره، وانظر مثلا الى هذين السؤالين اللذين اجاب الطلاب عليهما كتابة: فامّا أولهما فجملة للخطيب البغدادي يقول فيها: إن بغداد كانت حاضرة الإسلام، وإنها كانت صيادة تصيد الرجال، وانّ من لم يرها، لم ير الدنيا· وكان على الطالب أن يفسر هذا الكلام ويثبته او ينفيه، ويأتي بالأدلة والشواهد على ما يقول· واما السؤال الثاني فكان كتابا طويلا عسيرا للمأمون كتبه الى عماله في الاقاليم يكلفهم فيه ان يمتحنوا من في حضرتهم من القضاة، والكتاب عسير قد كتب في اوائل القرن الثالث على طريقة الكتاب في ذلك العصر، وهي ابعد ما تكون عن ملعب المعاصرين في الكتابة· ظلم الجزائريين واشار الكاتب في الفصل الذي خصصه لعلاقة طه حسين بالجزائر بأنه: ''على قلة ما كتبه الجزائريون عن طه حسين في حياته وبعد وفاته، فانه شديد اللهجة، كثير المرارة، وربما فيه قسوة وبعض الظلم، والسبب في نظرهم أن طه حسين لم يكتب عن ثورة الجزائر الأخيرة شيئا، وانه كتب ما كتب متأخرا جدا، وانه لم يكتب عن هذه الثورة إلا مقالتين، ومن يتابع جيدا هذا الكتاب يدرك أن هؤلاء الكتّاب قد ظلموا طه حسين بعض الظلم وأنهم لم يعرفوا ما كتب عن الجزائر، وما قام به نحوها وانه من اجلها كاد يغضب غضبا شديدا على فرنسا وان يعيد إليها وسامها، ولعلّه أعاده إليها بواسطة زوجته الفرنسية، هذه الزوجة التي زارت الجزائر، وأقامت فيها هي وابنها الوحيد مؤنس عشرة أيام، وتحدثت عنها بعطف شديد خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1942 عندما أجبرتها الحرب ؟ كما أجبرتها باخرتها ـ على الرسوّ في ميناء الجزائر قبل الوصول إلى ميناء مرسيليا· الشاذلي القليبي يسأل ومن أمتع فصول الكتاب الفصل الذي تضمّن النص الكامل للحوار الذي جرى مع الدكتور طه حسن في تونس عام 1957 بينه وبين الأديب محمود المسعدي، والشاذلي القليبي، وعلي البلهوان حول الشعر والقصة ومواضيع أدبية وفكرية شتّى وهو نفس النصّ الذي نشرته جريدة ''العمل'' في ملحق خاص في عددها الصادر يوم 5 يوليو ،1957 وقد ختم الشاذلي القليبي المناقشة بسؤال وجهه للعميد جاء فيه: ''أسألكم أن تتفضلوا بكلمة الختام، وان تعبّروا لنا بصورة عامة عن حالة الثقافة العربية· وهل تشعرون انّ الأجيال الصاعدة هي بصدد إنشاء ثقافة عربية جديدة تضاهي ثقافتنا القديمة قيمة ووزنا، أو على الأقل تقترب من إنسانية الثقافات الموجودة اليوم؟ فكان جواب العميد: الواجب بسيط ينحصر في شيئين اثنين أخذنا فيهما منذ أوائل القرن الماضي، مع إبطاء أحيانا وإسراع أحيانا· ويجب علينا أن نمضي فيهما غير مبطئين ولا مترددين، وهما إحياء التراث العربي كأحسن وأقوى وأوسع ما يكون الإحياء، والتعاون في هذا الإحياء بين البلاد العربية على اختلافها من جهة، ثم اساغة الثقافات العلمية والأدبية والفنية التي أنتجتها الحضارة الغربية الحديثة، اساغتها لا على أنها شيء نستعيره من الغرب، بل على أنها شيء نتمثله ونهضمه ونجعله جزءا من أنفسنا · كتاب السعودية السياسي والقبيلة لمحمد بن صنيتان نسيج متكامل بين الدولة والمجتمع والموروث الديني علي العزير في كتابه ''السعودية السياسي والقبيلة'' الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، يحاول الدكتور محمد بن صنيتان تسليط الضوء على الروابط التاريخية التي تصل بين المملكة العربية السعودية في صيغتها السياسية والاجتماعية الراهنة، وبين الجذور التأسيسية التي أنشأت فوقها دولة أصبح لها شأن مميز في المعطى الإقليمي والدولي المعاصر، كما يسعى الباحث إلى تبيان التحولات التي طرأت على المحددات الناظمة للنسق الحياتي في المملكة، وكيفية تطورها نحو قيم وثوابت تسعى لمواكبة العصر، والتلاؤم مع معطياته المتغيرة وفق إيقاع مضطرد· لحظة تاريخية ينطلق المؤلف من تقويم تاريخي للجزيرة العربية، يتولى صياغته في سياق متناغم مع الطبيعة الجغرافية التي فرضت على المكان عزلة أقصته عن التفاعل مع المحيط، كما نأت به عن التواصل مع الغرب المتطور، حتى حلول اللحظة التاريخية الحاسمة المتمثلة باكتشاف الثروات النفطية، وهي التي رسمت خطا فاصلا بين ما كانته المملكة سابقا وبين ما صارته في زمن لاحق، إذ تحولت فجأة إلى أحد أبرز المصادر الرئيسية للطاقة والثروة على مستوى العالم بأكمله· عبقرية ملك في محاذاة اللحظة التاريخية المشار إليها، يتناول الكاتب حدثا موازيا من طبيعة سياسية، تجسد بظهور الملك عبد العزيز الذي جمع القبائل المتخذة من شبه الجزيرة مكانا لها في دولة موحدة، مستعيدا بذلك حضورا سياسيا وحضاريا افتقدته المنطقة منذ وفاة الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، أمكن للعبقرية السياسية التي يتمتع بها الملك أن تساهم في تحويل مجموعة من الأقوام المتناحرين في ما بينهم إلى بناة مجتمع موحد، تغلب على سلوكياتهم سمات التعاون والتكافل، بعد أن كانت حياتهم السابقة قائمة على التنابذ والاحتراب· تطور الإطار الجغرافي والسياسي للمملكة نحو وحدة كيانية متكاملة، وتحولت القبائل إلى نسيج اجتماعي متجانس، وانتظم الناس في منظومة ثقافية وحقوقية مختلفة عن النسق الذي كان سائدا قبل قيام الدولة، لكنّ القطيعة المعرفية والفلسفية مع الماضي لم تكن كاملة، ولعلّها لم يجدر بها أن تكون كذلك، ذلك أنّ التطور الحقيقي لايعني الانسلاخ عن الجذور، بقدر ما يسعى إلى قولبة الإيجابي والمفيد منها في سياق رؤية أكثر حداثة· هكذا لم تندثر القبيلة، لكنها اتجهت نحو مفهوم اجتماعي مستجد أبدى حرصا ومحافظة على الإيجابي من معاييره السلوكية، ولم يتردد في التخلي عن بعض العادات التي تجاوزها الزمن· يقع الكتاب في قسمين رئيسيين ينطوي كل منهما على فصول عدة، خصّص القسم الأول لدراسة مواريث المجتمع السعودي قبل قيام الدولة وتضمن ميراث الإسلام والعروبة، والموروثين البدوي والقبلي، إضافة إلى نظام الغزو، والتقسيم القبلي للعمل، والزعامة· أما القسم الثاني فتناول المحدد السياسي والعسكري وتوزعت فصوله بين التحالف القبلي والعسكري، والتحالف السياسي والعسكري، والهجر أي القواعد العسكرية، وصولا إلى التباين والانتكاس· ينبه المؤلف إلى الحضور الراسخ الذي يمتلكه الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية، وهو استمر في الدولة المشادة عليها، والتي ستعرف لاحقا بإسم المملكة العربية السعودية، ذلك أن أرضها شكلت بالنسبة له وعاء جغرافيا حاضنا، كما احتضنت التراث التوحيدي كاملا منذ نشأته الأولى مع النبي إبراهيم وزوجته هاجر· الباحث ينطلق من هذه الوقائع ليرصد الأثر البالغ الذي يمارسه الوعي الديني على السلوك السياسي والإجتماعي في المملكة ماضيا وحاضرا، وهو أثر سيمتد في المستقبل أيضا نظرا للمهابة الخاصة التي يفرضها المخيال الإسلامي على الذهنية السعودية العامة· في سياق تناوله للموروث البدوي يقدم المؤلف تعريفات متنوعة لمفهوم البداوة، ويستلخص السمات الجامعة له، وهي تتجسد بالعصبية والبساطة والأصالة، لكنه يلحظ بعض التغييرات الحاصلة في التجلي المعاصر لنمط العيش البدوي، والناتج عن ارتفاع العائد الاقتصادي، وارتقاء المستوى التعليمي، إضافة إلى استقرار البدو في المدن، بعد أن كان الترحال دأبهم الأبرز في ما مضى· سمات عنيدة ينصرف المؤلف بعد ذلك إلى إجراء مسح سوسيولوجي لواقع المجتمع السعودي الحالي، فيحدد نقاط التقاطع مع البنى الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي، كما يرصد المتغيرات الحاصلة على مستوى الوعي الجماعي بفعل التحولات المستجدة، ويخلص من ذلك إلى بعض الاستنتاجات المثيرة للاهتمام، منها كسر العرف المتبع في التزواج بين أفراد القبائل المختلفة، ما خلا بعض الاستثناءات المكرسة في ممارسات بعض القبائل الكبيرة ممن يحرص أبناؤها على النقاء السلالي، كذلك ثمة انحسار جزئي للفوراق الطبقية التي كانت تباعد بين الناس ماضيا، حيث أمكن للتطور الاقتصادي الحاصل أن يقلص الحدود الاقتصادية بين المواطنين، وإن لم يتمكن من القضاء عليها كليا· لكن المؤلف يشير إلى عدد من السمات العنيدة التي تمتنع على أي مقاربة مهما كانت حداثوية، في مقدمها الممارسة الانغلاقية الممارسة من قبل بعض المجموعات المنتمية إلى ما تفترضه إطارا نخبويا، يميّزها عن الآخرين، ويتيح لها، وفق رؤيتها، أن تنظر نحوهم بقدر من الفوقية· خصوصية المخاض في الجزء الثاني من الكتاب يتناول الكاتب خصوصية النشأة التي شهدتها المملكة العربية السعودية، لجهة أنّ ولادتها كانت ضمن مسار ذاتي، حكمته عوامل التطور الداخلي، دون ان يكون للاستعمار دور حاسم في تشكيلها، بالرغم من أنها لم تكن بعيدة عن طموحات هذا الاستعمار ومراميه· هذه الخصوصية أملت على الدولة الناشئة جملة اعتبارات بدأت من منح القبيلة دورا رئيسيا في إدارة شؤون الحكم، ولم تنته عند حدود صوغ التحالفات المدروسة بين القبائل الكبرى والكفيلة بتمتين بناء الدولة الفتية، ومنحها العوامل الكفيلة بترسيخ حضورها في مكان وزمان محكومين بالكثير من عوامل التوتر· اندمجوا في المجتمع وتقلدوا أعلى المناصب يهود النيل مصريون حتى النخاع د· أحمد الصاوي الكتاب ومؤلفه ومترجمه أيضاً، يستحقون جميعاً اهتمام القارئ العربي، فالكتاب هو ''تاريخ يهود النيل'' والمؤلف هو جاك حاسون، اليهودي المصري المولود بالاسكندرية في عام 1936 والمقيم بباريس منذ عام ،1954 أما المترجم فهو يوسف درويش الذي توفي عقب ترجمة هذا الكتاب في عام ،2006 وهو يهودي مصري تحول إلى الإسلام في سبعينات القرن الماضي وكان أحد أبرز المناضلين ضد الصهيونية منذ الحرب العالمية الأولى· يتناول الكتاب عبر مجموعة من الأبحاث تاريخ اليهود في مصر منذ أقدم العصور، وقد اعتنى المترجم في مقدمته بتوضيح الفوارق بين اليهودية كديانة والصهيونية كعقيدة وحركة سياسية، وتزخر هذه المقدمة بمعلومات قيمة عن الدور الوطني لليهود المصريين في الحركة الوطنية، مثل يعقوب صنوع، ومراد فرح، بل ومعاداة الصهيونية سواء عبر منشورات عصبة أنصار السلام ومقالات ليهود مصريين في جرائد ومجلات مختلفة أو من خلال كتب تفضح الطابع الاستعماري للصهيونية ومن أهمها كتاب ''فلسطين بين مخالب الاستعمار والصهيونية'' الذي ألفه صادق سعد عندما كان يهودياً· ويتضمن الكتاب بحثاً جيداً عن يهود مصر في العصور القديمة وهو من تحرير العالم البولندي جوزيف جويسكي، ويتناول ما يعتبره وجوداً يهودياً مبكراً في جزيرة فيله إبان القرن الخامس قبل الميلاد، وتلك واحدة من أضعف النقاط في بحث هذا البولندي، إذ من المتفق عليه أن هذه الجالية الآسيوية في فيلة كانت تكتب بالآرامية الشائعة في بلاد الشام ولا يوجد بين كتاباتها ما يقطع بيهودية هذه الجالية الأرامية· ولكن جويسكي يعوض هذه السقطة ببحث رائع عن اندماج اليهود في المجتمع المصري خلال عصر البطالمة ورثة الاسكندر الأكبر وقيامهم بترجمة التوراة لأول مرة إلى اللغة اليونانية بمدينة الاسكندرية ثم تعرض اليهود للاضطهاد على أيدي الرومان· أما ألفريد مورابيا، وهو يهودي مصري من مواليد القاهرة فقد حرر بحثاً طيباً عن يهود مصر في ظل الإسلام، مفيداً من المامه الكامل العربية، وكان أستاذاً لها ومدير قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة تولوز الفرنسية حتى وفاته عام ،1986 ويوضح مورابيا أن اليهود بمصر تمتعوا بأوضاع طيبة ولا سيما خلال العصر الفاطمي، واعتماداً على أوراق الجنيزا اليهودية التي عثر عليها بمصر القديمة فإنه يرى أن اليهود بمصر تشربوا الطابعين الاجتماعي والعائلي للمجتمع الاسلامي ومن أمثلة ذلك هيمنة الذكور ولاسيما رب العائلة والحس الحاد بالعائلة بما فيها الأسرة الممتدة وإمكانية أن يكون الرجل متعدد الزوجات والاحترام والإجلال إزاء الآباء والأجداد وحالات الزواج المتعدد بين أولاد العم وزواج البنات المبكر بأزواج يكبرونهن سناً والحرية التي يتمتع بها الرجل في الطلاق· ولفت انتباه مورابيا أيضاً أنه فيما عدا استثناءات نادرة لم يحمل يهود مصر خلال العصر الفاطمي أسماء توراتيه، وانما كانت أسماؤهم غالباً عربية من أمثال ''ملكة النخب'' و''صاحبة اللؤلؤ''، فضلاً عن أن طائفة اليهود القرائين كانت الأكثر عدداً ونفوذاً وثراء في العصر الفاطمي وأيضاً أكثر تأثراً بالبيئة الإسلامية المحيطة· وينتهي ألفريد مورابيا إلى أن مصير يهود مصر في ظل الإسلام كان يسير بوجه عام وفق ما شهدته مصر من تأرجحات وتقلبات وهو ما كان يشبه أيضاً مصير مواطنيها المسلمين والأقباط· ويعود مورابيا ليشارك الألمانية جوردون كرامر كتابة فصل خاص عن اليهود في مواجهة الحداثة خلال القرنين 19 و20م، ويقر الباحثان بأن علاقات يهود مصر بالأغلبية الإسلامية والقبطية كانت على ما يرام بشكل عام وإن كانت تفتقد الحفاوة الشديدة، وقد حظي اليهود بالحرية في نشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية وبقدر ما في النشاطات السياسية كما كانوا يتمتعون باستقلالية كبيرة في شؤونهم الطائفية والدينية· أما عن الأحوال الأجتماعية لليهود، فقد ضم الكتاب ثلاثة أبحاث أحدها بقلم إجلال عريرا وهي يهودية سكندرية غادرت إلى فرنسا في عام 1962 والآخران من تحرير جاك حاسون وقد منح للأخير منهما عنوان ''أحداث الحياة اليومية''، ويؤكد في بدايته أن عدد اليهود الذين نزحوا من مصر منذ قيام دولة إسرائيل كان 90 ألف يهودي رباني و8 آلاف يهودي قرائي، ذهب الفقراء منهم فقط إلى إسرائيل، فيما نزح الأثرياء وأبناء الطبقة المتوسطة إلى أوربا وأميركا وأستراليا· وبلغة أدبية محملة بالعديد من المشاعر المتناقضة، يسرد جاك حاسون ملاحظات طالبين من يهود الاسكندرية، ولعله أحدهما، عندما قدما إلى حارة اليهود بالقاهرة وكانا يقرآن أحدث كتب سارتر ومقولات ستالين كما يستمعان إلى أغنيات أم كلثوم، ويتحفانا أيضاً بنصوص لمنشورات يهودية حررت باللغة العربية من أجل إصلاح التعليم بالمدارس اليهودية وبعضاً من ملاحظات الأجانب عن أحوال اليهود في حارتهم القريبة من باب زويلة بالقاهرة· وهناك معلومات عن الخلافات بين طوائف اليهود ولاسيما ذوي الأصول الإسبانية والقادمين من شرق أوربا ''الشليخت'' واليهود المصريين، ومعابدهم المتناثرة داخل حارة اليهود· ويتحدث حاسون أيضاً عن أعياد اليهود والطقوس الاحتفالية، وعن اندماجهم حتى في أعياد المصريين مثل عيد شم النسيم، العيد الفرعوني الذي يشارك فيه اليهود ''فهم يقتحمون الحدائق العامة وشواطئ البحر وضفاف النيل ويحتفلون بالعيد مع تناول كميات كبيرة من الفسيخ والبصل والكرات ومعها أكواب البيرة''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©