الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأيام للكلبي·· تاريخ الجاهلية وشعرها وحروبها

الأيام للكلبي·· تاريخ الجاهلية وشعرها وحروبها
2 يوليو 2008 23:49
كل كتاب له قصة تستتر وراء تأليفه، وتتعدد القصص والمشكلات التي ربما يختص بعضها بالمؤلف أو بالكتاب نفسه أو بطبيعة ما ألف فيه، إلا أنها جميعاً وفي النهاية هي مجرد صعوبات انتهت أو أوشكت على الانتهاء·· ذلك هو ديدن التأليف والإنشاء· قصتنا في كتاب ''الأيام'' لهشام بن محمد الكلبي ''204 هـ'' وبتحقيق الباحث الإماراتي أحمد محمد عبيد الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عام ،2008 تبدو من شكل آخر وذات طبيعة غريبة يمكن تلخيصها كالآتي: كتاب الأيام للكلبي، ضاع ولم يعثر عليه لحد الآن بحسب قول أحمد محمد عبيد في مقدمته حيث فقدت كتب ابن محمد الكلبي جميعها ولم يصلنا منها إلا كتابان أحدهما بعنوان ''حرب بكر وتغلب'' وله نسختان أولاهما في دار الكتب المصرية برقم 20 أدب ش واطلع عليها الدكتور عادل جاسم البياتي وحتى هذا الكتاب ليس لأصله أو أية صورة عنه وجود في دار الكتب المصرية حالياً· أما النسخة الثانية ففي المتحف العراقي وهي في حكم المفقود حالياً، بعدما نهبت مخطوطاته وآثاره بعد احتلال العراق وهذا الكتاب إذاً في حكم المفقود أيضاً حسب ما يستشف القارئ· البحث الكتاب الآخر الذي وصل الى عصرنا من كتب الكلبي هو مخطوطة ''الأيام''· يقول أحمد محمد عبيد ''وقد نبهني أحد الاجلاء الى اشارة عنها أي ''المخطوطة'' الى انها ما زالت موجودة لدى ورثة رزق الله باسيل في حلب، وقد تفضل بالبحث عنها الأخوان الكريمان محمود فاخوري المدرس بجامعة حلب والكاتب الصحفي واصف باقي فلم يجدا لها أثراً بسبب هجرة عائلة باسيل المذكورة الى فرنسا وكندا منذ أمد بعيد، كذلك ليس لها وجود في مكتبة الأسد بدمشق، لذلك ـ بحسب قول المحقق ـ لم يكن أمامي سوى جمع مرويات ابن الكلبي عن الأيام من المصادر والمظان''· هنا نتدخل لنقول: إذاً هذا الكتاب ''الأيام'' الذي بين أيدينا لم يحقق من الأصل أولاً لأن الأصل لا وجود له لحد الآن وثانياً يمكن القول أيضاً إننا لم نعثر على أي كتاب لابن الكلبي· حيث تبدو الاشارة الى ان هناك كتابين قد وصلا إلينا وهما ''حرب بكر وتغلب'' بنسختين ضاعتا من القاهرة وبغداد و''الأيام'' بنسخة في حلب لم يعثر عليها تبدو معلوماتيا صحيحة وموثوقة إلا أنها تشير كتحصيل حاصل الى ان كتب ابن الكلبي ضاعت جميعها ولم نعثر على شيء له مطلقاً، أي لم يتم العثور على نص مخطوطة موثقة تنتسب الى الأصل كاملة جامعة لما كتب ابن الكلبي· هنا بالضرورة لا يمكن لنا عندما نجمع أي كتاب له من مصادر ما أو مظان ما أن نقول إن هذا ''المجموع'' يشبه بتطابق تام الأصل ''المخطوطة'' حصراً بل نقول إنه ''المجموع حديثاً'' يشبه ما جمع منه أي مصادره ومظانه لأن المصادر والمظان قد تكون لم تأخذ جزءاً من المخطوطة فظل الاخير بذلك حكراً وحصراً وجوده على المخطوطة لا غير· وهنا فإن الجزء ضاع مع ضياع الكل وظل المجموع ناقصاً الجزء لا محالة· اللقية ولكن كيف اهتدى الباحث المحقق أحمد محمد عبيد الى ''الأيام'' لابن الكلبي؟ نعم يقرر المحقق انه جمعه من مصادر ومظان عربية أخذت نصوصاً مجزأة من الأصل وهو في هذا يجمع عن المصادر والمظان وليس عن الأصل مقتفياً في ذلك طريقة الباحث العراقي الدكتور عادل جاسم البياتي عندما جمع كتاب ''الأيام'' لأبي عبيدة معمر بن المثنى الضائع هو أيضاً حيث يقول الباحث أحمد محمد عبيد ''لم يكن أمامي سوى جمع مرويات ابن الكلبي عن الأيام من المصادر والمظان، أسوة بما قام به الدكتور عادل جاسم البياتي من جمع كتاب ''الأيام'' لأبي عبيدة معمر بن المثنى، الى ان ييسر الله لنا العثور على نسخة خطية من أيام ابن الكلبي''· وفي قراءة سريعة لما قيل ولما اختطه الدكتور عادل جاسم البياتي فإن ما جمع يندرج تحت باب الافتراض المنطقي أي اننا نجمع ما تناثر وما نقل عن الأصل ولكنه جزء من الأصل وليس الأصل كله لأننا لا نستطيع الافتراض ان المخطوطة، أقصد كتابي الأيام للرجلين الكلبي وابن المثنى، قد ضمنا كاملين في كتب الأولين، فالكاتب منهم أقصد الأولين يأخذ ما يناسبه ولم نجد حقاً كتاباً ضُمن كاملاً في كتاب عند غيره ممن استفاد منه· هنا نقع في مشكلة حقيقية: هل ما جمع الآن يعد جمعاً وتحقيقاً أم تحقيقاً فقط؟·· وهل هذا الجزء المأخوذ الى كتب الأولين كان قد حقق مع ما حقق من كتبهم· تلك معضلات ضياع أمهات الكتب العربية·· انه جهد كبير قام به الباحث أحمد محمد عبيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، احتراماً للفكر والتاريخ، وهو جهد فيه من التحسر والحيرة والتقصي الكثير وفيه أيضاً من العتب ما هو أكثر على أبناء الأمة الذين سقط بأيديهم كتاب الأصل ''المخطوطة'' فلم يحافظوا عليه· استنتاج الاستنتاج الأخير الذي أردنا قوله: ان الفصل بالقول إن هذا ''الكتاب'' هو كتاب ''الأيام'' كما جاء في العنوان يحتاج إلى الكثير من التمحيص وعليه يمكن القول ''ما جاء من كتاب الأيام لهشام بن محمد الكلبي في المصادر العربية'' ما دمنا قد افترضنا ان المخطوطة لا وجود لها أصلاً· حسناً هو جدة جاء بها الباحث أحمد محمد عبيد ليؤكد أصالة المسعى وحسن المقصد ودقة التصويب والبحث فما دمنا لا نصل الى الأصل ''المخطوطة'' مباشرة فلنبحث عن طريق غير مباشر للوصول إليها وليس أمام الباحث إلا هذا الطريق· كتاب ''الأيام'' للكلبي يمثل بحق قيمة علمية كونه نقل أيام العرب ''حروبهم'' وأسبابها وقصصها التي لم ينقلها غيره وهذا يدعو الى صحة المقصد عند الباحث لأن الأولين من المؤرخين العرب عندما استعانوا بأيام ابن الكلبي لا يخلطون رواياته بغيرها لأن غيرها هذه لا توجد أصلاً· ولهذا فإن ما جاء في كتبهم كمصادر ومظان صحيح نسبه لابن الكلبي حيث لم يشاركه أحد آخر في روايته لهذه الأيام إلا هو ذاته لا غير وبخاصة أيام العرب التي هي يوم عين أباغ وأيام السلان والكلاب وذي أراط وثنية الجبلين ويوم السلف ويوم قضيب ويوم قيسبه ويوم ثيل وأيام الأوس والخزرج· أما الأيام الأخرى الباقية التي سردها ابن الكلبي فقد اشترك في روايتها معه كتاب الأيام لأبي عبيدة· يروي ابن الكلبي عن ابيه وعن محمد بن السائب الكلبي وعن الشرقي بن القطامي وخراش ابن اسماعيل العجلي وعن الجصاص والمفضل الضبي وغيرهم· ولكن قد نتساءل لماذا سمى الكلبي كتابه ''الأيام'' ولماذا فعل كذلك ابو عبيدة· وهل كانت التسمية لاحقة أطلقها الناقلون لكتابيهما أم هي التسمية الفعلية التي أطلقها الكلبي وأبو عبيدة على كتابيهما· من خلال ما نقرأ ان العرب تأخذ التسمية من الشائع مثلما فعل صانعو كتب ''الحماسة'' الذين جمعوا أشعار العرب·· فهم فضلوا التسمية المتكررة ولم يأت التفريق إلا باسم الجامع كأن نرى ''حماسة البحتري'' و''حماسة ابي تمام'' كذلك هنا في الأيام· فـ''الأيام'' اسم جامع متداول لحروب العرب والاختلاف في اسمي المؤلفين هو المفرق بين الكتب كأن نقول ''أيام الكلبي'' و''أيام أبي عبيدة'' وبهذا قد نصل الى مفهوم آخر ان ما سمي من ''الأيام'' و''الحماسة'' ربما لم يسمه الصانع نفسه· جهد كبير قام به المحقق أحمد محمد عبيد يحسب له صدقه وبحثه المتواصل وتنقيبه في أمهات الكتب كي لا يفوته ما خفي خوفاً من الاستدراك عليه مع تحققه من دقة المروي الذي كان بحق قد أمسك الكتاب المخبوء أو الضائع من دفتيه بالرغم من انه لم ير المخطوطة الأصل· التحقيق تلك هي براعة المحقق ودأبه المتواصل وشغفه الذي لا تحده حدود وحرصه على ان يوثق ما ضيعه الآخرون هذا بالإضافة إلى توخيه الدقة في تسلسل ما روي إذ يقول المحقق عن منهج تحقيقه ''لا يختلف منهج تحقيق الكتاب المجموع عن المخطوطات إلا في أمور قليلة جداً، لعل أهمها ترتيب المادة المجموعة ورأيت ان الأنسب لترتيب الأيام هو التسلسل التاريخي ما أمكن'' وعليه فإنه يرى ان أقدم الأيام التي جمعها هو يوم البردان وصاحبه حجر بن آكل المرار بن عمرو الكندي ثم الكلاب الأول بين حفيديه شرحبيل وسلمه ابني الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار ويستمر بعد ذلك المحقق والباحث في تصويب تسلسل الأيام تباعاً· وهذا ما يحتاج الى جهد المحقق وتنقيبه الدقيق من خلال الشخوص في أيامها كي لا يتقدم ما كان متأخراً على غيره· هذا بالإضافة الى أهمية التوثيق في رواية الشعر وصحته وضبطه مما يلتبس على الكثيرين إلا على المحقق البارع العارف بصنعة الشعر وهذا لا يخفى على شاعر محقق مثل أحمد محمد عبيد الذي جمع صنوف القول شعراً ونثراً فبرع فيها، ناهيك عن تصنيفه لبحور المروي من الشعر والتي قد تقود باحثا آخر ليقرأ الشائع من البحور في الأيام حسب تسلسلها التاريخي وتفضيلها في الأيام على سواها كأن نرى الوافر والخفيف في يوم البردان بينما نرى الطويل والوافر متسيدين في يوم الكلاب الأول· لنسأل هل كانت البحور عند قبائل عربية مفضلة أيضاً دون غيرها· أي هل أن القبائل باختلافها تفضل بحراً على آخر·· ذلك ما يمكن ان يقرأ من الأيام لابن الكلبي بتحقيق الباحث أحمد محمد عبيد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©