الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحميمية والدفء في مواجهة التحولات

الحميمية والدفء في مواجهة التحولات
2 يوليو 2008 23:49
شهدت سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي طفرة في إنتاج القصة القصيرة الإماراتية، فظهرت أسماء وتجارب لم تقف عند حاجز المحلية بل تخطته إلى المشاركة ضمن التجارب العربية، حيث كان هناك علي أبو الريش وعبد الحميد أحمد ومريم جمعة فرج ومحمد المر وإبراهيم مبارك، على سبيل المثال لا الحصر، من أبرز الأسماء الذين حملت دور النشر العربية تجاربهم ومساهماتهم إلى الساحة العربية· ومنذ سنوات بتنا نفتقد إلى التجارب المهمة التي تخلف ذلك الجيل من القصاصين، فأين اختفى كتاب القصة القصيرة في الإمارات؟ نطرح هذا السؤال بمناسبة صدور كتاب ''القصة القصيرة في أفق التلقي'' للناقد السوري عدنان كزارة، لا لنعرضه هنا، بل لنتعرف من خلاله على بعض أهم التجارب القصصية الإماراتية، والبيئة التي تحركت فيها وعبرت عنها، خصوصا ما تضمنته من تعبير عن التحولات الكبيرة التي طاولت جوانب مهمة من حياة الإماراتيين كما نلمس في الكثير من القصص، وهي الظاهرة التي تتناولها القصص القصيرة والأدب الخليجي عموما· قراءات واستخلاصات في هذا الكتاب يتناول الناقد مجموعة من التجارب القصصية، لكنه يخرج عن عنوان الكتاب ليتناول تجارب روائية عربية أيضا رغم أن عنوان الكتاب يشير إلى القصة القصيرة فقط، وهو لم ينجز عمله هذا ككتاب متصل الفصول بل هو عبارة عن قراءات في مجموعات قصصية أو قصص منفردة، حتى أن قراءته لبعض القصص تجاهلت اسم المؤلف، وتعامل وكأن القارئ يعرف مؤلف القصة، ولهذا تعددت أشكال القراءة فيه، لكن ما يهمنا منه هو ما استخلصه الناقد في قراءاته للقصة الإماراتية من تركيز على الإنسان والزمان والمكان في الإمارات· في الفصل الأول من الكتاب ''تعرية الواقع وضرورة الفن'' يتناول عددا من المجموعات القصصية الإماراتية أولها مجموعة القصاص إبراهيم مبارك ''عصفور الثلج''، وآخرها ''طوق الرمال'' لفاطمة الشامسي، وما بينهما من مجموعات وقصص منفردة· وسنحاول هنا التوقف عند أهم الخلاصات التي توصل إليها الناقد في كتابه هذا، من خلال بعض القصص مثل قصص ريا البوسعيدي في مجموعتها ''رحلة رقم ،''8 أو قصص محمد حسن الحربي في مجموعته ''لفائف الربع الخالي''، ثم في الفصل الثاني ''التأويل بين الضرورة والحرية'' الذي يتناول فيه قصص: ''خرّوفة'' لعبد الحميد أحمد، و''شدة وتزول'' لناصر جبران، وقصة ''حمود'' لإبراهيم مبارك، و''ماذا لو مات ظلي'' لباسمة يونس، و''أنامل على الأسلاك'' لشيخة الناخي· وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفصل الثالث ''السيرة بين التأريخ للذات وفن السرد'' الذي تناول فيه رواية ''تثاؤب الأنامل'' لرحاب الكيلاني، ورواية ''الأمير'' للجزائري واسيني الأعرج· هذا إضافة إلى الفصل الرابع وما تناوله فيه تحت عنوان ''مدارات البوح والقهر والتشيؤ''، حيث تناول قصة ''إليك الجواب يا بني'' (دون ذكر المؤلف)، وقصة ''مولود سعيد'' لمحمد عبد الملك، وقصة ''حفلة انتحار'' (بلا ذكر للمؤلف)، و''الآن عرفتك يا مدام'' (بلا ذكر للمؤلف)، وأخيرا قصة ''طوق الرمال'' لفاطمة الشامسي· أوهام التحرر يلتقط الناقد عوالم سوق الحريم وما يجري فيه من اعتداءات ذكورية على النساء، والغضب النسوي تجاه ذلك حيث تعبر بعض النساء قائلة ''إننا نكاد نختنق تحت هذه الخيام السوداء''، كما يتناول قصة المرأة العاملة في المجتمع الشرقي عموما ''فهي لا تزال ضحية الانخداع بأوهام التحرر، والوظيفة لم تخرج بها عن إطار الجسد المثير الذي يتقن التضمخ بالعطور وركوب السيارات الفارهة، لتكون وجبة شهية لمدير مؤسسة مهووس أو حلما محرما لموظف مسحوق يعاني من الكبت ولا يمل من حوار الجنس في أحلام اليقظة''· كما يلتفت الناقد إلى الوجود الآسيوي في الدولة حيث ''البعد الآسيوي هو البعد الأكثر قربا في حياة الإنسان الخليجي، فالصلة بينه وبين قارة الطوفان البشري قديمة ومتشعبة، واللون الوردي هو الأكثر شيوعا بين قائمة الألوان التي سادت هذه العلاقة عبر القرون''، ولهذا فهو يرى أن الإنسان ''الخليجي يستمر في موقف الانبهار المبطن بالإعجاب وهو يسمع ويرى حضارة التنين الأصفر تشمخ يوما بعد يوم''· ومن ملامح المكان المحلي يلتقط الناقد من قصة ''مناقير'' لإبراهيم مبارك ما تزخر به ''من الصخر والخشب''، التي ''تضفر بشباك الصيد لتصنع ملحمة الإنسان في صراعه المرير مع المحيط سواء أكان بحرا هائجا أم جارا شرسا·· (حيث) طعم البحر والملح والأسماك أكثر هذه الطعوم لذعا·· (وحيث) الانتماء إلى البحر والصيادين وذكريات اليأس والأمل، ومراوحتها بين المد والجزر''· لحظات وحالات وحول قصص ريا البوسعيدي يرى الناقد أن القاصة واحدة من النسوة اللائي استطعن برهافة حس وبصر نافذ أن يترجمن أدق اللحظات والحالات في حياة الأنثى بكونها ضحية مجتمع تقليدي ما زال يكرس الذكورة قيمة مستعلية''، ويتناول الناقد موضوع الرمل بدلالاته الحقيقية والمجازية والوظيفة لكلا الدلالتين هي ''إعاقة الكائن الحي عن الفعل الإيجابي أو الحركة الضرورية للحياة، ففي بعض القصص ''تحيط الرمال بالمرأة·· مشكلة من سلسلة الذكورة الممثلة بالأب والزوج والأخ عوائق تغل جسدها وروحها، ورغم هذا تصر على المقاومة والتحدي فتبدو مشرقة رغم السور المنيع المضروب حولها''· وفي ما يتعلق بقصة عبد الحميد أحمد ''خروفة'' يتوقف الناقد عند شخصية غرائبية تشهدها مدينة الجميرا في دبي، وتثير التساؤلات، فنرى الجميرا في مرحلة التحولات ''لما زالت الخيام وشق طريق الجميرا إلى نصفين وركضت السيارات فوق الإسفلت لاهثة، وسدت شبابيك المسجد لتكييفه بالمكيفات، ظل محمد صالح (خروفة) محافظا على ركنه الأوحد الغارق في الظلمة والنسيان''، الجميرا كانت ''تشهد تحولا جذريا تنسحق فيه حياة البداوة أمام زحف الآلة الديناصوري ويطال التغيير كل شيء بما في ذلك القيم الروحية ورموزها الممثلة في المسجد''· وهناك الكارثة المتمثلة في ''الانتقال من مجتمع الاقتصاد الطبيعي والاعتماد على الذات في إنتاج الضرورات الحياتية، والتكافل في السراء والضراء إلى مجتمع الاقتصاد التابع ذي النزعة الاستهلاكية المحمومة''· مع البحر ومن حيث العلاقة مع البحر فهي تحكم الخليجيين عموما، لكنها في قصة ناصر جبران ''شدة وتزول'' تبدو وقد تغيرت إلى حد ما، حيث ''البحر لم يعد أرضا آمنة يرتادها الذين يعيشون على ساحله ليحصلوا رزقهم، أو يهدهدوا على وسائده المائية تعبهم، أو يرسلوا مع قوافل أمواجه أحلامهم، بل اقتحمه الأغيار وجعلوه مصدرا للخوف وبؤرة للتهديد''· كما أن للبحر دلالاته في القصص، فهو بقدر ما يؤكد شساعته وحضوره الممتد، فهو مصدر رزق، لكنه أيضا مصدر المعاناة وملجأ للعزاء في آن· وحول أبرز سمات القصة الإماراتية فهو يذكر اهتمامها بالمكان وعناصره الصائتة (الطير مثلا)، والصامتة (الجبل والشجر والنخيل)، ويتخذ الناقد مقطعا من حديث للكاتب بدر عبد الملك يقول فيه إن أبرز خصائص القصة الإماراتية هي الكابوسية والفلاشية والشعرية، ويضيف إليها سمة الإنسانية التي تؤكد حضورها القوي في معظم القصص الإماراتي، ولا يقلل من أهميتها اتسام بعض المعالجات القصصية بروح التشاؤم أو الذعر من المستقبل، إذ يقول عبد الملك نفسه إن هذا المناخ السوداوي ضرب من الرؤية التي تطلق صرخة احتجاج ضد كل ما هو غير إنساني·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©