الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

«ترنيمة عنابية»

15 مايو 2010 23:32
وماذا أزيد على ما كتبوا للوحدة؟ وكيف أكتب ولا أكتب عن الوحدة؟ هكذا بادرت نفسي، وأنا أواجه جهاز «اللاب توب» الصامت صمت المكتب، والذي أفقدني الكثير من حسي، منذ أن دفعت قسراً للتخلي عن الورقة والقلم، فمعهما كانت الكتابة أروع، كانت حتى مع الاحتراف، هواية، فالصلة بين القلب والقلم أقرب والمسافات قصيرة، والود متصل. عموماً الوحدة كفيل بأن يحيل الجهاز الأصم إلى قلم يتراقص، وكتابة «العنابي» عبر الحروف الآلية، باتت قادرة على أن تجعل حركتها «غير».. هل تدرون أننا حين نكتب في الفرحة، لسنا كما نكتب في الحزن.. حركة الأصابع مختلفة، استدعاء الكلمات أسهل، لدرجة أنها تتدافع، تريد كل منها أن يكون لها سبق التواجد في معزوفة الفرح.. هكذا هو الحال وأنت تكتب عن الوحدة وله، مثلما حدث معي.. لست الآن كما بدأت.. لست أعاني كما كنت أتوقع.. لكنني أتوقع وأنا أكتب ترنيمة فرح وحداوية لم أصل إليها بعد. كثيراً ما أرى الرياضة والكرة بالذات، ليست في قيمة وعمق أشياء كثيرة، وأنظر إلى الملعب واللاعبين من زاوية ليست كتلك التي ينظر منها غيري، ليس لعيب فيهم، وإنما لعيب فيّ أنا، إذ قد يشغلني في الملعب بأسره طفل من جامعي الكرات يتثاءب على كرسيه تعباً فانفعل معه وأنسى المباراة، ويصبح هو المشهد الأبقى في ذاكرتي، أو ربما رجل عجوز تكبد مشقة الحضور فتأخذني تفاصيل وجهه إلى أزمانه وحكاياها. لكن الوحدة أخذني من كل التفاصيل، بعد أن شممت في إنجازه رائحة ترانيم قديمة، واسترسلت مع نفسي، حتى بدا وكأنه أسطورة إغريقية، وكدت أتخيل إسماعيل مطر وبيانو وبنجا والشحي والكمالي ومحمود خميس في أزياء المحاربين القدامى رفقاء الأسكندر المقدوني. إنجاز الوحدة، كان مختلفاً في كل شيء، ليس فقط لأنهم فازوا باللقب أو تأهلوا إلى كأس العالم، وليس لأنهم أسعدوا جماهيرهم، فلكل فريق جماهيره، ولا لأنهم حققوا رقماً قياسياً في النقاط، فبرشلونة والريال اقتربا من حاجز المائة في بلاد الإسبان، ولكن الرائع تلك الروح التي لازمت الفريق.. هذا العطش الذي تحول إلى شلالات مياه وفرح.. هذا التواضع للبطولة حتى النهاية.. كان متوقعاً ووارداً أن يخسر الوحدة في النهائي، بعد أن استراح وهدأت الماكينات وغمر السرور أصحاب السعادة، ولكنهم على العكس، بدوا وكأنهم يبدأون من جديد.. أرادوا للفرح أن يكتمل دون شائبة، والأهم في هذا الفريق بالذات أنك لو لم تعلم الأسماء، واكتفيت بتفاصيل الوجوه، وأمارات الحماس، لما استطعت أن تفرق بين اللاعب المواطن والأجنبي.. كلهم وحداوية، بيانو بقسماته العربية ونظراته الصحراوية وفطنته البدوية، وبنجا بإصراره وروحه المتقدة، كحال إسماعيل الذي كان الأكثر ظمأ إلى لقب والشحي الذي لم يكن يلعب أمس الأول وإنما كان يرسم لوحة التحرر من أسر الغياب عن منصة التتويج، ومحمود خميس الذي كان ينفذ في الجبهة اليسرى خطة حربية ذكية، وحيدر في الخلف، يذخر المدافع الوحداوية، ويطلق قذائفه، كما يطلق سهاماً في حرب شريفة، والكمالي يدافع عن حلم قبل أن يتصدى لكرة مارقة. هكذا رأيت الوحدة.. قدم درساً في الإصرار ومفردات الانتصار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©