الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المخطوطات الهندية تأثرت بالإسلام خلال حكم المغول

المخطوطات الهندية تأثرت بالإسلام خلال حكم المغول
1 سبتمبر 2009 23:52
على الرغم من وجود الهند المبكر ضمن حدود ديار الإسلام فإن مسيرة تصوير المخطوطات الإسلامية ظهرت مع حكم المغول التيموريين ابتداء من القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي • ففي عام 932هـ «1526م» اضطر الأمير ظهير الدين محمد بابر حفيد تيمور لنك إلى مغادرة عاصمة إمارته في فرغانة بأواسط آسيا عقب نشوب الصراعات ضده وعقب غزوتين متتاليتين نجح بابر في دخول لاهور قصبة البنجاب ثم اجرا ليجلس على عرش الهند ومن بعده تعاقب أفراد أسرته على عرش الدولة المغولية حتى أقصى أخر أباطرة هذه الأسرة وهو سراج الدين بهادر شاه على يد البريطانيين في عام 1274هـ. الروح الاسلامية المنمنمات التي صورت في عهد الدولة المغولية بالهند تلخص بدقة الأطوار التي مرت بها حضارة الاسلام في هذا الإقليم• وتبدأ هذه الأطوار بالاقتباس والاستعارة من أكبر الجيران وأقربهم وهى بلاد الفرس ولا فرق في ذلك بين لغة الفرس التي ظلت لبعض الوقت لغة رسمية للبلاط المغولي والمفردات والعناصر البنائية السائد في إيران أواسط آسيا• أما في مجال تصوير المخطوطات فكان الاعتماد كاملا على التقاليد الإيرانية بل وعلى الفنانين الإيرانيين• وبعد فترة الاستعارة من جيران الشرق الإسلامي أخذت ملامح الواقع الهندي في الظهور وقد تشربت الروح الإسلامية ولكن هذا الاتجاه سرعان ما انزوى أمام الزحف الحضاري الأوروبي الذي اكسب التصاوير المغولية الهندية طابعا أوروبيا ظاهرا• ويعزي التأثير الفارسي الأول على فن التصوير المغولي الهندي إلى واقعة فرار نصير الدين محمد همايون بن بابر تحت ضغط جيوش الزعيم الأفغاني الشاه شيرشاه، حيث لجأ إلى بلاط الشاه الصفوي طهماسب بأصفهان وظل مقيما لديه قرابة خمسة عشر عاما، عاد بعدها ليسترد عرشه، ومعه في رحلة العودة عدد من أشهر المعماريين والمصورين الذين عملوا في البلاط الصفوي• ويعتبر عصر السلطان جلال الدين اكبر بن همايون، أزهى عصور الهند التاريخية حتى أنه أسس عاصمة جديدة لملكه وهي مدينة فتح بورسكري واستعان في تجميل قصورها بفنانين من ايران والهند وأسس المعهد الإمبراطوري لفنون الكتاب تحت إشراف عدد من المصورين الإيرانيين مثل عبدالصمد الشيرازي وميرسيد على التبريزي• مخطوطة من كتاب حمزة نامة ويعد عبدالصمد الشيرازي من أوائل المصورين الايرانيين الذين عملوا في البلاط الهندي حيث شارك في تصوير مخطوطة فارسية من كتاب القصائد الخمس لنظامي قبل أن يفر همايون من الهند الى ايران وفي عهد السلطان أكبر شارك عبدالصمد مع خمسين مصورا هنديا وايرانيا في تصوير مخطوطة من كتاب حمزة نامة الذي ضم 2400 صورة من الحجم الكبير غير المألوف• ولحق بعبدالصمد فنان ايراني كبير هو مير سيد علي التبريزي الذي ترك ايضا بعض أعماله• ومن اشهر لوحاته صورة احتلت صفحتين متقابلتين من احدى المخطوطات وهي توضح مناظر من مخيم بدوي• وفي المقدمة من هذه الصورة نجد عدة أشخاص يجلسون على سجادة كبيرة فرشت فوقها سجادتان للصلاة وقد أظلتهم خيمة مزخرفة بثراء واضح ويبدو انهم كانوا يستعدون لوليمة حيث يظهر شخصان الى أقصى يسار الصورة يحملان الطعام• ورغم أن المنظر لمعسكر في بادية فإن الأرض أمام الخيمة ظهرت على هيئة بساط اخضر حافل برسوم الورود والأزهار• وبعد هذه الخيمة التي تمثل الجزء الرئيسي لهذا المنظر الخلوي تتابع الخيام المتنوعة الألوان فثمة واحدة حمراء ذات زخارف صينية الطابع وقد جلست بداخلها سيدتان تتجاذبان أطراف الحديث، واخرى بيضاء وأمامها سيدتان تخضان اللبن لإخراج الزبد• وفي خيمتين باللون الأخضر تمارس بعض السيدات أعمالا معتادة كإرضاع الصغار واحراق البخور• وبين هذه الخيام تنتشر أصناف الحيوانات من جمال وابقار وأغنام الى جانبها بعض الاشخاص منهم من يوقد نارا أسفل قدر طعام وسيدة تغسل ثيابا في جدول تنساب مياهه العكرة لتخترق وسط الصورة من أعلى• وسرعان ما خبت الروح الفارسية التي بثها الشيرازي ومن بعده التبريزي وتراجعت امام نفوذ التصوير الهندي المحلي، حيث اخذ الطابع الهندي يعبر عن نفسه بقوة نتيجة لقيام الدولة باستقطاب النخب المحلية منذ عهد جلال الدين اكبر• ولكن طابع التصوير الهندي المحلي لم يصمد طويلا امام نفوذ مدارس التصوير الأوروبية التي اعتمدت منذ عصر النهضة على محاكاة الطبيعة ومراعاة قواعد المنظور• وفي مكتبة اكسفورد توجد صورة من عمل الفنان الهندي «مسكينا» توضح قصة الزوجة الخائنة التي ضبطها زوجها المخدوع في خيمة نصبت بالخلاء مع شخص آخر وتتجلى التأثيرات الأوروبية في هذه اللوحة أولا في عناية مسكينا بمراعاة قواعد المنظور حيث صور الأشخاص في مقدمة الصورة بأحجام كبيرة مقارنة بالأشخاص المرسومين في خلفيتهما ثم في حرصه على إظهار تأثير الظل والنور لتجسيم شخوصه ويحاكي «مسكينا» الصور الأوروبية أيضا في رسم طيات الثياب وهي تتجاوب مع حركات الأجساد وكذلك رسوم الأشجار المستوحاة من التصاوير الأوروبية مع أنها من أشجار المناطق الشمالية والتي لا توجد في بيئة الهند المدارية• وقد أجاد هذا الفنان الهندي تصوير ثورة الزوج وهلع زوجته من العقاب المنتظر ورعب العاشق الذي ينظر وجلا من داخل الخيمة بينما تحاول بعض النسوة تهدئة ثائرة الزوج• مخطوطة تاريخ السلطان أكبر من المصورين الهنود الذين تشربوا قواعد التصوير الأوروبي إخلاص مادهو الذي شارك في تصوير مئة وسبع عشرة صورة ضمن مخطوطة من كتاب أكبرنامة أو تاريخ السلطان اكبر، وهي من مقتنيات متحف فيكتوريا وألبرت بلندن• وفي صورة لهذا الفنان تتضح قدراته الفذة على رسم الصور الشخصية «البورتريه» حيث صور الإمبراطور أكبر بملامحه المميزة وهو يعبر نهر الجانج، وفي الصورة يظهر الإمبراطور المغولي فوق ظهر فيله وحوله أتباعه ورجال بلاطه والحراس ويعبرون جميعا النهر فوق ظهور الفيلة والخيول وقد حملوا سيوفهم وحرابهم ومنهم من يسبح في النهر وهو ممسك بعنان فرسه• وهناك أيضا المصور منصور الذي جارى تقاليد التصوير الأوروبي في رسم الطيور والحيوانات• وتراث الهند في تصوير المخطوطات الإسلامية يبدو غزيرا من ناحية الكم رغم قصر أمد إسهام شبه القارة الهندية في هذا الفن، ولكنه في ذات الوقت يحفل بالتنوع في الأساليب الفنية التي بدأت بالاقتباس من التصوير الإيراني وانتهت باستعارة الروح الأوروبية حتى من قبل أن تسقط الهند في براثن الاحتلال البريطاني•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©