الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«طالع النخل» يستأذن حراسها ويتجنب قتل أفاعيها وإيذاء قلبها

«طالع النخل» يستأذن حراسها ويتجنب قتل أفاعيها وإيذاء قلبها
25 مارس 2011 20:55
رغم التطور في مهن كثيرة بمصر خلال السنوات الأخيرة واعتماد أصحابها على تقنيات حديثة لإنجاز أعمالهم فإن مهنة «طالع النخل» لا تزال تحتفظ بطريقتها البدائية المتوارثة منذ آلاف السنين والتي تعتمد على تسلق النخلة مرتين سنوياً الأولى لتقليم وتنظيف جريد النخل والثانية لجلب ثمار البلح وإنزالها إلى الأرض. المهنة التي عرفها المصريون منذ خمسة آلاف عام تحتل مكانة متميزة بين منتجي التمر في مصر لاعتمادهم عليها كلياً في جنى المحصول ورعاية أشجار النخيل التي تقدر حجم ثروات مصر منها بقرابة 14 مليون نخلة حسب إحصائيات وزارة الزراعة المصرية. كما أن فدان الأرض الصحراوية في واحات مصر يستوعب زراعة نحو 150 نخلة، ومتوسط إنتاج النخلة الواحدة من البلح سنوياً يقدر في المتوسط بنحو 100 كيلوجرام، فمصر تحتل مركزاً متقدماً بين دول العالم المنتجة للتمور إذ تنتج قرابة مليون و330 ألف طن سنويا. خطورة متربصة يبدو أمر تسلق النخل سهلا إلا أن الواقع يجزم بأن تلك المهنة تتطلب رجالا ذوي سمات خاصة وكم من المعرفة والخبرات المتوارثة جيلا بعد جيل عن سلالات النخيل حتى يصبح الفرد مؤهلا لمزاولتها لاسيما تلك المتعلقة بقلب النخلة وكيفية مواجهه الأفاعي والثعابين التي تسكن جريد النخل العالي. ويقول أحد أبناء تلك المهنة ويدعى حسن القفاص (37 سنة) إن «طالع النخل مهنة ليست لأصحابها نقابة أو كيان يرعاهم في حالة العجز أو الوفاة لاسيما، وأنها أصعب من السير على الحبال ففي السيرك يجد من يسقط شبكة مرنة تتلقفه بينما في مهنتنا السقوط يعني الموت، وإذا حالفه الحظ تتكسر عظامه ويعيش بقية حياته عاجزا طريح الفراش». ويضيف «قبل أن نصعد إلى أي نخلة نتوضأ ونصلي لله ركعتين، ونقرأ آية الكرسي إلى جانب ما تيسر من القرآن الكريم ونطلب من الله الستر وأن نعود إلى الأرض سالمين ثم نتشهد ونتوكل على الله»، موضحاً وجود خلفية أخرى للبسملة والتشهد وهي أن «النخل من أشجار الجنة، وأنها تسبح الله كبقية المخلوقات ولذا فعلى المتسلق البسملة وهى بمثابة استئذان كي يسمح له حراس النخلة غير المرئيين بتسلقها والإتيان بخيرها». ويلفت القفاص إلى أن طالع النخل مثل أي مهنة تحتاج إلى أدوات مساعدة كي يتمكن المتسلق من إتمام مهمته ومنها «المطلاع» وهو حبل مبطن بالقماش ليكون عريضاً لنحو 10 سم يلف حول النخلة وجسم الإنسان من ناحية الوسط ويتيح له أن يحتضن النخلة، بينما ترتكز قدماه على الجذع في ثبات وتركيز خاصة في منطقة باطن القدم ويظل ينقل المطلاع كلما صعد خطوة لأعلى وكذلك في رحلة الهبوط وفائدة هذا «المطلاع» مهمة جدا فهو بمثابة حزام الأمان للمتسلق وبدونه يتعذر عليه الصعود لاسيما إذا كانت النخلة شاهقة الارتفاع. وهناك أيضا «البلطة» وهي فأس صغيرة مصنوعة من الحديد والصلب ذات نصل حاد يضعها المتسلق في» ايش» حزام صغير مربوط حول وسطه إلى أن يصعد النخلة فيستخدم» البلطة» في تقطيع جريد النخل وكذلك «سباطه» البلح. وهناك مفردات لغوية دارجه يصف بها طالع النخل أجزاء من النخلة مثل: «الزعف» وتعني جريد النخل و»الجمار» وتعني قلب النخلة و»العرجون» وتعني البلح الرطب و»الليف» وهو لحاء سميك خشن الملمس وبني اللون يتم استخراجه من أعالي النخل بعد تقطيع الجريد. أسرار النخل يقول طالع النخل فوزي عبد الجليل (28 سنة) «يتعين على طالع النخل أن يكون حافي القدمين كي يزداد التصاقا بالنخلة ويشعر أين يضع قدميه»، مشددا على أن أي حذاء مهما كان جيدا قد يؤدي إلى انزلاق المتسلق وسقوطه على الأرض، كما يتعين عليه أن يمتلك قلبا جريئا وفطنة عالية تعينه على حسن التصرف فأحيانا ينقطع «المطلاع» فجأة وهو في الأعلى، وأحيانا يجد في جريد النخل ثعبانا أو أفعى في انتظاره فإذا فزع أو ارتجف قلبه تعرض للأذى فيسقط ويموت. ويوضح أن هناك أسطورة منذ القدم يتناقلها المصريون تدعي أن للنخل حراسا هم الثعابون لا يصح إيذاؤها ولذا فعلى طالع النخل أن يسمح لها بالرحيل بسلام وفي حال الخطر يسقطها بظهر «البلطة» على الأرض ويكون فألا سيئاً على طالع النخل وصاحب النخلة أيضا إذا تعمد قتل الثعبان بالبلطة. وإذا كان للإنسان أسراره وعاداته فإن للنخل أيضا أسرارا بالغة الأهمية والغرابة وهو ما يؤكده رشاد أبو حسين «النخلة التي يتسلقها طالع النخل خصيصا ليأخذ منها أليافا كي تستخدم في غسل الميت لا تطرح تمرا لمدة عام وفي العام التالي تطرح تمرا غير مستساغ الطعم ولا تشفى من ذلك إلا بقراءة القرآن عليها عقب صلاة الجمعة. والنخل يصاب بالخوف والهلع من مشهد النيران وهنا يتم تبخير النخلة ومعالجتها بالقرآن الكريم». كما يتشابه النخل مع الإنسان أيضا في الطباع والملامح فهناك النخلة الطيبة التي يسهل على الطالع تسلقها لوجود لحاء سميك وحنون حول جذعها ومظهرها للناظرين يبدو مبهجا. وهناك النخلة المشاكسة التي يعاني الطالع في تسلقها فتارة جذعها خشن حاد يجرح قدميه وأخرى أملس تنزلق منه قدماه كما تبدو للناظرين كئيبة حزينة. مهنة شاقة إذا كان القلب هو نقطه ضعف الإنسان ومصدر حياته فإن قلب النخلة أيضا كذلك لذا يحرص طالع النخلة على تجنب أن تطال «البلطة» منطقة القلب أو «الجمار» وهي منبت الجريد وسباطه البلح حيث إنها لو ضربت في ذلك المكان تموت بعدها بفترة وجيزة. ولذا يستعين الطالع بكل ما أوتي من مهارة وخبرات تعلمها من آبائه وأجداده لاسيما وأن غالبيه من يعملون في تلك المهنة يتوارثونها جيلا بعد جيل ويحرصون على أن تظل أسرار النخلة بحوزتهم خصوصا وان طالع النخل كمهنة تدر عائدا جيدا فتسلق نخل واحدة يجني الطالع مقابلة من 10- 20 جنيها حسب طبيعة النخلة وارتفاعها عن الأرض ويستغرق تقليم وتقطيع الجريد وسباطه البلح من 30- 60 دقيقة حسب مهارة الطالع وخبراته السابقة. وأحيانا يزيد ارتفاع النخلة على 25 مترا وتلك النوعية تتطلب طالع نخل محترفا واثقا بقدراته يتمتع بقلب حديدي لا يعرف الخوف. وهناك أسماء محترفين متخصصين معروفين بالاسم يتنقلون بين القرى المختلفة لتقليم النخل وقطع السباطة في المواسم. كما لا يوجد عمر محددا مزاولة تلك المهنة فطالما كان الإنسان قادرا على التسلق يظل يعمل بها، ومن الممكن أن يتناوب على تسلق النخلة الواحدة أكثر من جيل في العائلة لأن النخلة من الأشجار المعمرة التي يمتد عمرها لقرابة 150 عاما لذا فهناك من يتفاخر بأنه يعرف أسرار تلك النخلة من وقت أول طرح لها عبر ما سمعه من حكايات وأسرار قالها جده وأبوه. و»طالع النخل» من المهن الشيقة التي ينظر لأصحابها بنوع من التقدير والاعتزاز لاسيما في الريف المصري حيث ينظر الأطفال هناك. لطالع النخل كما لو كان فارسا فيتحاكون عنه وعن قدراته ويقارنون بين المتسلقين أيهم أسرع وأكثر ثباتا وأحيانا يسعى بعض الأطفال والمراهقين إلى تقليد هؤلاء المتسلقين ويتبارون فيما بينهم على النخل القصير إلا أن الأمر أحيانا ينتهي بسقوط أحدهم. أغانٍ شعبية تحتفي بطالع النخل هناك أغان شعبية كثيرة متداولة عن طالع النخل في الريف المصري يحلو للصغار والكبار ترديدها في مواسم جني البلح وتقول إحداها «يطالع النخلة شمر جلاليبك لتشبك في فرع شوك على الأرض وتجيبك واللي بيجمع خير الشوك ما بيهمة مثبت الأقدام وبأيده بيلمه». وأغنية أخرى تقول كلماتها «يا طالع الشجرة، هاتلي معاك بكره يكون على قدي، وتكون عينيه سمره العدل في يمينه، والشمس في جبينه».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©