الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مستقبل الاندماج الأوروبي

26 يونيو 2016 23:29
عرف عن الزعيم البريطاني المشهور ونستون تشرشل قوله «نحن ندعم الأوروبيين لكننا لا ننتمي لأوروبا. بريطانيا العظمى وأوروبا مصيرهما مترابط لكن لا يمكن لأحدهما أن يستوعب الآخر، مصالحهما مشتركة لكنهما غير مندمجين في كتلة واحدة». وأظهر الاستفتاء الأخير الذي اختار فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي صحة ملاحظة الزعيم الذي كان له جليل الإسهام في إنقاذ أوروبا من النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لم يكن الزعيم الفرنسي شارل ديجول متحمساً لانضمام بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة وقد عارضه طيلة سنوات حكمه، وكان يعتبر أن انضمام بريطانيا للكتلة الأوروبية سيحور هويتها ويحولها إلى حلف أطلسي تقوده عملياً الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن التيار المحافظ البريطاني انحاز في الثمانينيات للمشروع الأوروبي لأسباب اقتصادية، وإن عارض التوجهات الاستراتيجية لخلق قطب منافس لمحور القوة الأميركي الأنجلوساكسوني بعد نهاية الحرب الباردة، ورفض المفهوم الفيدرالي للبناء الأوروبي الذي طرحته فرنسا وألمانيا. والواقع أن الانسحاب البريطاني ليس حدثاً معزولاً يفسر بخصوصية هذا البلد المكتفي بذاته في أرخبيله المغلق، بل يعكس أزمة عميقة يعرفها راهناً المشروع الاندماجي الأوروبي. والمعروف أن هذا المشروع عرف منذ التسعينيات تطوراً نوعياً بالانتقال من منطق الشراكة الاقتصادية إلى منطق السيادة المتقاسمة. كان وعي القيادات السياسية والنخب الفكرية التي بلورت المشروع الأوروبي الجديد أن المرحلة الجديدة لعصر العولمة تقتضي الخروج من حقبة القوميات التي نعتها الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران بأنها تعني الحروب، وكان الحماس قوياً للتوجه الجديد الذي واكبه توسع الكتلة الأوروبية. ومن هنا ندرك طبيعة الأزمة العميقة التي يعيشها المشروع الأوروبي راهناً في بعديها الأساسيين: البعد الداخلي المتعلق بطبيعة التركيبة السياسية والمجتمعية للدول، والبعد الإقليمي المتعلق بهوية المشروع الاندماجي وأثره على العلاقات بين البلدان التي تتشكل منها الكتلة الأوروبية. بخصوص البعد الأول، لا نحتاج إلى الإشارة إلى التغير النوعي الذي مس الحقل السياسي في عموم بلدان القارة بصعود التيارات القومية المتطرفة والنزعات الانفصالية الانعزالية في الوقت الذي انهارت أحزاب الوسط الليبرالي واليسار التي قادت المشروع الاندماجي الأوروبي. وفي الوقت الذي تتبنى فيه أحزاب اليمين الراديكالية خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، تتعزز النزعات القومية الانفصالية منذرة بتفكيك أوصال دول محورية في القارة. وبخصوص البعد الثاني، يتعين التنبيه إلى أن تمدد الاتحاد الأوروبي أفضى إلى بروز كتل متباينة المصالح والتوجهات الاستراتيجية والقدرات الاقتصادية، لم تنجح آليات التسيير المشترك في بناء سياسات ناجعة في التنسيق والتوفيق بينها، بل إن المؤسسات التي استحدثت لإدارة البناء الإقليمي تحولت إلى مركزة قوة وسيادة ينظر إليها بصفتها خطراً على استقلال وسيادة الدول المنتمية للاتحاد. لاحظ الفيلسوف الفرنسي المعروف رجيس دوبريه أن أحزاب اليمين في أوروبا قبلت المشروع الأوروبي لأنها أرادت السوق، في حين قبلت أحزاب اليسار السوق لأنها أرادت البناء الأوروبي، وما نعيشه راهناً هو انفصام الارتباط المصلحي بين السوق والاندماج الأوروبي، نتيجة للأزمة الاقتصادية المالية المستحكمة وعجز الكتلة الإقليمية عن احتوائها. *أكاديمي موريتاني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©