«أنغام من الشرق» يختزل عبقرية الموسيقى في تسع ليالٍ

تسع ليال جاءت كما النسيم زائرة شاطئ أبوظبي من جانب الرأس الأخضر إلى كاسر الأمواج، فقد تجلّى لطفي بوشناق في ليلة الافتتاح على مسرح قصر الإمارات يرافقه موسيقيون إماراتيون، ومن تونس إلى الإمارات مع الفنان سعيد السالم الذي أطرب الحضور بمختارات من الطرب الخليجي في إطار احتفالية “أنغام من الإمارات”. وغابت ليلة ليطل نهار فأمسية أخرى مع مصطفى سعيد وأحمد قعبور، مصطفى سعيد الذي تأبى الكلمة أن تقول إنه فقد نعمة البصر لأنه يرى أكثر من المبصرين ويدخل إلى أعماقه مبحراً في مناجاته الخاصة للموسيقى فينفصل في موسيقاه عن الواقع دون أن يفقد تواصله غير المقصود مع الجمهور. وفي الحفلة تحاور مع الموسيقى وعبّر ولم تفارق الابتسامة شفتيه. أما أحمد قعبور القادم من لبنان من عمق معاناة جنوبه، وهو المعروف بأغانيه الملتزمة وألحانه التي تكسر النمط التقليدي في الإيقاعات وصوته الحنون، فنقل الجمهور إلى فضاءاته الخاصة بامتياز. وفي إطار “تحية إلى محمد عبد الوهاب” غنى المطرب مدحت صالح في الليلة الثالثة من المهرجان ترافقه أوركسترا بقيادة المايسترو عمرو سليم. وفي الليلة الرابعة من فعاليات “أنغام من الشرق” غنّت ريما خشيش من موشحات من التراث ومن موشحات جديدة وأغان خاصة، كما قدمت فرقة “حوار” بقيادة كنان العظمة مزيجاً بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الحديثة، متميزة باستخدام الصوت البشري كآلة. وأدهش سيمون شاهين في الليلة الرابعة الجمهور، وأدهش العارفين السامعين لأعماله، والمستجدين عليها من خلال ما توفره فعاليات “أنغام من الشرق” لجمهور الإمارات، فخرج الحضور مذهولاً لا يعرف كيف يصف أعمال شاهين، واستطاع شاهين، الفلسطيني الأصل، أن ينقل الموسيقى العربية الأصيلة إلى الغرب ومحورا موسيقاه دون المساس بصيغة اللحن الشرقي أو تركيبته الأصلية ومؤسسا لألحان موسيقية عالمية جديدة. وفي الحفلة ذاتها غنت سفيرة التراث الأندلسي نسيمة شباني باقات من أعمال خاصة ومن الأشعار الصوفية المغربية التقليدية. وهز صباح فخري، خشبة مسرح قصر الإمارات بحضوره خفيف الظل من جهة والثقيل بعمق تجربته، فكانت ليلة لا تنسى مع الغناء العربي الأصيل من موشحات وقدود وقصائد لأكبر الشعراء. وانفرد بالليلة السادسة ليترك صدى لها يردّد في الإمارات كلّها. وقد غصت الصالة بالحضور وأضيفت كراسي إلى الممرات لتسع المتدافعين من أجل سماعه. أما كريمة الصقلي فقد رافقتها أوركسترا “ميستو” بقيادة المايسترو نبيل عزام. وتميزت الليلة الثامنة بإطلالة عازفة العود وعد بو حسّون مقدمة بصوتها مقطوعات خاصة مع أشعار لرابعة العدوية وولادة بنت المستكفي وابن زيدون وجلال الدين الرومي. كما غنّت في هذه الحفلة عايشة رضوان القادمة من المغرب والمحافظة على أسلوب الغناء المغربي. تسع ليال لم تخل من حوارات ومحاضرات أقيمت على هامش “أنغام من الشرق”، فكان لقاء مع الموسيقي عازف العود مصطفى سعيد وفرقة “حوار” بقيادة كنان العظمة، ناقشوا همّ التجديد في الموسيقى العربية وضرورة الخروج من التقليد الببغائي. وأقيم لقاء مع سيمون بروتون الذي قدم لفيلمه “الروح الصوفية” عارضاً للموسيقى الصوفية في الإسلام.