الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبو بدر

أبو بدر
2 سبتمبر 2009 23:15
في البدء كان الحزن.. والفرح هو استثناء.. هذا ما يفرض نفسه كاستنتاج ضاغط على المشاهدين، جراء الكم اللامتناهي من الكآبة الذي يطالعهم في أمسياتهم التلفزيونية الرمضانية الراهنة.. وقد يفي مثال وحيد بالغرض: «باب الحارة» مجدداً معبر نحو كم اضافي من التجهم، والمبالغة في أخذ الحياة على محمل الجد، ما استجد في موسمه الرابع كثير من رائحة البارود التي تكاد تزكم العقول والقلوب، معارك طاحنة تضعنا أمام محاولة تلفزيونية لإعادة صياغة التاريخ الذي لم تكن حقيقته، مع الأسف، على هذا القدر من النصاعة. طبعاً بالامكان التغاضي موقتاً عن كل ذلك والعودة نحو حكاية الاسراف في التراجيديا، حيث الدماء والدموع تنهال بغير حساب، وحيث الملامح المكتئبة تضخ في مدار الرؤية جرعات متتالية من الحزن، هذا إلى جانب العيون التي تتقد غيظاً، وليس بعيداً عن ذلك كلَّه منظر الشوارب التي يدفعها الغضب المتواصل الى التراقص صعوداً ونزولاً. وحده الممثل محمد خير الجراح (أبو بدر) يسعى لإضفاء مسحات من الحبور على الأمسيات المتشحة بالسواد، يمد الحوار الوعر ببعض مقومات الطرافة، ويمد نحو المشاهد الغارق في يم المآسي أطواق نجاة يصوغها من مواقف عفوية وضاحكة.. تشتعل الأحداث فيزداد اقتراباً من لعبة البساطة الساحرة.. يفعل أبو بدر ذلك كله بنجاح، لكنَّ دوره في العمل يبقى هامشياً، أو هكذا يتبادر إلى أذهان المشاهدين. في المقابل ثمة حضور طاغ للمثل سامر المصري (العكيد أبو شهاب) بالرغم من غيبته التي ستطول حتى تصير دائمة، للرجل سطوة طاغية تبرر التعامل معه بوصفه البطل، لكن ماذا لو طاب لبعضنا أن يعود بالأمور إلى مربعها الأول ويطرح المعادلة التالية: غادر أبو شهاب فأمكن ردم فجوة غيابه ببعض الترميم لشخصيات رديفة مثل وفيق الزعيم (أبو حاتم)، ووائل شرف (معتز)، لكنَّ غياب أبو بدر، في حال حصوله، سيدفع العمل التلفزيوني للسير على قدم الكآبة وحدها، حينها سيكون أعرجاً، ولن يسعه أن يدعي تمايزاً أو تألقاً.. بأوضح ثمة كثيرون من المشاركين في المسلسل يمكنهم لعب ادوار مشابهة لدور أبو شهاب، وان ببراعة أقل أو أكثر، لكن ابو بدر هو أحد قلة تستطيع ادعاء التميز الى حدود التفرد.. ما الذي يعنيه ذلك؟ قد يعني أنَّ البطولة الحقة ليست في اتقاد العيون أو في التماع الشوارب، انَّما هي في احتراف البساطة التي تبقى وحدها سر الاعجاز الدفين.. ويعني أيضاً أنَّ أبو شهاب وامثاله قد يصلحون لصناعة التاريخ، أو لتحويره.. لكنَّ الحياة بتفاصيلها اليومية المربكة والمعقدة تحتاج الى الكثير من سخرية أبو بدر.. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©