الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عداء بولندي للروس... أعباء الذاكرة

عداء بولندي للروس... أعباء الذاكرة
2 سبتمبر 2009 23:18
في وسع عداءات وكراهيات تعود إلى القرون الوسطى أن تمحى. وعلى كل من يتشكك في هذا أن يأتي إلى «جدانسك» هنا في بولندا، حيث شنت جيوش القائد النازي أدولف هتلر هجوماً ثم أشعلت بعد ذلك نيران الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر عام 1939، أي قبل 70 عاماً. واليوم وبفضل الجهود والمبادرات الفردية، إلى جانب السياسات الحكومية، أصبح الألمان والبولنديون أصدقاء وحلفاء بعد أن كانوا أعداء ألداء في الأمس. ومع ذلك فثمة في بعض النفوس شيء من عداوة قديمة متوارثة بالطبع. وعلى من يتشكك في هذه الحقيقة أيضاً أن يأتي هنا إلى «جدانسك» مرة أخرى. فيوم الاثنين الماضي، الحادي والثلاثين من أغسطس المنصرم، دقت طبول الإعلام الروسي ملقية باللائمة على وارسو، متهمة إياها بالتواطؤ مع هتلر على غزو موسكو في وقت سابق للهجوم الذي شنه هتلر عليها في عام 1939. غير أن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين خفف من حدة تلك الاتهامات بتصريحه إلى صحيفة Gazeta Wyborcza البولندية اليومية الصادرة في الأول من سبتمبر بوصفه اتفاقية هتلر -ستالين المبرمة في 24 أغسطس 1939 بأنها اتفاقية «لا أخلاقية». ذلك أنها فتحت الطريق أمام غزو هتلر للجزء الغربي من بولندا، ثم تعرض الجزء الشرقي منها لغزو سوفييتي بعد ثلاثة أسابيع من الغزو النازي. وبسبب ذلك التاريخ فقد استقبل الجمهور البولندي ابتسامة بوتين في الصورة التي نشرتها له صحيفتهم المحلية بالكثير من الريبة والاستغراب. ويذكر أن الحرب العالمية الثانية خلفت وراءها 6 ملايين قتيل من البولنديين، نصفهم تقريباً من اليهود. وتذهب الروايات إلى عكس هذه الأرقام بالقول إن الحرب العالمية الثانية قتلت 6 ملايين يهودي نصفهم من البولنديين. وبين كافة الشعوب التي بكت ضحاياها من القتلى البالغ عددهم 50 مليون مدني على مستوى العالم، كان نصيب البولنديين من الفاجعة هو الأكبر، بالمقارنة إلى نسبة تعدادهم السكاني. وكان العامل الجزئي في هذه المأساة موقع بولندا الجغرافي وحظها السيئ الذي رماها بين قوتين عظميين في ذلك الوقت؛ روسيا وألمانيا. ويذكر أن روسيا وبروسيا والنمسا كانت قد تآمرت معاً طوال 123 عاماً خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لمحو بولندا من الخريطة تماماً. لكن رغم الضربات الموجعة التي تعرضت لها، استطاعت بولندا النهوض مجدداً عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، إلا أنها وقعت ضحية لتآمر كل من هتلر وستالين عليها في عام 1939 مجدداً. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعدة عقود، استمر عداء البولنديين للروس سراً، بحكم انضمام بولندا رسمياً لدول حلف وارسو الاشتراكي وخضوع بلادهم للهيمنة السوفييتية وقتئذ. أما عداؤهم للألمان فكثيراً ما كان علنياً. وبسبب تلك العداءات لم ينج نحو مليوني لاجئ ألماني ممن أرغموا على مغادرة الأراضي التي استوطنوا فيها في غرب بولندا وأجزاء أخرى من أوروبا الوسطى خلال سنوات الحرب العالمية الثانية... من الهجمات الانتقامية على أيدي البولنديين. لكن في عقد الخمسينيات عادت خصومات ومشاحنات الألمان والفرنسيين إلى عهدها السابق، وقد لاحظت حكومتا ألمانيا وبولندا ذلك، فبادرتا إلى تفادي نشوب مشاحنات مماثلة بينهما. وفي عام 1965 أصدر كبار أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في كلتا الدولتين نداءً مثيراً للجدل والخلاف لإبرام مصالحة بين الألمان والبولنديين. وجاءت في ذلك النداء العبارة الشهيرة: «نحن نغفر ونطلب من الآخرين أن يغفروا لنا خطايانا». ثم تلا ذلك حدث آخر، وهو إضراب عمال نقابة منظمة «التضامن» الشهيرة في ميناء جدانسك عام 1980، وهو الإضراب الذي كسر شوكة الحكومة الشيوعية البولندية الحاكمة وأرغمها على تقديم تنازلات غير مسبوقة للعمال المضربين، قبل أن تصدر قراراً بعدم شرعية النقابة في العام التالي، ما أثار تعاطف الألمان الغربيين معهم. واتخذ ذلك التعاطف أشكالا عديدة، منها إرسال المؤن الغذائية والأغطية والأدوية من خلال سائقي الشاحنات المتطوعين إلى البولنديين المحتاجين. كما أرسلوا مئات آلاف الطرود البريدية التي تحمل المساعدات الإنسانية إلى البولنديين في كل من وارسو وكراكو وجدانسك، برسوم بريدية رمزية دعمتها حكومة ألمانيا الغربية. وبسبب ذلك التعاطف بدأ غالبية البولنديين، للمرة الأولى، يميزون بين الألمان الشيوعيين في برلين الشرقية والألمان الغربيين، بسبب تعاطف ألمانيا الغربية معهم، وعدم مساعدة ألمانيا الشرقية لهم بأي شكل من الأشكال في أيام محنتهم. ولدى انهيار حائط برلين في عام 1989، لم يكن مرجحاً بأي قدر عودة البولنديين والألمان إلى مشاحناتهم وعداءاتهم التاريخية القديمة، مثلما هو حال الألمان والفرنسيين. وعندها كان مقبولا أن يتحدث المرء باللغة الألمانية في شوارع وارسو وغيرها من المدن البولندية، دون أن يثير ذلك تحفظ أو استنكار المارة العاديين. بل استطاع كثير من الألمان زيارة بيوت ذويهم التي صودرت في مناطق عديدة وسط أوروبا، وخاصة سيليزيا التي كانت تعد تاريخيا مركز أوروبا الوسطى وأصبحت اليوم جزءاً من غربي بولندا. ولم يكن القصد من الزيارات استعادة البيوت المصادرة، بقدر ما كان مجرد استدعاء للذكريات ولتشكيل صداقات ربما تستمر مع ساكنيها البولنديين. ويذكر أن ألمانيا كانت من أقوى الدول دعماً لانضمام بولندا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في عام 2004. إليزابيث بوند: جدانسك - بولندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©