الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضيوف الرحمن وأقارب الحيطان

ضيوف الرحمن وأقارب الحيطان
16 مايو 2010 22:34
منذ أن خلقني الله في أسرتي الكريمة أكثر من اللازم، وأنا محاط بضيوف الرحمن، وأبناء الجيران، والأقارب الذين يخرجون لنا من الحيطان. ولو كان كل الناس مثل أبي لأقفلت الفنادق غرفها والمطاعم مطابخها، لأنه لا فضّ فوه قلب البيت إلى فندق مجاني، يقدم بالإضافة إلى غرفة النوم، ثلاث وجبات دسمة ومواصلات من وإلى المطار، ومن وإلى السوق، وطاقماً من الخدم مكوّناً من أشقائي، مع زيادة في أعبائي لأنني آخر العنقود. هذا الواقع الأليم خلق في داخلي صراعا بين ما يجب أن أكون، وبين ما أحبّ أن أكون، فالواجب أن أفعل كما يفعل أبي، لكنني للأسف الشديد لا ألتقي معه في مسألة الضيوف.. ولا في المسائل الأخرى على كل حال، «يُخرجُ الحيّ مِنَ الميّتِ وَمُخرِجُ الميّتِ مِنَ الحيِّ». ولا أبالي ماذا أكون إذا كان فيه راحة من الضيوف، فقد رأيت منهم، أو بالأحرى من أطفالهم وأولادهم الصغار، ما لو يراه الطفل الصغير لقضى حاجته في إناء الطعام ولرمى الملعقة في حفاظته. عموماً لم أرتكب جناية أو إثما في شعوري تجاه الضيوف، فعند الإمام الشاطبي أن الضيافة إنما وُجبت في الجملة لأن من نزل بالبادية لا يجد منزلاً ولا طعاماً للشراء، إذ لم يكن لأهل البدو أسواق ينال منها ما يحتاج إليه من طعام يشتري ولا خانات يأوي إليها، فصار الضيف مضطراً وإن كان ذا مال. عليه، فإن الموجبات التي فرضت واقع الضيافة في الزمن الأغبر لم تعد قائمة في زمننا هذا، فبيتنا ليس في البادية والدنيا من حولنا مليئة بالفنادق والمطاعم. لذلك، فإن الضيافة تسقط ويسقط معها الضيف. ولا يمكن لرب أسرة أن يحول بيته إلى فندق ما لم تكن شريكته امرأة مضيافة من الطراز الأول، بل كانت الوالدة تنافس الوالد في تقديم الخدمات المتميزة التي تلبي متطلبات الزائرين والضيوف، ولا أبالغ حين أقول إن أمي لم تنجب أحد عشر إنساناً إلا لخدمة عشرات الضيوف الداخلين والخارجين، فالفندق يحتاج إلى موظفين يسهرون على راحة النزلاء، ولا يمكن لزوجين أن يتوليا كل المهمة بمفردهما. ومن المفيد أن أذكر لمحة عن مطبخ بيتنا الذي أصبح شكله مع الأيام وتعدد مراحل البناء أفعوانياً يلتف حول جزء من البيت محتلاً نحو 20 بالمئة من مساحة البناء الإجمالية. ولو كان البيت كله بيتاً من فئة الثلاث النجوم، فإن المطبخ كان من فئة السبع، فهناك أنواع وأشكال من القدور: عشرات القدور للأرز بحسب عدد الآكلين، وقدور للمرق، وقدور للباجه، ومثلها للبلاليط، وقدور للهريس، ودِلال للشاي، ودِلال للقهوة، ودِلال للحليب، وعشرات القناني للمشروبات الأخرى. ومثل هذا التنوع والتعدد في الطناجر والأطباق والصواني والأكواب والفناجين والسكاكين والملاعق والأشواك والشواطير والأسياخ والملاحات. ولكل نوع من الطعام وعاء مخصص، ولكل وجبة ما يناسبها، ولكل مستوى من مستويات الضيوف ما يملأ أعينهم ويجعلهم يشيدون بحسن ترتيب وتنظيم وذوق ربة البيت. وأغلب أدوات المطبخ لم تكن تُستعمل إلا مرة ومرتين، وأصبحت جزءاً من ديكور المطبخ مع مرور الأيام وازدياد الهوس بالضيوف، وازدياد هوس الضيوف بالإقامة في بيتنا. كانت وجهة نظر أبي هي استقبال الضيوف والجود بالموجود، لا تكلّف ولا بهرجة ولا تزويق، نكون نحن على حالنا وهم ينضمون إلينا، بينما وجهة نظر أمي تقضي بأن يُستقبل الضيوف خير استقبال من جميع النواحي، فمن المعيب في نظرها أن يأكل الضيوف في الأطباق نفسها التي تأكل فيها الحيوانات الأليفة، أي نحن، وليس من اللائق أن يقدم لهم الطعام نفسه الذي نطبخه في الأيام الخالية من المزعجين. مع هذا، فإن مشاعري الغبية تجاه الضيوف كانت مغطاة بطبقة من الحياء، فقد كنت أحاول قدر الإمكان الاختباء خجلاً منهم، وكانت المشكلة الكبرى في الترحيب المبدئي واللقاء الأول. وكان يحصل أن يأتي الضيف ويلتقي بالجميع إلا بي. وكلما مرت ساعة ازداد خجلي، وإذا أشرقت شمس يوم جديد بوجود الضيف، فإنني آكل نفسي من التفكير في نظرته لي. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©