الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية والدين: ممكنات تاريخية

25 مارس 2011 22:41
المعنى الدارج على كل لسان هو أن لفظة الديمقراطية تعني حكم الشعب، أو بمعنى أوضح، الاحتكام إلى العقل البشري في إدارة شؤون الحكم وتداول السلطة. أما في الإسلام فهناك الجانب الذي يشرّع للإنسان في أحقيته بالسلطة والحكم. وعلينا التنبه بداية لما يجمع عليه أكثر الدارسين من أن التعصب الديني، يهدم العقل كما يرى جون لوك، فـ"الدين الحق لم يوجد للفخفخة المظهرية، ولا لسيطرة الإكليروس، ولا للعنف، بل وجد لتنظيم حياة الناس، وفقاً للفضيلة والتقوى". ومن المعلوم أيضا أن الديمقراطية تفترض العلمانية حتماً، فلا ديمقراطية بدون علمانية، لكن العلمانية كما يقول الدكتور برهان غليون "لا تعني تبني عقيدة لا دينية، ولا استبعاد الدين من الحياة العامة، ولا تقييد الحريات الدينية، بل تعني حياد الدولة ومؤسساتها تجاه الأديان والعقائد حتى تضمن المساواة الكاملة بين مواطنيها بصرف النظر عن اعتقاداتهم". فالديمقراطية تنفي حصر إدارة نظام الحكم بأيدي رجال الدين، وإن رأى بعض هؤلاء أن الإسلام دين ودولة. وإذا كان الإسلاميون قد طرحوا الشورى كبديل عن الديمقراطية، فإن الشورى في الحقيقة ولدت محكومة بأسباب، وبحقبة زمنية محددة، ما يجعلها مختلفة عن آلية وطبيعة الديمقراطية. بل أكثر من هذا، فالإسلام السياسي نفسه يرى أن الديمقراطية نظام مناقض للحكم الإسلامي، وعندهم أن ثمة حكم الله فحسب، وما يقابله هو حكم الطاغوت أي الشيطان! وفي الغرب القروسطوي، سعت المؤسسات السياسية لتتوحد مع المؤسسات الدينية، وكان على الجماهير أن تخضع للدولة ظل الله في الأرض. وهكذا سعت المؤسستان السياسية والدينية، لفرض واقع استبدادي يسلب الإنسان قدرته ويركز على بيان عجزه عن أي تغيير. وها هو القديس أوغسطين يبرر استبداد الأنظمة بالقول إن "السلطة القائمة معطاة من الله، فمن يعصها إنما يعص الله، ويجلب على نفسه اللعنة". وفي المقابل يرى يورباخ، أحد فلاسفة الأنوار، أن "الدين لا ينطوي أساسا على مبدأ الثقافة والتعليم، لأنه لا يتخطى مصاعب الحياة الأرضية إلا بالخيال"، فالنظرة الدينية مجردة ومغرقة في المثالية، ولذلك فهي تؤسس لسيادة المراتب العليا على المراتب الدنيا. كما طرح عدد فلاسفة الأنوار نظرية العقد الاجتماعي، كشكل من أشكال الديمقراطية في الحكم، قائلين إنه عندما احتاج البشر في مرحلة تاريخية ما إلى تشريع وضعي ينظم أمور حياتهم، وفي سبيل ضبط إدارة العلاقات فيما بينهم، ارتضت المصالح المتناقضة أن تمتثل لإرادة سلطة ما تنتخب ديمقراطياً وينصاع لها الجميع، ومنبثقة عن الإرادة الشعبية الحرة. لكن الإسلام السياسي يعتبر تلك النظرية بمثابة تنكر لوجود الخالق، ومنازعة لسلطانه، لذلك نجده يعترض على النظام الديمقراطي في إطار إباحته لحرية الفرد، الفكرية والدينية، رغم أن ثمة آيات صريحة تترك الخيار للفرد بين الكفر والإيمان، باعتبار أنه هو من يتحمل تبعات اختياره. الفريق الإسلامي هذا أيضاً يعادي مجانية التعليم في ظل أنظمة ديمقراطية، بذريعة أنها تبيح للفرد تعلّم الكفر والمذاهب الضالة. نعم إن الديمقراطية تتيح للفرد فرص التعليم الحر، ولا ترغمه على هذا المعتقد أو ذاك، والديمقراطية في التعليم هي التي تدفع بالدارس لتتفتح مواهبه دون حدّ أو قيد. لكن أي نظام تشريعي إسلامي في العالم الإسلامي ينبغي الاقتداء به؟ وأي برنامج سياسي ديني يجب العمل على هديه؟ في الغرب نجد أن المؤسسات الدينية التقليدية استنفدت غرض وجودها وتواصلها مع الحداثة، فما عاد الغرب بحاجة إلى معابد وكهنة، فهؤلاء اعتكفوا في أديرتهم وتركوا السياسة لأصحابها السياسيين، وبالتالي فالسعادة لم تعد في كنف المعتقدات الأسطورية، بل أصبحت السعادة بالوفرة الاقتصادية، والتمتع بالحياة البهيجة، والعيش الكريم في أجواء من الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة... فجاءت ثورة الأمم الحديثة لتريح الإنسان وتعفيه من كثير من الأعباء والتعب والجهد. والغرب في دأب مستمر للزيادة في إنتاج القيم الاستعمالية، والاستمتاع الحر بوقت الفراغ، وسوف يتمكن هذا الغرب من التغلب على كل معوقات الحياة، وستتنحى عاجلاً أم آجلاً تلك القوى الحائلة دون تحقيق المساواة والعدالة للجميع. هذا الفريق الإسلامي أيضاً يتجاوز كل ما تحققه الديمقراطية من حرية في الرأي، وفي الاعتقاد، متصلباً عند خصلة الأخلاق مقرناً إياها بالسلوك الجنسي... لكن لماذا نحمّـل الديمقراطية كل هذه الأعباء؟ الأخلاق ما هي سوى قواعد لسلوك الفرد يتعين عليه التقيد بها استجابة لمقتضيات المجتمع، فهي نتاج اجتماعي، والمجتمع هو الذي يلفظ أو يتقبل هذه الخصلة أو تلك، والتشريع هو الذي يرعى ما تتفق حوله أغلبية الناس في ظل النظام الديمقراطي. ليست ثمة أخلاق خارج نطاق المجتمع الإنساني. وأخلاق أي فئة هي نتاج لوضعها الاجتماعي ومصالحها الطبقية. وأخيرا أقول إن الديمقراطية هي ابنة مرحلتها التاريخية، لذلك نجد أنها خضعت لتطورات وتبدلات تاريخية كثيرة، فديمقراطية أثينا بالأمس البعيد لم تكن كديمقراطية الغرب اليوم. فقد عرفت الديمقراطية أشكالاً عديدة، ولم تأخذ شكلاً محدداً في يوم من الأيام، وهي في اغتناء وتنوع دائمين، وحوله اختلاف كبير، لها أنماط عديدة، مثل الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطيـة الدستوريـــة، والديمقراطيـــة التنازعية أو التمثيلية... إلخ. وهكذا تبقى الديمقراطية بكل أشكالها مرفوضة "إسلامياً"، لكن يبقى أن نقول إن الغرب تمكن عبر نضال طويل ومرير، أن يحقق المأثور القائل "ما لله لله وما لقيصر لقيصر" أي الفصل بين الدين والدنيا..! دهام حسن - كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©