الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

زايد أرسى أسس الدولة عام 46 انطلاقاً من العين

زايد أرسى أسس الدولة عام 46 انطلاقاً من العين
5 يوليو 2008 02:04
أصدر مركز الوثائق والبحوث بوزارة شؤون الرئاسة مرجعا علميا وثائقيا جديدا عن حياة المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد ''طيب الله ثراه''، وتستهدف هذه الدراسة التأريخ لحياة الشيخ زايد وأعماله وفق تسلسل زمني محدد في حقبة تاريخية مهمة، من عام 1946 عندما دخل معترك الحياة السياسية أول مرة ممثلاً للحاكم في العين، إلى عام 1971 بعد أن أصبح أبرز شخصية سياسية في الإمارات، وانتخب بالإجماع رئيساً للمجلس الأعلى للاتحاد وأول رئيس للإمارات العربية المتحدة· وتستعرض ''الاتحاد'' عددا من أبرز الفقرات الواردة فى كتاب (زايد: من التحدي إلى الاتحاد)، الذى عكفت على جمع وثائقه الدكتورة جوينتي مايتر بمركز الوثائق والبحوث، وهو نتيجة مباشرة لبحث طويل ومجهد في سجلات الأرشيف البريطاني، انطلاقاً من مصدرين أساسيين في المملكة المتحدة هما: المكتبة البريطانية، والأرشيف الوطني· وأكد سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة رئيس المركز على أهمية هذا المؤلف التاريخي الذي يتناول بالتوثيق الموضوعي الدقيق فترة حيوية من تاريخ الوطن وأوضح سموه ''تأتي أهمية كتاب ''زايد: من التحدي إلى الاتحاد'' من اعتماده على الوثائق الأرشيفية الأصلية، وكشفه حقائق غير معروفة لكثير من الباحثين والدارسين، وعدم اعتماده على مؤلفات وكتب سبق نشرها، يجعله مصدراً هاماً من مصادر البحث التاريخي، والدراسة الأكاديمية، وباعثاً على التحليل والتعليل والاستكشاف، والاطلاع على المزيد من حياة المغفور له -إن شاء الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان· وقال الدكتور عبدالله الريس مديرعام المركز ''تراكمت على مر السنين العديد من الكتب والأبحاث التاريخية وتراجم الأشخاص وغيرها من الدراسات من خارج الوطن العربي وداخله عن شخصية قائد فذّ، أثْرَت إنجازاته ومناقبه مختلف مناحي الحياة الإنسانية''· وفيما يلي مقاطع من الأحداث التي تناولها الكتاب: زايد الواحة في الصحراء ولد الشيخ زايد عام 1918 في مدينة أبوظبي في القلعة الداخلية في قلب قصر الحصن مقر الحاكم، وهو رابع أبناء الشيخ سلطان بن زايد الذي حكم إمارة أبوظبي من عام 1922 حتى عام ،1926 وأصغرهم· ويمكن إرجاع النسب الرفيع للشـــيخ زايد ســــليل أسرة آل نهيان الشهيرة الحاكمة في أبوظبي، إلى قبيلة آل بوفلاح من بني ياس، أحد التجمعات القبلية الرئيسة في الخليج العربي، التي هاجرت من منطقة نجد في قلب شبه الجزيرة العربية، واستقرت في الإقليم الذي نشأت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة وسيطرت عليه· وعلى مر القــــرون ظـــل فرع آل بوفلاح أصغر وأقوى فروع بني ياس، الذين يمثلون أصل الأسرة الحاكمة في إمارة أبوظبي· تعلم الأسس وتلقى الشيخ زايد ''شأن معظم أقرانه'' بعض الدروس الأساسية في القراءة والكتابة، و''تعاليم الإسلام على يد مطوع، كان يدرسه باستظهار آيات القرآن الكريم وسوره''· شرع زايد الصغير يردد سورة الفاتحة وتعلم أن القرآن ليس كتاب دين فحسب·· بل تنظيم شامل لجميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية· ولم يكن زايد حافظاً للقرآن فقط، بل كان يحفظ كثيراً من شعر المتنبي· ومع أن هذه الأشعار أثرت فيه كمتعلم، لكن الموضوعات البدوية كانت أكثر ملاءمة لولعه بفن الإجازة التي ينظم فيها المتناظرون أبياناً مرتجلة على القافية نفسها، وفيها ما فيها من سرعة بديهة وتلميحات ذكية· الانطباعات الأوروبية بدأ الشيخ زايد حياته السياسية عام 1946 حاكماً للمنطقة الشرقية من أبوظبي نيابة عن أخيه الشيخ شخبوط بن سلطان، ثم حاكماً لأبوظبي، مثبتاً نفسه كقائد بارز ومعترف به للمنطقة بفضل شمائله القوية في قيادة الدولة، وحصافته وكرمه· وعندما آن أوان التغيير، كان القرار بضرورة خلافته لأخيه قد اتُّخذ· وفي 6 أغسطس من عام 1966 أصبح حاكماً لأبوظبي بمبايعة شعبية· العين·· نقطة الانطلاق الأولى اختارالشيخ شخبوط الذي كان مدركاً للإمكانيات الواعدة التي يمتاز بها أخوه الأصغر زايد، الذي كان آنذاك في العشرينيات من عمره، زايداً دون بقية أعضاء الأسرة الحاكمة الكبار ليكون والياً له في القطاع التابع لأبوظبي من واحة البريمي، التي كانت منطقة ذات أهمية إستراتيجية واقتصادية وحيوية للإمارة، و كانت مهمة زايد الأساسية في الواحة أن يمثل مصالح الأسرة الحاكمة في أبوظبي، وأن يضطلع بـ ''مهام الزعامة على جميع قبائل الواحة ما عدا النعيم''، بعد أن أوكلت إليه السلطة الإدارية الرئيسية في الواحة والمنطقة الصحراوية المحيطة بها· ومن الأدلة الأخرى التي برزت جلياً على التطورات الإيجابية التي حلت بالمنطقة، قصة الرحالة الشهير ويلفرد ثسجر الذي لم يجد أحداً يلجأ إليه طالباً المساعدة أثناء زيارته الاستكشافية في عُمان عام ،1948 وكان قد حل عليه ضيفاً في بيت الضيافة بالمويجعي، إذ استطاع برسالة يحملها من زايد، واعتماداً على مكانته المرموقة بين رؤساء القبائل البارزين أن يسافر ويتنقل بحرية في الأجزاء الداخلية في المنطقة وما بعدها وصولاً إلى وجهته· سياسة زايد كانت العلاقات القبلية حجر الزاوية في السياسة الداخلية على مدى قرون، وكان نجاح أي حاكم أوزعيم ما يعتمد دوماً على مدى براعته في التوسط وفي حل الأوضاع المتأزمة· وكانت السياسة الدائمة لأسرة آل نهيان الحاكمة في أبوظبي أن تحتفظ بتحالفات قوية مع القبائل المجاورة، وأن تقدم معاملة سخية لزعمائها، محافظة بذلك على السلام والاستقرار في المنطقة· وأصبحت متابعة هذه السياسة التقليدية القائمة على الصداقة والتحالف هي المسؤولية الرئيسة للشيخ زايد بوصفه ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، وقد تابعها ببراعة، ولم يَفُت المسؤولين البريطانيين المعاصرين ملاحظة مزاجه الودود وعلاقاته الودية مع العديد من القبائل وزعمائها البارزين في المنطقة· وحين زار ولفرد ثسجر البريمي عام ،1948 كان الشخص الوحيد الذي يتطلع إلى لقائه هو الشيخ زايد؛ إذ كان ''خبيراً بالصحراء'' و''يحظى بشهرة واسعة بين البدو'' الذين كانوا يحبونه ''لخلائقه السهلة غير الرسمية وطبعه الودود، وكانوا يحترمون قوة شخصيته وذكاءه وقوته البدنية''· وفي تحليله لسر نجاح زايد في تعاملاته مع القبائل، أغدق ثسجر عليه الثناء، وأشار إلى أنه كان يتصرف مثل رب أسرة كبيرة: ''على استعداد دائم للاستماع إلى مشكلات الناس''· وفي الشكاوى أو الخلافات ''كان يستمع باهتمام لدى عرض كل قضية عليه''، في حين كان الجانبان يتجادلان بصوت عال ومقاطعات متكررة· وكان زايد دون أن يغضب المخطئ، ودون أن يفقد ما اشتهر به من حرص على العدل ينجح ببراعة في إرضاء كلا الطرفين بأحكامه التي كانت تتميز ''بنفاذ البصرية والحكمة والعدل''، وكان الطرفان يغادران بهدوء وهما راضيان· زيارة القاهرة لم يكن زايد يهتم بالسياسة فحسب، بل كان يفكر كثيراً في تحقيق هدفه الكبير في تقدم أبوظبي وتطورها، لذلك استغل زيارته لجمهورية مصر العربية وطلب من الحكومة المصرية المساعدة بتقديم مدرسين، وحين سأله ''أنور السادات'' خلال مؤتمر منظمة العالم الاسلامي مباشرة: ''هل يعترض البريطانيون على وجود مصريين''؟ أجاب بالنفي، لكن ما أضافه إلى تلك الاجابة قد أظهر جلياً إمكانياته الدبلوماسية الفذة، التي تمثلت في قدرته على تخليص نفسه من أي ورطة، والتوصل إلى التوازن الصحيح، فقد أضاف تأكيداً مفاده أن ''البريطانيين لن يعترضوا على أي شخص يساعد أبوظبي، وأكثر من ذلك قال إنه واثق من ''أن البريطانيين سيرحبون بوصول مدرسين جيدين''· من حسن حظ حاكم أبوظبي أن التواصل الرئيسي من القبائل كان يتم منذ عام ،1946 بواسطة أخيه زايد الذي كان ''كريماً'' معهم ونجح في ''ضم هيبة الحاكم إلى البساطة والود، ما كان يبهج قلوب رجاله''، وبالمزج البارع بين الدبلوماسية القبلية وكرم الضيافة البدوي الذي يضرب به المثل، نجح زايد في تعزيز ''مكانة الأسرة في البريمي، تاركاً لشخبوط أن يحكم من العاصمة الواقعة على الساحل''· وفي أوقات الاضطراب -ولا سيما أثناء أزمة البريمي- شهد النقيب بي· إتش كلايتون قائد مفرزة شرطة أبوظبي ومسقط في منطقة البريمي، كيف ''كانت تحركات زايد في المنطقة تمثل نشاط شيخ قبيلة يهتم بمصالح رعيته، ويحافظ على معنوياتهم في ظل تلك الظروف· ولم يكتف الشيخ زايد بأعمال الترميم والتجديد، فكان إنشاء فلج الصاروج المهيب أول المشاريع التي نفذها في العين وأكثرها طموحاً، وأقام مشروع مياه آخر عاد عليه ''بكثير من المجد'' وهو ''إنشاء أربع قنوات جديدة ''ثقاب'' بالقرب من منبع فلج العين'' الذي كان يزود قرية العين بالماء· وهو ما زاد من تدفق مياه الفلج بمعدل الثلث· ونتيجة ذلك أصبح دوران الفلج حول حدائق العين يستغرق نحو 36 يوماً بعد أن كان يحتاج إلى 60 يوماً، وفي عام 1954 عندما قام ''خبير التنقيب الشهير'' الكولونيل كينيث ميريليس بزيارة البريمي بصحبة جوليان ووكر، الذي كان آنذاك ضابطاً شاباً في الوكالة السياسية في الشارقة، أراد زايد أن يساعده الكولونيل في إعادة إحياء مياه الفلج التي باتت تتضاءل يوماً بعد يوم، وأخذه في جولة إلى جميع الينابيع الأرضية في البريمي، أملاً في الاستفادة القصوى من خبرته ومعرفته· مدرسة المويجعي وحمل الوكيل السياسي هيو بوستيد في صدره كثيراً من الثناء لهذا الشيخ الشاب الذي ''باشر تنفيذ خططه ببناء المدارس في الهيلي والجيمي والمعترض''، فتأسست أول مدرسة في المويجعي عام 1956 وعين المدرس المؤهل محمد راشد التميمي الذي اتخذ مسكناً له في حصن ابن عباد في منطقة المويجعي، ليبدأ التدريس في هذه الواحة بعد أن تم بناء غرفتين لتكونا حرم التدريس في المدرسة الجديدة· أما أدوات التدريس الأساسية كالكتب والأقلام والمقاعد وغيرها، فقد جلبها الشيخ زايد شخصياً إلى المدرسة، في حين كان يتعين جلب بعض المواد الأخرى من دبي وأبوظبي بناء على طلب خاص منه، ثم كانت خطوته المهمة التالية هي وضع منهاج للتعليم في المدرسة، من ضمنه تدريس القرآن والحساب، واللغتين العربية والانجليزية· وبعد ذلك بقليل افتتحت مدرسة ابتدائية جديدة في القطارة· وسجل فيها نحو 40 طالباً هذه المرة، وقد تطوع لتدريسهم آنذاك طالب من إحدى مدارس دبي· في العام الدراسي 1960 - ،1961 افتتحت مدرسة النهيانية في العين، ''بإشراف مباشر ومستمر من الشيخ زايد''، وتلا ذلك بسنتين تأسيس مدرسة للبنات· وكان هذا الاهتمام والتشجيع الذي قدمه الشيخ زايد إلى مدرسة النهيانية في السنوات الأولى من حكمه يستحق كثيراً من الثناء، ''إذ كان يزور المدرسة ويدعو المدرسين إلى مجلسه، ويحضر يوم الرياضة السنوي''· وتميز فريق كرة القدم في المدرسة بمستوى عال· وأسست فرقة من الكشافة وتعبيراً عن تقديره للإخلاص الشديد الذي أبداه المدرسون، رفع الشيخ زايد مرتباتهم القليلة آنذاك من ماله الخاص، وقدم مزيداً من الدعم لهذه المدرسة بسماحه لولديه ''الشيخ خليفة، والشيخ سلطان، ومعهما بعض أفراد الأسرة الحاكمة كالشيخ سرور بن محمد بتلقي تعليمهم الابتدائي فيها''· ومن المسائل المهمة التي استرعت انتباه الشيخ زايد مسألة تطوير طرق المواصلات في منطقته، فقد رأى أن الطريق إلى البريمي الذي بنته قوات عُمان المتصالحة بهدف تجنب الكثبان الرملية الكبيرة في منطقة رملة العنيج، مناسب للشاحنات الثقيلة أكثر منه للمركبات الخفيفة الحالية· وقرر الاستعانة بخدمات أحد المهندسين من ذوي الخبرة للحصول على بعض المقترحات حول كيفية تطوير هذا الطريق، ''وفكر أيضاً في أنه إذا استطاع تأمين آلة لقطع الحجارة فسيتمكن من بناء طريق جيد بالقرب من الجبل على طول الجانب الشرقي من رملة العنيج''· وبالفعل أنشئ طريق بديل يصل بين دبي والبريمي ويتجنب نقاط الجمارك التي كانت تتقاضى رسوماً على البضائع التي كانت تمر إلى الجزء التابع لأبوظبي من الواحة· مركز اقتصادى أثمرت الجهود الحثيثة التي بذلها زايد في تحويل قرية العين إلى ''مركز اقتصادي وسياسي للواحة''، وانتشرت عمليات البناء في القرية الرئيسية، وانتهى بناء أكثر من مئة متجر طرح معظمها للتأجير، وهو ما جلب بعض الدخل الإضافي للسكان· وفي أثناء ذلك استمرت التجارة بالتوسع بفعل الحوافز التي قدمتها السوق الجديدة· وزادت صادرات المنطقة من الخضراوات التي كانت سلعة مهمة جداً يعتمد عليها سكان الساحل المتصالح في غذائهم· أما مستوى البطالة فبقي منخفضاً نتيجة توظيف عدد كبير من الشبان في قوات عمان المتصالحة، التي جلبت الأمن والسلام إلى الواحة· لقد جلبت هجرة المزارعين والتجار والحرفيين إلى الواحة ''جواً من الأمل والرخاء لم يشهد لها مثيل في هذا القرن''· وباتت العين الآن في طريقها إلى ''أن تخلف البريمي بسرعة'' بعد أن بنى فيها مستشفى مجهزاً تماماً وسوقاً جديدة ومحطة للطاقة وبنكين بريطانيين ومدرسة· مستشفى الواحة ولقد شهد الوكيل السياسي بكثير من الإعجاب والدهشة إنجازات الشيخ زايد في العين قريته الأم، وفي المناطق المحيطة بها والتي وضعها جميعاً لفائدة أهله وأهل منطقته''· وبحلول عام 1963 استرعى التطور المذهل الذي حدث في البريمي بإشراف الشيخ زايد الذي قدم أيضاً ''المبادرة والتمويل''، انتباه جيه· إي· هورنر القنصل العام الأميركي في الظهران، الذي حدد بالتفصيل مختلف الانجازات التي قام بها زايد بالمقارنة إلى الركود الذي تشهده العاصمة أبوظبي· كانت المدارس في الجزء التابع لإمارة أبوظبي من واحة البريمي تحتوي 120 طالباً و8 مدرسين، وهي تعمل منذ ثلاث سنوات، في حين كانت مدارس أبوظبي في سنتها الأولى· وتمكن المستشفى في الواحة عام 1960 من استيعاب 70 إلى 80 مريضاً يومياً في سنتين، في حين لم يكن في أبوظبي أي مستشفى أو حتى طبيب· وذكر هورنر أيضاً أن زايد استطاع إنشاء حي تجاري نموذجي جديد في العين تنتشر فيه متاجر أسمنتية بسيطة ونظيفة، وشوارع عريضة ومضاءة، بالإضافة إلى توفير الطاقة للاستخدام المنزلي ولإضاءة المتاجر، ولم تكن عملية تطوير بلدية أبوظبي قد خطت أولى خطواتها بعد، فلم تكن هناك أي طاقة كهربائية في العاصمة· أما الطريق الذي يصل بين أبوظبي والبريمي فقد جرى تطويره على نفقة زايد، وتضمن ذلك وضع أساسات صلبة لبعض مراحله التي تمر عبر الكثبان الرملية الوعرة· وكانت النتيجة ان أصبحت المواصلات أسرع وأرخص وأكثر كثافة· وكان على الشيخ زايد أن يكافح للحفاظ على وضعية أبوظبي مقابل مخصصات مالية سنوية هزيلة، في وقت كان نظراؤه السعوديون ينفــــقون الملايين، ومع ذلك فقد ''تمكن من الحــــفاظ على كرمه وشعبيته بين البدو وبين أفراد منطــــقته''، كما ذكر جوليان ووكر وأمضى هيو بوســـــتيد الذي كان يدعو زايد ''الصـــــديق المخــــلص''، كثيراً من وقته يمارس رياضـــــة الصيد بالصقور في موسم طــــائر الحـــــبارى على الكثبان الرملية شمال شرق البريمي· إنجازات زايد نتيجة للجهد الكبير الذي بذله نائب الحاكم في تنمية قرية البريمي التابعة لأبوظبي وتطويرها، فإنه أظهر فهماً مسبقاً للخطوات التي يجب القيام بها في أبوظبي، فمع بداية تدفق عوائد النفط ''أصبح من اللازم وضع الأسس الشاملة للمستقبل الزاهر''· وأخذ زايد على عاتقه في زيارة للقاهرة عام 1959 زمام المبادرة، فأتم عقد اتفاقية مع الحكومة المصرية، يستطيع بها توظيف المدرسين والخبراء الزراعيين والمهندسين للعمل في أبوظبي، وأصبح المسؤولون البريطانيون في الخليج مع مرور السنوات أكثر إدراكاً لأهمية شخصية الشيخ زايد وقدراته المتميزة، فقد مثلت الرسائل والبرقيات المتعددة التي كتبوها في الخمسينيات أول انطباع رسمي عبروا بها عن رأيهم فيه بعبارات إيجابية جداً، ورأوه قائداً كبيراً في طور النمو، وكانوا تواقين دائماً إلى تقديم أي مساعدة يطلبها، ووصفوه بأنه ''واحد من أكثر الشيوخ تعاوناً في الساحل المتصالح''· زايد حاكماً لأبوظبي كان الكولونيل هيو بوستيد، الذي شغل منصب أول وكيل سياسي في أبوظبي منذ عام 1961 حتى عام ،1965 محقاً في ملاحظته أن ''الحياة بالنسبة إلى أهالي أبوظبي لم تتغير أساسياتها البتة في السنوات المئتين منذ استقرار بني ياس هناك حتى اكتشاف النفط''، ولكنه أضاف أن أحداً لا يستطيع أن يدرك الآثار العظيمة التي ستؤول إلى هؤلاء السكان الذين يقدر عددهم بنحو 15 ألفاً، أو ''أن يتنبأ لهم بالنتائج وهم الذين ترعرعوا على أبسط التقاليد البدوية بأن يرتفع دخلهم بفضل الحاكم بين ليلة وضحاها من 80 مليون جنيه استرليني سنوياً إلى 100 مليون جنيه استرليني في المستقبل القريب''· السادس من أغسطس كان السادس من أغسطس عام 1966 يوماً بارزاً في تاريخ إمارة أبوظبي، إذ بشر ببداية عهد جديد، فتسليم مقاليد السلطة إلى الشيخ زايد الذي كان يحظى باحترام جميع حكام الإمارات المتصالحة والخليج ''قوبل بالرضا في مدينة أبوظبي، وبالابتهاج في المناطق الداخلية القبلية''· وكان من المتوقع أن يرسخ زايد ''الثقة بالحكم لدى فئات المجتمع كافة''، لذا لم يكن هناك ''دليل على وجود رغبة أو احتمال لدى أي زمرة في تحديه بوصفه حاكما''· لقد ملأ الشعور الواسع لدى الشعب بأن مجيء زايد إلى السلطة سيجلب نعماً مادية ويملأ أجواءهم تفاؤلاً وحماسة· بالإضافة إلى ذلك فإن اعتلاءه سدة الحكم في أبوظبي أسهم في عودة ثلة من سكان الإمارة الذين كانوا قد غادروها إلى قطر ودبي وأماكن أخرى في الخليج إثر تدهور حالتها الاقتصادية· وصف السيد آرشي لامب، الوكيل السياسي في أبوظبي بين عامي 1965 و1986 مظهر الحاكم وشخصيته بالكلمات التالية: ''ربما كان الشيخ زايد الشخصية المثالية في مخيلة الأوروبيين عن الشيخ العربي الرومانسي: شاب·· وسيم علي الطريقة البدوية، مرح وكريم، فارس وصياد ماهر بالصقور''، وواثق وناجح في علاقاته، ''ليس لديه أي تجهم أو رسمية في سلوكه، ولا يوقع الرَّوْع في قلب الناظر إليه·· يحب أداء دور الشيخ العربي، الأب لشعبه· بعد تسلم زايد مقاليد السلطة استغل جل وقته في إطلاق برنامج للإصلاحات السريعة التي حولت أبوظبي تحويلاً جذرياً من منطقة قبلية إلى مدينة حديثة· وقد حثه إيمانه بالإسلام والعروبة على العمل لمصلحة بلده وشعبه، وكما كان يؤمن بأن ''أفضل ما في التقدم المادي في الغرب قد تحقق اعتماداً على تراث المسلمين''· وقد قدم الحقيقة تقديماً علمياً وأخلاقياً، وكل منهما يكمل الآخر· في الواقع سيكون ضرر تقدمنا المادي أكبر من نفعه ما لم يرافق تقدماً ثقافياً واجتماعياً يمثل قاعدة لحضارة يمكن بها أن نوجد مجتمعاً مبنياً على التقاليد العربية الصحيحة، مجتمعاً يمكنه المحافظة على هذه التقاليد من أجل البلدان العربية الأخرى''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©