الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصفوري تحول إلى فيل

عصفوري تحول إلى فيل
14 يناير 2010 22:39
حسدني كل من عرفته تلميحاً وتصريحاً، وكادت عيون الحاضرين في حفل زفافي تلتهم العروس الجميلة الأنيقة فهي التي جعلت للفستان الأبيض رونقاً خاصاً، كأنهم لم يشاهدوا عروساً من قبل وكان عندهم كل الحق، فأنا نفسي كنت في حلم جميل لم أصدقه وخشيت أن أستيقظ منه على الواقع المؤلم، وكنت أحمد الله على هذه النعمة، فالجمال يشيع في النفس البهجة، ولم أصدق أيضاً أنها أصبحت لي بعد حرب ضروس من الخُطاب والشباب الذين تقدموا لطلب يدها، كثيرون منهم كانوا من أقاربها وبعقلية العصر الجاهلي يرون أنهم أحق بها، ولابد أن يحرموها من الاختيار حتى شهدت عائلتها خلافات ومشاكل ومقاطعات بين أفرادها بسبب رفض والدها تزويجها لأي منهم محتجاً برأيها لأنها رفضت هؤلاء جميعاً. طرقت هذه الأخبار مسامعي قبل أن أتقدم طالباً يدها وخشيت من الرفض مثل من سبقوني، خاصة أنني لا أحمل ما يجعلني أفضل منهم، بل إن بعضهم لديه مميزات تفوقني بمراحل، وما فعلت ذلك إلا وأنا واثق بالنتيجة مسبقاً، ولم تكن لديّ مخاوف من الرد سلباً، غير أن المفاجأة أنها وافقت على الارتباط بي، كان أبوها رجلاً متحضراً فقد ترك لها الاختيار بكل حرية وبلا أي تدخل، يرى أن ذلك من حقها وحدها وليس من حق أي شخص آخر حتى لو كان هو نفسه أن يفرض عليها الرجل الذي سيشاركها حياتها ويعيش معها العمر. أما أنا فإنني صادق مع نفسي وأعرف قدري وإمكاناتي فلست إلا رجلاً عادياً من أواسط الناس غير أنني أجيد اختيار الملابس التي تناسبني فأبدو أنيقاً وعندما سألت عروسي متهكماً لماذا وافقت على الارتباط بي؟ قالت لأنني متأكدة من أنك على خلق ومروءة ورضيت منها بهذا الوصف، الذي جعلني في حبها أكثر مما أنا غارق ولا أدري أين الشاطئ ولا أريد أن أعرف، فهي امرأة من القليلات اللاتي يجمعن بين الجمال والرقة والبساطة، بل الجمال الصارخ الجذاب الذي يلفت كل نظر حتى شهدت لها النساء وكن يغرن منها جهراً أو سراً وعلى الرغم من حشمتها وحجابها فإن هذا الجمال لم يكن خافياً، بل يشع به وجهها حتى أنني كرهت الخروج معها إلى الشارع بسبب النظرات البريئة والخبيثة التي كانت تصوب سهامها نحوها وأنا أشعر بالغيرة على الرغم من أنها لا تستجيب لأي منهم عمداً أو بلا قصد، وتتجاهل تماماً ما تلاحظه، وحتى لا أتعرض لهذه المواقف قللت من الخروج إلا في أضيق الحدود وعند الضرورة، ولم يكن لديها اعتراض على ذلك فهي نعم الزوجة المطيعة التي تهتم بحاجيات ومطالب زوجها وتؤدي كل واجباتها نحو بيتنا الصغير الذي كان مثل عش العصافير وحولته بروحها إلى جنة، خاصة أن لديها من الوقت الكثير، حيث إنها لا تعمل وكان هذا أيضاً من محاسنها ومميزاتها إذ انصاعت لرغبتي في عدم التحاقها بالعمل، فكان كل جهدها لبيتنا تنظفه وتعد طعامنا وتغسل ملابسنا. إلى هنا وكل شيء على ما يرام وأكثر مما نحلم ونريد، لكن جاءنا بلاء من حيث لا ندري ولا نحسب حساباً، فقد بدأ جمال زوجتي يخبو ويتوارى وتفقد رشاقتها بعدما كانت النساء من حولها يشبهنها بعارضات الأزياء العالميات، رشيقة مثل الفراشة فقد تحولت إلى ماكينة تلتهم الطعام التهاماً، لا يقع شيء تحت يديها إلا والتهمته، واعتقد أنها فقدت حاسة التذوق لأنها أصبحت أيضاً كالنار تسري في الهشيم، تبلع من دون أن تمضغ، وكانت النتيجة الطبيعية أن يبدأ وزنها في الازدياد وفي البداية لم اهتم كثيراً بهذا الأمر ربما لأنني اعتبرته عادياً فكثير من الفتيات يصبحن بدينات بعد الزواج، وأيضا لأنها لا تبذل مجهوداً أكثر من أشغال البيت، ثم لأنها تقضي معظم الوقت وحيدة أثناء غيابي في عملي، ولست موظفاً عادياً مرتبطاً بعدد من الساعات وإنما أحياناً أقضي ما يقرب من ثماني عشرة ساعة متواصلة في العمل، وكثيراً ما أعود لأجدها قد نامت في غرفة الاستقبال على أحد المقاعد وهي في انتظاري، وبعدما كانت لا تتناول طعاماً إلا معي أصبحت بسبب هذا التغيب عن البيت تتناول طعامها بمفردها وتنام كثيراً كنوع من الهروب من الوحدة واعترف بأنني سبب في ذلك ولكن ليس أمامي خيارات أخرى فلا استطيع أن أترك وظيفتي ولا أعرف كيف أصلح هذا الخلل. ازداد الأمر سوء وبدأ جسد زوجتي يترهل وتبدو عليها السمنة المفرطة واختفت تماماً معالمها القديمة، وضاع جمالها وقد تحولت إلى كومة من اللحم لا تعرف أولها من آخرها فبعدما زاد وزنها أطلق عليها الجيران والمعارف ألقاب مثل «الفيل ووحيد القرن» وكل المسميات التي تدل على أنها خرجت من الطور الإنساني، والآن تخطت هذه المخلوقات ولم يعد احد يعرف لها أي حدود، وكانت مع هذه المشكلة كارثة أخرى موازية فقد أصبحت زوجتي تنفق كل ما يقع تحت يديها من أموال على الطعام، وتشتري الوجبات الجاهزة والفواكه بجانب ما تقوم بإعداده في البيت، وأدى هذا الوزن الزائد إلى عدم قدرتها على إعداد الطعام فأصبح اعتمادها كلية على الوجبات السريعة من المطاعم التي أصبحنا معروفين عندها لانه لا يمر يوم من دون طلب عدد من الوجبات لكي تشعر زوجتي بالشبع، ومع هذا أيضاً لم يكن هناك وقت ولا عدد محدد للوجبات عند زوجتي ولا تأكل في اليوم ثلاث مرات كما يفعل كل البشر، بل ربما خمس أو ست وجبات وقد يزيد العدد على ذلك، وهي لا تدري أنها التهمت الطعام كله من دون أن تترك لي أي شيء، أما ما لم استطع تحمله فإن كاهلي ناء بكل هذه النفقات التي استنزفت ما بين يدي من أموال وأصبح غذاء زوجتي عبئاً لا أقدر على نفقاته وقد خشيت أن أرفض لها طلباً حتى لا تتهمني بالبخل وهي لا تستحق مني إلا كل الخير لكن يبدو أنني تأخرت كثيراً عن التحرك لوضع حد لهذه المأساة. لأن المصائب لا تأتي فرادى فقد أصيبت زوجتي باكتئاب وساءت حالتها النفسية عندما تناهت إلى مسامعها مقولات وأوصاف الناس، حتى تهكمت إحداهن عليها أمام عينيها وحذرتني من أنها ستأكلني إذا لم تجد طعاما، وأخرى تخوف طفلها بمنظر زوجتي المرعب، فما كان منها إلا أن أخرجت صورها الفوتوغرافية القديمة وصور العرس وما بعده بقليل تفرشها على الأرض وتبللها بالدموع وهي تتحسر على نفسها وعلى ما وصلت إليه. وتلاحقت الأحداث في أقل من عام على زواجنا والشيء الوحيد الذي لم يجرؤ أحد منا ولا من أسرتي ولا أسرتها على أن يتعرض له هو الذهاب إلى الطبيب لعلاجها لأن الحالة بالفعل مرضية، ونحن لا ندرك ذلك أو نتخوف من طرحه، واعتقدنا أن الأمر هين وان الحل سيجيء على يد الطبيب ولكن وجدنا أنفسنا في حلقة مفرغة ودائرة كبيرة ندور فيها بين العيادات والمستشفيات والتحاليل والأطباء المتخصصين في السمنة وعلاجها والأطباء النفسيين واختصاصيي التغذية وأحياناً تتضارب الآراء فلا ندري ماذا نفعل لكن كانت هناك خطوط عريضة وثوابت موضع اتفاق مثل ضرورة ممارسة الرياضة وكانت هذه المسألة شاقة عليها إذ تعاني الأمرين حتى تصعد درجة سلم ونحن نقيم بالطابق الخامس وليس عندنا في البناية مصعد بجانب الخجل الذي يعتريها وهي تسير كأنها تتدحرج ببطء والأمر الآخر عدم تناول المواد الدهنية والسكرية وتقليل الطعام لأقل قدر ممكن مع تناول بعض الأدوية ولم تستطع زوجتي الالتزام بتوجيهات ونصائح الأطباء إلا قليلاً منها وبما لم يأت بنتيجة تذكر. لقد اضطررت إلى عدم إحضار طعام لها حتى تلتزم بالبرنامج العلاجي فإذا بي أفاجأ بأنها تبكي بشدة من الجوع، فأشعر بالألم لها وأقوم وأحضر لها الطعام بنفسي ثم أفاجأ بأنها تغلق على نفسها باب الغرفة لتلتهم المزيد من وراء ظهري كي لا تغضبني، فهي بالفعل لا تستطيع منع نفسها وأنا أشعر بمعاناتها. لقد تحولت جنة بيتنا إلى جحيم ولا نعرف أين المفر ولا ندري من أين المخرج فأنا الآن مع امرأة أخرى غير التي أحببت وتزوجت ومعها مأساة مرعبة وأصبت أنا الآخر بالاكتئاب ولا أطيق الحياة وأصبحت عابساً وهجرتنا الابتسامة وضاعت السعادة حتى أن الناس يرددون أننا محسودون، لقد عرفت أن المشاكل الزوجية خلافات في وجهات النظر أو الآراء والطباع، وتوقعت أن أتعرض لذلك ولكن لم يخطر لي ببال أن تكون مشكلتي من نوع غريب وجديد لا أجد لها حلاً!
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©