الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العالم كما يراه ألبرت اينشتاين

العالم كما يراه ألبرت اينشتاين
3 سبتمبر 2009 02:20
«كيف أرى العالم»، واحد من الإصدارات الجديدة التي طرحتها مؤخراً منشورات عالم التربية في المغرب. والكتاب من الكتب المهمة التي يكتبها الكبار فقط، فقد وضعه العبقري وصاحب النظرية النسبية المتوج بجائزة نوبل في حقل الفيزياء سنة 1921 ألبرت اينشتاين. في هذا الكتاب الذي طبع قبل عقود من الزمن في طبعات كثيرة، وصدر عن أرقى دور النشر الباريسية في طبعته الفرنسية، يطرح لنا العالم الشهير ألبرت اينشتاين وجهة نظره الفكرية والعلمية والفلسفية التي يرى من خلالها العالم في أفكار تتسم بالنضج وبعد النظر والجدية والعمق، حيث نرى هذا الفيزيائي الأشهر في القرن العشرين يدخل إلى قلب القارئ بأسلوب شاعري، ومع أننا أمام أفكار واحد من أعظم العلماء، إلا أننا نشعر وكأننا أمام إنسان ضعيف وشاعر تخترق قلبه السهام التي تدميه وتعذبه. وكشأن كبار الشعراء والمتصوفة والكتاب، هؤلاء الذين يحبون الانزواء بعيدا عن الناس، نرى اينشتاين أيضاً يحب الوحدة والانطواء على نفسه: «إني أعشق العدالة والالتزام الاجتماعي، لكني أندمج بصعوبة كبرى مع الناس وجماعاتهم، ولست أستشعر حاجة إلى ذلك، لأني أميل إلى الوحدة بشكل أعمق، وأنا أشعر أني مرتبط بشكل واقعي بالدولة والوطن وأصدقائي وأسرتي بالمعنى العام للعبارة، إلا أن قلبي ينتابه في مواجهة هذه الأواصر، إحساس بالغرابة والابتعاد، ويزيد العمر من تباعد هذه المسافة. إني أعرف عن وعي ومن دون خلفيات، حدود التواصل والانسجام بيني وبين سائر الأشخاص، وهكذا أكون قد فقدت شيئا من السذاجة والبساطة أو من البراءة، لكني غنمت استقلاليتي، إذ لم أعد أؤسس رأيا أو عادة أو حكما على الآخر، فقد وضعت الإنسان قيد التجربة، فوجدته متقلب المزاج». لا يحب اينشتاين الأضواء، ولا يرى ضروة لتعظيم أي كان، يقول: «إن الصدفة تهزأ بي، لأن الأشخاص يبدون تجاهي إعجابا وإجلالا وهميين ومبالغا فيهما. إنني لا أريد ولا أستحق شيئاً». ضد الحرب يكره آينشتاين الحروب والاقتتال، ويرى أن العنف يفتن الكائنات الضعيفة أخلاقياً، ويبدو مسالما كما من خلال قوله: «تسمى أسوأ المؤسسات الجماعية بالجيش، وأنا أمقتها، وإذا كان هنالك من رجل بإمكانه الإحساس بالمتعة، وهو يمر في استعراض، على نغمات الموسيقى، فإني أحتقره، لأنه لا يستحق مخا بشريا ما دام يكفيه النخاع الشوكي. يتعين علينا استئصال هذا السرطان من جسم الحضارة بأسرع وقت ممكن. إني أمقت بشكل عنيف البطولة بناء على أمر، لأن ذلك يعني العنف المجاني والوطنية المعتوهة، فالحرب هي الشيء الأكثر مقتا، وأنا أفضل أن أتعرض للاغتيال بدل أن أشارك في هذه الفضيحة والخزي». ومع ذلك، يؤمن أينشتاين بعمق بالإنسانية، ويعلم انه كان ينبغي معالجة هذا الإشكال منذ زمن بعيد، لكن حكمة الإنسان وتبصره، يخضعان للارتشاء بشكل منهجي، والجناة هم المدرسة والصحافة وعالم الأعمال والعالم السياسي. داخل مصادر المعرفة الإنسانية، يشكل فكر ألبيرت اينشتاين، من خلال نظرية النسبة، محطة قائمة بذاتها. يقول عبد الكريم غريب مترجم هذا الكتاب: «كانت رغبتنا ملحة في تقديم الترجمة لمؤلفه القيم «هكذا أرى العالم»، الذي تشكل من خمسة فصول، كل واحد منها، عالج مجموعة من القضايا التي شغلت فكر اينشتاين خلال مساره الفكري. والجدير بالذكر، أن اينشتاين، داخل مؤلفه هذا، كان من دعاة الحرية والتحرر، حيث إنه كان من المناهضين للحروب الفتاكة والأسلحة المدمرة، كما هو الشأن للقنبلة النووية والهيدروجينية، كما كان كذلك مناهضا لمختلف أشكال التعصب والعنصرية السائدين بين مختلف الشعوب. ولقد شكلت الفصول الثلاثة الأولى، مجالا لدراسة وتحليل وتقييم وتقويم العديد من القضايا التربوية والإنسانية، الدينية والسياسية والاقتصادية والفلسفية، في حين ركز الفصل الرابع على المسألة اليهودية، ذلك أن منظور اينشتاين، كيهودي يعتز ويفتخر بانتمائه العقائدي، على اعتبار أن ارض فلسطين، هي أرض ميعاد ليهود العالم. الدين والعلم في الفصل الأول من الكتاب ينظر أينشتاين إلى الدين من منظور علمي، الذي يرد أسباب وعلل الأحداث لقوى موضوعية وخارجة عن إرادة القوى الخارقة، وأن الحياة الفردية تخضع في أساسها لمعايير وقيم الجماعة، حيث يقول: «بصفتي إنساناً، فأنا لا أتواجد كمخلوق فردي، وإنما اكتشف بأني فرد ينتمي لجماعة إنسانية كبرى، وهي تسيرني جسداً وروحاً منذ ميلادي حتى مماتي». ذلك، أن الدين حسب اينشتاين، «يعاش أولاً كقلق، فهو لم يخلق، بل مهيكل أساساً من قبل الجماعة الكهنوتية، كما تشكل المشاعر الإنسانية، السبب الثاني للاستيهامات الدينية، وذلك، لأن الأب أو الأم أو زعيم جماعة إنسانية كبرى، كلهم معرضون للخطأ وفانون، عندئذ، فإن رغبة السلطة والحب والشك، تدفع إلى تخيل مفهوم أخلاقي أو اجتماعي للإله، أي الإله المشيئة الذي يتحكم في المصير، وينقد ويجازي ويعاقب، هذا هو معنى الدين المعيش تبعاً للمفهوم الاجتماعي والأخلاقي للإله، ويتجلى بوضوح في الكتب المقدسة للشعب اليهودي، ووحدهم الأفراد المتميزون بغنى خاص والجماعات السامية بصورة خاصة، تعمل على تجاوز هذا التجريب الديني، وبإمكانهم جميعا بالمقابل، أن يتوصلوا إلى ديانة ذات درجة قصوى، وهذا ما أسميه بالتدين الكوني». لا حياد وبرأي عبد الكريم غريب «إذا ما كان ألبيرت اينشتاين، ينظر إلى الدين بهذا المنظور العقلاني، فإنه على خلاف ذلك، تحول داخل الفصل الرابع المخصص «للمشكلة اليهودية»، إلى مدافع، يؤسس حجاجه على عواطف متأججة، غاب فيها منطق العقل والعلم والموضوعية، وتحول فيها إلى كهنوت يدافع بكل جوارحه عن الديانة اليهودية وعن أرض الميعاد؟!. ويلاحظ غريب «أن جل تصرفات الإنسان تحتكم في ديناميتها إلى غريزة فطرية متجذرة في طبيعة الإنسان، وهي غريزة البحث عن التفوق والكمال، باعتبار هذه الحالة تشكل المثال الأعلى الذي تشرئب إليه النفس البشرية. وما دام اينشتاين، قد عايش عصر النازية وعصرا كانت فيه جل الشعوب الغربية تضطهد الشعب اليهودي، الذي كان متفرقا داخل مختلف مجتمعات العالم، فإن الدفاع الجامح لأينشتاين عن الأمة اليهودية، قد يعد من هذا الباب مفهوماً. لكن الذي لم يطفو على سطح الحقيقة بشكل واضح، هو أنه في الوقت الذي كان فيه اليهود مضطهدون بمختلف المجتمعات الغربية، فإنهم كانوا يتعايشون مع العرب والمسلمين تعايشاً مسالماً ومتآخياً، فلماذا إذن هذا الوعي الشقي الذي يتحكم في عقل بعض المفكرين اليهود، إلى درجة طمس الحقائق؟! ومع هذا كله، فإن اينشتاين، لم يكن منغلقاً ومتمحوراً حول ذاته العقائدية أو العرقية، بل كان من المطالبين بالحوار الحر، غير الخاضع لقيود رجال السياسة وغيرهم من الذين لا ترتبط مقاصدهم بالسلم والتواصل الصحيح والحقيقي، ومن ثم كانت دعوته للتحاور مع الفلسطينيين بأسلوب غير محكوم أو متأثر بخلفيات ومرجعيات ذات أحكام مسبقة، بل في صورة حوار حكماء، عقلاء، همهم الوحيد التوصل إلى حل يتم التشاور فيه إلى أن يصل إلى مستوى النضج والقبول من كلا الطرفين. أما بخصوص الفصل الخامس والأخير، فقد أفرده اينشتاين لنظريته حول النسبية، وفيه قدم توضيحات من خلال عدة أمثلة لهذه النظرية، التي شكلت إبداعه المعرفي. ضعف الحياة يتبدى في الغنى والمجد والترف وكلها أشياء أمقتها الحياة عديمة المعنى بدون الخير والجمال والحقيقة يقول ألبرت اينشتاين: «يشعرني وضعي الإنساني بالافتتان، فأنا أعرف أن وجودي محدود، وأجهل لماذا أتواجد فوق كوكب الأرض، لكنني أستشعر السبب في بعض الأحيان. ومن خلال تجربتي في الحياة اليومية، المتسمة بملموسيتها وبحدسيتها، أكتشف نفسي حيا بالنسبة للآخرين، ذلك أن ابتسامتهم وسعادتهم تقيد حياتي بشروط معينة، كما أني بصفتي حيا بالنسبة لبقية الناس، اكتشفت بالصدفة تشابه انفعالاتهم بانفعالاتي. كل يوم وللعديد من المرات، أشعر أن حياتي، جسداً وروحاً، مرهونة كلية بعمل الأحياء كما الأموات. فأنا أود أن أعطي بقدر ما آخذ وما زلت، فينتابني إحساس بالارتياح تجاه وحدتي، ويتولد لدي تقريبا إحساس بالخطأ إذا ما اشترطت أي شيء على الآخرين. إني أرى الناس يختلفون من حيث الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها، وهذه الانتماءات على حد علمي، ليس لها ما يبررها اللهم إلا العنف، وأتصور أن حياة بسيطة وطبيعية، هي ما يأمله الجميع، وهي في متناولهم. يستعصي علي الإيمان بالحرية لهذا المفهوم الفلسفي، إذ لست حراً، وإنما أنا مقيد أحياناً بضغوطات غريبة عني، وأحيانا أخرى بقناعات شخصية. خلال فترة شبابي، أثرت في شخصي حكمة لشوبنهاور: «أكيد أن الإنسان بمقدوره أن يفعل ما يريد، لكن ليس باستطاعته أن يرغب فيما يريد». واليوم، في مواجهة المشهد المرعب للظلم الإنساني، فإن هذه العبرة تمنحني الهدوء وتريبني، إذ أتعلم كيف أتقبل ما هو سبب في معاناتي، وبالتالي أستطيع أن أتحمل بشكل أفضل إحساسي بالمسؤولية، فلا أرزح تحت وطأة المعاناة، وأكف عن النظر إلى نفسي وإلى الآخرين. بمزيد من الجدية. عندئذ، أرى العالم بروح من الدعابة، حيث لا أستطيع الانشغال بمعنى أو بهدف وجودي، أو هدف وجود الآخرين، ذلك أنه من وجهة نظر موضوعية، وبصفة قطعية، يبدو ذلك ضربا من اللامعقول. ومع ذلك، فبصفتي إنساناً، هنالك بعض المثل التي تتحكم في انفعالي وتوجه أحكامي، لأنني لم أعتبر أبداً المتعة والسعادة كغاية في حد ذاتهما، وأترك هذا النوع من الاستمتاع للأفراد الذين يحصرون حياتهم في غرائز الجماعة. وبالمقابل هناك مثل أثارت مجهوداتي ومكنتني من أن أحيا، وهي الخير والجمال والحقيقة، وإذا لم أشعر بذاتي منسجمة مع أحاسيس شبيهة بتلك التي تتملكني، وإذا لم أعاند من دون هوادة في تقفي أثر هذه المثل التي تبقى بعيدة أبداً عن المتناول في مجالي الفن والعلم، فإن الحياة عديمة المعنى بالنسبة لي. والحال أن البشرية تبدي ضعفاً بغايات مثيرة للسخرية، وهي الغنى والمجد والترف، وكلها أشياء أمقتها منذ كنت شاباً».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©