الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشايكوفسكي.. الحياة تتنوع كالموسيقى والأسرار هي المبدعة الأولى

تشايكوفسكي.. الحياة تتنوع كالموسيقى والأسرار هي المبدعة الأولى
3 سبتمبر 2009 02:21
هل ثمة ارتباط بين الموسيقى والأدب، هل هما عالمان مختلفان أم أنهما يصبان في نهر واحد هو نهر الإبداع واللذة اللا محسوسة. منذ فجر التاريخ كان الإنسان يسمع الأصوات فيطرب لها، كان يسمع الكلمات أيضاً فيتماهى في التغني بها، كان يطلق أصواتاً بل يصنعها حتى أنه اهتدى إلى الموسيقى. كل ذلك قاده إلى أن يصنع آلاته وأن يجوِّد بها، ويتفنن في روحها الحزينة، المفرحة، الصادمة، الرقيقة، حتى تراه قد اكتشف المئات من الآلات الموسيقية التي ظلت بعضها أسيرة الجماعات والشعوب ضمن موروثها الفني بينما خرجت الأخرى من «عذريتها الجغرافية» لتصبح جزءاً من التراث الإنساني، تعزف عليها شعوب الأرض جميعها حتى لتحسبها منتمية لمن يجيد العزف عليها. وصلت الموسيقى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الى أروع مجدها بما يطلق عليها اليوم بالموسيقى الكلاسيكية، إذ ألفت فيها روائع الإنسانية الكبرى وظهر من أقصى الغرب والشرق موسيقيون عظماء، استطاعوا أن يقدموا للبشرية منجزاً إبداعياً لا يضاهى. الموسيقى الكلاسيكية لم تعرف غرباً ولا شرقاً، إنما عرفت المبدع الذي استطاع أن يلونها وينهل من روحها الباذخة، ظهر بيتهوفن وموزارت وباخ وفيفالدي من غرب الأرض وظهر كورساكوف وتشايكوفسكي من شرق الأرض، فتعانق الشرق والغرب فوق موجة من اللحن البارع والفن الراقي. وربما يأتي اختيارنا لتشايكوفسكي بسب كتاب صدر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بعنوان «تشايكوفسكي.. سيرة ذاتية» للمؤلفة الروسية الكسندرا أورلوفا وهو من ترجمة سمير علي ومراجعة سلطان الخطيب. يقول تشايكوفسكي صاحب «كسارة البندق» و»بحيرة البجع»: «إن الاهتمام بموسيقاي سيثير الاهتمام بي شخصياً، وهي فكرة شديدة الوطأة، أعني فكرة أن القوم في يوم ما سيحاولون سبر العالم الخصوصي لأفكاري ومشاعري وكل شيء حرصت على إخفائه طوال حياتي لهي محزنة وغير سارة». ولكن ما الذي أخفاه تشايكوفسكي من حياته عن الآخرين ولم يرد أن يعرف مطلقاً. رحلة العمر ولد تشايكوفسكي 1840 في مدينة فوتكنسك في مقاطعة فياتكا، والأمر الوحيد الذي يعرفه أن جده لأبيه كان طبيباً وعاش في مقاطعة فياتكا. انحدر ايليا بتروفيتش تشايكوفسكي الأب من عائلة فقيرة من طبقة بلا أرض، وبعد تخرجه من كلية المناجم وهي الآن معهد بليخاتوف للتعدين عاد إليها مدرساً لسنوات عديدة لافتاً الانتباه إلى قابليته ليكون معلماً وإدارياً في الوقت نفسه، وفي عام 1827 أصبح مديراً للمصنع في فوتكنسك وهو منصب أدى إلى تحسينات عظيمة في ظروفه المالية. أما بيتر إليتش تشايكوفسكي الابن (7 مايو 1840 – 6 نوفمبر 1893)، فقد كان مؤلفا موسيقيا روسيا ويعد بطل تطور الموسيقى الروسية الحديثة. حتى السابعة من عمره كان مرتبطا بمربيته الفرنسية، وعندما بلغ السابعة بدأ دروسا منتظمة في عزف البيانو لمدة 3 سنوات رحلت بعدها العائلة الى مدينة بطرسبورج «لينينجراد»، وهناك تولاه الموسيقي الكبير فيليبوف الذي وجد فيه تلميذا جديا ولكنه غير معجزة ولا خارق للعادة، وفي نفس الوقت الحقه أبوه بالمرحلة الابتدائية بمدرسة القانون، التي دخلها في سانت بطرسبرج، والتي تخرج منها بعد 9 سنوات (1859) ليعمل كاتبا من الدرجة الأولى بوزارة العدل. كانت الموسيقى هي اقرب الأشياء إليه، ولكنه لم يكن حتى هذه المرحلة من حياته قد حقق شيئا في مجالها إلا أنه عندما بلغ العشرين بدأ يرتجل الحانا جميلة لإرضاء نزعات التأليف التي تفجرت فجأة، كما ألف العديد من رقصات البولكا والفالس. وفي خريف 1861 بدأ لأول مرة في دراسة نظريات التأليف الموسيقي بالفصول الموسيقية «كونسرفتوار». عندما بلغ الثالثة والعشرين 1863 كانت الموسيقى تأخذ كل وقته وفكره وكيانه، فاستقال من وظيفته وواجه حياته الجديدة كموسيقي محترف. ثم اتجه إلى دراسة الموسيقى في معهد الموسيقى بسانت بطرسبرج من عام 1862 إلى 1865م. ماتت أمه بوباء الكوليرا، وفقد أبوه ثروته ولم يستطع تقديم أي معونة لابنه سوى الاقامة المجانية، فاضطر تشايكوفسكي الى اعطاء دروس خاصة. تخرج تشايكوفسكي من الكونسرفتوار في 1865، وكان العمل الذي قدمه في الامتحان النهائي هو تلحين «نشيد السعادة « للشاعر الألماني شيلر وهو النشيد الذي لحنه بتهوفن في ختام سيمفونيته التاسعة (الكورالية). بعد عامين من سفره لتدريس مادة الهارموني في كونسرفتوار موسكو كتب ثلاثة أعمال كبيرة اهمها: سيفونيته الأولى «أحلام الشتاء»، كما كتب يومياته التي نعرف منها انه كان يعاني من اضطرابات عصبية بسبب أزمات نفسية. وكان مصدر راحته هو العزلة والهروب الى الريف والهدوء. وفي صيف 1868 التقى بزملائه الخمسة الكبار وهم المؤلفون القوميون الروس الذين كانوا يدعون الى حركة قومية في الموسيقى وكان منهم المؤلف رميسكي كورساكوف وبالاكرييف. وفي سيموفينيته الثانية استعان بألحان شعبية أوكرانية، كما استعان بهذه الألحان في القصيد السيمفوني روميو وجوليت والتي أهداها الى بالاكرييف. وهذا العام 1868 شهد أيضا أول علاقة عاطفية لتشايكوفسكي، وكان ذلك مع نجمة الأوبرا الأولى في ذاك الوقت «ديزيريه ارتو» وكانت تكبره بـ 5 سنين وتعلقت به بشكل غير طبيعي، ولكن تشايكوفسكي تعلل بأنه يخشى على حياته الموسيقية من الزواج، وتزوجت بعد ذلك بعام. واصل تشايكوفسكي العمل وكتب الكثير من روائعه واهمها كونشيرتو البيانو رقم 1 وفي عام 1875 أحس تشايكوفسكي بالتشاؤم والاكتئاب الشديد ثم انهار عصبيا واضطر للسفر الى فيشي بفرنسا للعلاج، ومما زاد في تشاؤمه أن أعماله لم تلق أي نجاح في مختلف العواصم الأوربية. كان تشايكوفسكي أول الموسيقيين الذين تلقوا تدريبا منظما في أساسيات الموسيقى وفي السادسة والعشرين من عمره عُين أستاذا لتدريس الموسيقى في «معهد موسكو للموسيقى» من عام 1866 وحتى عام 1877 م. كانت بدايته الجدية في التأليف في حوالي عام 1866م، تطورت أحاسيسه وانفعالاته في هذه الأثناء خلال فترات طويلة من الإحباط النفسي، ومن المثير للعجب أنه قد ألف بعضا من أكثر مقطوعاته الموسيقية بهجة خلال هذه الفترة. ومن بين الأماكن التي أقام فيها تشايكوفسكي منزل له في بلدة كلين التي تبعد 85 كيلومترا شمال موسكو. هذا المنزل تحول حاليا إلى متحف يزوره الآلاف سنويا، ففي 2008 زار المنزل 86 ألف زائر. اشترت أرملة ثرية اسمها «نادزدا فون مك» الحقوق الأدبية المتعلقة ببعض أعمال تشايوفسكي العام 1876، بعد أن أعجبت بموسيقاه ووافقت على تقديم الدعم والمساندة له، حتى يتوفر له الجو المناسب للتأليف الموسيقي، وقد وفر له ذلك دخلا مضمونا مما جعله يتخلص من معهد موسكو للموسيقى، مركزا جهده على التأليف الموسيقي. قام بجولات كثيرة وشارك في افتتاح قاعة كارنيجي في مدينة نيويورك، وقد توفي بمدينة سان بيترسبورغ بروسيا. غناء الأم تشايكوفسكي كان مغرماً بغناء أمه، فقد ظل يتذكر طوال حياته غناءها وحين امتلك الصبي الموسيقي آرغن آلي «أوركستريون» بدأ يعزف أحب الأعمال إليه وهي «دون جيوفاني» لموزارت ومقاطع من أوبرات فيبسر وبيليني ودينيزتي وروسيني. كان تشايكوفسكي يؤمن بالطموح والشهرة ومن عواقبهما معاً، وقد كتب عن أثر هذا الاهتمام في عام 1886 ما نصه: «من المحتمل أن الناس سيهتمون بعد وفاتي بعض الاهتمام لمعرفة ما أفضله في الموسيقى وما أتحيز ضده، ويعزز هذا الاحتمال أنني نادراً ما عبرت عن آرائي هذه في أحاديثي الخاصة». سجل تشايكوفسكي آراءه في بيتهوفن وموزارت وغنلكاو ودارغوميزسكي، لقد قدم روميو وجوليت وتاتيانا بشكل رائع، وصور حكاية الأطفال البسيطة في «كسارة البندق» حيث خلق في مخيلته تلك الصور الهمجية عن مملكة الفئران أما تلك الرقصة في ثيمة الأميرة اورورا فتعد من الروائع العالمية. ترك تشايكوفسكي عدداً هائلاً من الرسائل تصل إلى الآلاف ولا يمكن للقارئ أن يغرق في هذا البحر من الكلمات، لذا كان لابد من تنقيحها وإخراجها على شكل سيري. إن رسائل تشايكوفسكي مليئة بتفاهات الحياة اليومية وشؤون العمل وقضايا محض عملية وثمة تكرارات كثيرة للمعلومة نفسها حين توجه إلى اناس مختلفين، لذا كان لابد لها من أن تعمل لإقصاء الكثير وإبقاء ما يستحق ليكون مسيرة كما تصفها الكسندرا كاتبة سيرته. كان تشايكوفسكي يشعر بالعزلة دوماً، لذا نجد جذوراً عميقة نفسانية وبدنية لوجهة نظره الشديدة الذاتية والمأساوية تجاه العالم، ولعدم انسجامه الروحي، ومن دون معرفة هذا المظهر من حياة تشايكوفسكي فإن من المستحيل تعقب مصدر ذلك العذاب الهائل من البحث عن سعادة متعذرة النيل. لقد عانى من حب متبادل لزميلة له في المدرسة مما انعكس كل ذلك على نصه «روميو وجوليت»، كما كتب أخوه مودست تشايكوفسكي، وكأن أعمال تشايكوفسكي الموسيقي الرائع تكشف نفسها من خلال معاناة حياته العقلية والإنسانية ذاتها، كما قال هو نفسه: هل عرفت حباً لا افلاطونياً، فإذا وضعت السؤال بصيغة مختلفة وسألنا ما إذا كنت قد عرفت السعادة التامة في الحب فإن الجواب هو لا ولا ولا ثالثة. لكن السؤال تجيب عنه موسيقاي. أما بخصوص ما إذا كنت أعرف القوة الكاملة، القوة التي تعذر سبرها في هذا الشعور فأجيب أجل وأجل وأجل ثالثة. وسأقولها ثانية إن جهودي المتكررة في التعبير في موسيقاي عن العذاب، وعن النعمة في الحب في الوقت نفسه هي جهود بذلتها بحب». وربما هذا يتطابق مع ما قاله ليو تولستوي الروائي الروسي صاحب الرواية الكبرى «الحرب والسلام» حين ذكر «أن الفن مجهر يجربه الفنان على أسرار روحه وهو الذي يظهر تلك الأسرار المشتركة للقوم الآخرين». وبينما يقول بوشكين عن تشايكوفسكي «إن لديه أسلوباً تراسليا» كان تشايكوفسكي يحب القراءة والكتابة والدردشة مع الأصدقاء والتراسل. إلا أن أكثر الرسائل قوة موجهة الى أخويه المفضلين التوأمين أناتولي ومودست، فهو يكشف لهما عن أكثر الأسرار حميمية في قلبه. لقد نبذ موسيقى موسورغسكي في إطار فهمه الجمالي للموسيقى. ومما يعرف عن حبه للأدب، كان يحب الشاعر الروسي بوشكين الذي استمد من أعماله أوبرات ثلاث وهي يوجين أونجين ومازيبا وملكة البستوني، كما وفرت قصة «عشية عيد الميلاد» للقاص الروسي جوجول موضوعاً لواحدة من ألمع أوبراته وهي تشيريفنشكي «فاكولا الحداد في صيغتها الأولى». أما الأدب الأجنبي غير الروسي فقد حفز تشايكوفسكي من مثل دانتي وشيلر وشكسبير وبايرون. لقد أبدع «العاصفة» و»روميو وجوليت» و»هاملت» لشكسبير موسيقياً وقرأ تاكري وتشارلز ديكنز، بينما ظل تولستوي المفضل لديه. فبصيرة تولستوي السيكولوجية وحبه وعاطفته للبشر هما ما يكشف عنهما تشايكوفسكي. رحلة الإبداع يعد تشايكوفسكي من أوائل الموسيقيين الروس الذين اشتهروا عالميا، فقد كان متمكنا من تنسيق الفرقة الموسيقية (الأوركسترا) بمقدرة فذة من مزج أصوات الآلات الموسيقية المختلفة بخلق الأثر الموسيقي المتنامي، وكانت له أيضا موهبة خاصة في كتابة المقطوعات الغنائية. وصف تشايوفسكي بأنه مؤلف الموسيقى التي يغلب عليها الحزن، ومن أهم أعماله: السيمفونيات الثلاث الأولى والتي نادرا ما تؤدي في الوقت الحاضر، وتعد سيمفونيته الرابعة أولى روائعه على النمط السيمفوني، أما الخامسة فهي الأجمل من حيث التركيب المنظم. وتضم قائمة أعماله أيضاً: الكابريشيو الإيطالي، نتكراكر سويت، كونشرتو للبيانو، الأوركسترا رقم 1، بحيرة البجع، الجمال النائم، العاصفة، مانفريد، روميو وجولييت، هاملت، فرلاانشكا داريمني، والرباعية الوترية الثالثة. ? الكتاب: تشايوفسكي ? المؤلف: ألكسندرا أورلوفا ? الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©