الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عروض قرطاج المسرحية ضاعت بين إخفاق المخرجين وحفلات المطربين

عروض قرطاج المسرحية ضاعت بين إخفاق المخرجين وحفلات المطربين
3 سبتمبر 2009 02:22
أصبح تقليديّا في مهرجان «قرطاج» الدّولي بأن يكون حفل الافتتاح بإنتاج تونسيّ تتكفّل وزارة الثّقافة بكلّ ميزانيّته، ولأنّ هذا العام تحتفل تونس بمرور مائة عام على ولادة الشّاعر أبوالقاسم الشابيّ، تقرّر أن يكون حفل افتتاح الدّورة 45 لمهرجان قرطاج بعرض لتكريم هذا الشّاعر الفذ، وجاء العرض بعنوان: «الصّباح الجديد»، (وهو عنوان قصيدة من قصائد الشّابيّ) عاديّا، ولم يكن مبهرا أو متميّزا رغم أنّ وزارة الثقافة والمحافظة على التراث خصّصت له ميزانيّة هامّة. الطيب بشير قدّم مخرج عرض»الصباح الجديد» لوحات متتالية مستوحاة من حياة الشاعر أبوالقاسم الشّابيّ وقصائده، وتمّ المزج بين التّمثيل وغناء قصائد الشّابيّ، ولكنّ هذه المراوحة لم تكن موفّقة، ثمّ إنّ الألحان جاءت هجينة ولم ترتق إلى مستوى قصائد الشّابيّ الّتي لحّن البعض منها (ارادة الحياة) عباقرة الموسيقى العربيّة على غرار رياض السّنباطي وحليم الرّومي، أمّا ألحان رشيد يدعس فقد جاءت غير منسجمة وغير متماشية مع قصائد الشّابيّ. اللوحات التي احتواها عرض «الصباح الجديد» تسع كل منها تحمل اسماً ولها معنى مرتبط بمرحلة من حياة الشاعر القصيرة، كانت هناك لوحة استعراضية تروي علاقة الشّابيّ بالمرأة، وأخرى عن الشّابي والحياة، ثم الشّابيّ والحركة الوطنيّة. وعلى غرار حفل افتتاح مهرجان قرطاج فإنّ حفل افتتاح مهرجان مدينة «الحمّامات» (50 كلم جنوب تونس العاصمة) أثار جدلا هو الآخر فقد تمّ تكليف المخرج المسرحي المعروف توفيق الجبالي- احتفالا بمئويّة الأديب علي الدّوعاجيّ - بإعداد مسرحيّة تكريما له. انطلق المخرج من نصوص أدبيّة للأديب سعيا إلى تجسيدها في مشاهد مسرحية ولوحات استعراضية، ولكنّ النّتيجة جاءت مخيّبة للآمال، فأكثر من حضر العرض من الجمهور وجده غامضا وخرج منه ولم تزد معرفته بالأديب، أو بمواقفه وسيرته، فتوفيق الجبالي المعروف بأنّه مسرحيّ نخبويّ أنجز عملا وفق مقاييسه دون الأخذ في الاعتبار ذائقة الجمهور الّذي يتّجه له العمل الفني. فمدوّنة علي الدّوعاجي مدوّنة ثريّة، وقصصه وكتبه تعكس معاناته الفكريّة والذاتيّة، ولم يظهر كلّ ذلك في العرض المسرحيّ الّذي جاء غامضا تغلب عليه الرّمزيّة وأجمع النقاد على القول إن المخرج اسقط على العرض أيديولوجيته المستمدّة من الحاضر، ووقع التّركيز بشكل مبالغ فيه على علاقة الدّوعاجي بالمرأة مع اهمال جوانب اخرى كثيرة من حياة الأديب وأفكاره ومواقفه. لقد صنع المخرج توفيق الجبالي بعرضه»جدارا» بين الأديب علي الدّوعاجي الشّخصيّة الأدبيّة وبين عموم الجمهور الّذي خرج من العرض دون أن يرتوي من شخصية سمع عنها ولا يعرفها، والغريب أنّ توفيق الجبالي كان ـ ومنذ سنوات ـ يكرّر التّصريح تلو الآخر منتقدا المهرجانات الصّيفيّة ومعلنا بأنّه لن يشارك فيها، ولكنّه ودون شرح لتبرير موقفه انصهر في المنظومة الصّيفيّة، والمؤكّد أنّ عنصر «المال» كان محدّدا فالميزانيّة ضخمة ومغرية، ولو كان العرض في مستوى الميزانيّة المخصّصة له لهان الأمر، ولكنّ الميزان كان مختلاّ بين المبلغ الكبير الّذي دفعته الوزارة وبين النّتيجة. فشل متكرر الغريب أن المخرجين التونسيين الكبار والمشهود لهم بالكفاءة والبحث والابتكار غالبا ما يفشلون عندما يقع تكليفهم بإعداد عرض خاص بمهرجان «قرطاج» او مهرجان «الحمامات»، وهذا ما حصل في دورة سابقة، فقد تجرأ الفاضل الجزيري، وهو في الأصل ممثل ورجل مسرح، بالتصرف في ألحان اشهر أغاني التراث التونسي مما افقدها رونقها وأصالتها، حتى أن المايسترو الراحل عبد الحميد بلعلجية الذي يعد مرجعا في الموسيقى التونسية لم يتردد في وصف عرض الفاضل الجزيري وقتها بأنه «مسخ للتراث بدعوى التطوير»، وذهب الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي والفني الى حد القول ان ما قام به فاضل الجزيري هو «عبث». واعتبر نقاد كثيرون ما قام به فاضل الجزيري قطيعة مع التراث ومسخا له وليس تجديدا أو إضافة . والجزيري صنع الحدث الفني في عديد المناسبات سواء عند إخراجه لعرض «النوبة» الضخم الذي قدم فيه في شكل فرجوي مبهر مختارات من الأغاني الشعبية التونسية أو في عرض « الحضرة» الذي خصّصه للفن الصوفي واناشيد الذكر، ولكنه تطاول على المدّونة الموسيقية الأصيلة وتجاوز الحد المسموح به في التطوير والتجديد الى درجة قد تتصدع فيها الهوية الموسيقية التونسية. عرض لمرة واحدة الملفت أنّ مثل هذه العروض الّتي تعد خصيصا لافتتاح مهرجاني قرطاج والحمامات تنفق عليها مبالغ كبيرة لا تعرض إلاّ مرّة واحدة، وإذا حصل استثناء فمرّتين، ثمّ يقبر المشروع إلى الأبد... والرّابح الأكبر هو من ينجز مثل هذه الأعمال، وغالبا ما يتعلّل منجزوها بضيق الوقت لتبرير النّقائص الكثيرة. فمنذ سنوات والجمهور التّونسيّ ينتظر عرضا مبهرا متميّزا في حفل افتتاح مهرجان قرطاج بلا فائدة، علما وانه عند انطلاق أولى دورات مهرجان «قرطاج»منذ 45 عاما، كان حفل الافتتاح يتمّ دائما بمسرحيّة تونسيّة يتمّ إعدادها خصّيصا للمهرجان، ورغم الميزانيّة المحدودة وقتها إلاّ أنّ تلك المسرحيّات الّتي كانت كلّها باللّغة العربيّة الفصحى كانت مبهرة في نصّها وتمثيلها وإخراجها. ومع تتالي الأعوام تغيّرت العادات، وكلّ مدير جديد للمهرجان يأتي بتصوّره الشّخصيّ وأحيانا يوفّق وأحيانا يخفق، وصارت الحفلات الغنائيّة هي الطّاغية وغابت المسرحيات الراقية، حتى أن رؤوف بن عمر المدير الفني سابقا لمهرجان قرطاج الدولي اعلن صراحة انه «لا مكان في مهرجان قرطاج لفناني عروض الأزياء» وهو وإن لم يذكر أحدأ بالاسم فهو يعني بلا شك نانسي عجرم وهيفاء وهبي وأمل حجازي واليسا وكلهن غنين في قرطاج مما دفع البعض الى إطلاق صيحة فزع على مهرجان قرطاج العريق، الذي كان دائما بوابة لمنح الكثير من الفنانين العرب تأشيرة النجومية في الوطن العربي بأكمله، وهو ما تعترف به ماجدة الرومي، ووليد توفيق وغيرهما كثير. ولا شك أن لتعاقد مهرجان «قرطاج» مع» روتانا» مبرّرات ماليّة، فقد حصل اتّفاق «تدفع هذه الأخيرة بموجبه مبلغا ماليّا معيّنا مقابل أن تبثّ ـ حصريّا ـ حفلات غنائيّة لنجوم عرب من اختيارها، ولأنّ «روتانا» لها اختيارات تجاريّة فقد رشّحت مطربات عربيّات، ولمّا وصل الحدّ إلى أن اعتلت هيفاء وهبيّ وشبيهاتها مسرح قرطاج تعالت أصوات تونسيّة مستنكرة، وذهب البعض إلى حدّ القول إنّ «روتانا» اشترت «قرطاج»، وككلّ عام فإنّ أصوات الفنّانين التّونسيين ترتفع مستنكرة لغلبة عدد الحفلات الشّرقيّة (مصريّة ولبنانيّة أساسا) على حفلات المطربين التّونسيين، وقد استجابت إدارة المهرجان في هذه الدّورة لطلبهم وخصصت لهم نسبة هامة من العروض، ولكن الإشكال يتمثّل في أنّ الجمهور التّونسيّ لا يقبل على حفلات الفنّانين التّونسيين إلا في حالات نادرة (صابر الرباعي أو لطفي بوشناق) حتّى أنّ البعض من المطربين التونسيين غنّوا في دورات سابقة أمام عدد لا يتجاوز العشرات في مسرح يتّسع لعشرة ألف متفرّج على الأقل، أمّا إذا كانت المطربة لبنانيّة أو مصريّة، فالمسرح يكون ممتلئا واحيانا تباع تذاكر الدخول في السوق السوداء بأضعاف أثمانها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©