السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقنية القصّْ توقظ اللغة لتبوح بـ «رغبات الروح المجنونة»

تقنية القصّْ توقظ اللغة لتبوح بـ «رغبات الروح المجنونة»
3 سبتمبر 2009 02:23
ضمن إصدارات اتحاد كتاب المغرب والتي تدعّمها ماديا دائرة الثقافة والإعلام في عجمان، أطل علينا القاص المغربي محمد الدغمومي بمجموعته القصصية الجديدة التي تضمنت عدداً من القصص توزعت على 143 صفحة من الحجم المتوسط. قصص الدغمومي في هذه المجموعة تتميز بطولها الملحوظ، مما يعكس النفس الروائي لكاتبها، وهو صاحب أكثر من رواية منها: «جزيرة الحكمة» و»بحر الظلمات»، وبلغتها السلسة المنسابة. وهي قصص أغلبها يعتمد الحكي وتحتفظ بالأحداث تبعا لانسياب يحترم منطق الزمن التراتبي، كما أن كاتبها ينهل من التاريخ الشفوي والحكاية الشعبية. وتتعدد موضوعات القاص بتعدد القصص وتعدد المواقف والأبطال، وتتنوع أبطال قصصه بتنوع انتمائها الجنسي (ذكر وأنثى) وبحسب اختلاف أعمارها، وتنقسم تيماتها إلى صنفين: ما هو ذاتي يروم تعرية الرغبات الدفينة «رغبات مجنونة» والرغبات الداخلية ونوازعها وهواجسها، وما هو موضوعي يكشف وينطق بالهم الجمعي والمشترك داخل فضاء المدينة بأمكنتها المتناقضة وناسها البسطاء والضعفاء أمام جبروت الواقع والحياة. كما نلاحظ سخرية القاص من قضايا الزمن الحديث وقاماته الفكرية والفلسفية حيث يقول في «حماقات سي فرويد» مزاوجا بسخرية بالغة بين عمل وشعوذة الفقيه وتحليل فرويد: «حين أراد فرويد أن يكتب قصة، لم يجد بدا من استعمال ضمير المتكلم، ومن ثم وجد نفسه يتقمص شخصية يعرف، هو على الأقل، أنها ليست شخصيته: حين استدرت الى الخلف رأيتهما خلفي يتبعاني، حين توقفت توقفا أيضا، ولم يكن أحدهما يشبه الآخر، لقد كان واضحا أن أحدهما بطول قامتي، والآخر بقامة رجلين أو أكثر. لم أرد أن أعيرهما انتباهاً. فتحركت يسارا، فظهرا يمينا، وسرت يمينا فاعترضا طريقي يسارا، وتبادلا المواقع أكثر من مرة. خطرت لي فكرة مسابقتهما عدوا حتى أعرف إن كان أحدهما ظلا لي أنا، فلا يعقل أن يكون لي ظلان مختلفان في وقت واحد. وهذا معناه أن أحد الظلين – وربما كلاهما – عدو يترصدني تحت أضواء المصابيح الباهتة الخافتة، لكني راجعت نفسي، ولم أصدق أن يكون لي عدو.. اللهم إذا كنت عدوا لنفسي أنا.. استدرت إلى الخلف ثانية، فوجدت أربعة ظلال اختلط بعضها ببعض والتقت عند موطئ قدمي أنا. قلت هذه المرة، لا بد أن ما يحدث مزاح.!! فمن يمزح معي؟.. وتعمدت أن أدندن، ثم أن أغني.. لكن الظلال جميعها لم يصدر عنها صوت. ضحكت فلم تضحك. قلت إذن هذه لعبة تلعبها مصابيح الشارع وهي غارقة في عتمة السماء. رفعت عيني إلى المصابيح، شعرت بالحزن، نصحت نفسي بالحكمة والتعقل، فليس سهلا أن يتخلص المرء من الظلال التي تطارده بالهرب. لكن هل أستطيع قطع المسافة إلى المقهى جريا، وهي بعد بضع خطوات! لو فعلت هذا لقلت إني مجنون حقا. ومن سيراني سيضحك..! حقا إنه شيء يبعث على الضحك أن ترى رجلا يسير متمهلا ومكتئبا وبغتة ينشغل بظله أو ظلاله ثم فجأة يهرول نحو المقهى ليقطع خطوات ويجلس.. هكذا قررت أن أحافظ على وقاري بقطع بقية المسافة متمهلاً واستخلاص حكمة لم تخطر على البال: أن الشمس في أشد حالات قوتها لا تمنح غير ظل واحد. أما المصابيح الباهتة فهي لا تبخل عليك بالظلال.. يا لها من مفارقة محزنة.!!» كما نلاحظ في هذه المجموعة أن السارد يقطع النص ويُشذِّره من أجل استعادة أنفاسه، ومن أجل ترتيب تناوبات عملية الحكي التي تطول في بعض القصص منها على سبيل المثال قصة «القتل». وهي تبرز اشتغال الكتابة بذاتها كما لمسنا ذلك في قصة «هموم ربع كاتب». يكشف الدغمومي في عمله هذا تفاصيل اليومي، كما يهتم بشمال المغرب وتاريخ الأندلس حيث يستغل كلمات: المورو، غرناطة، والرموز الإسلامية لتلك المنطقة، كما نراه يستحضر التاريخ في شخص الأمير محمد الصغير، كما لا يهمل الكاتب كشف الصراع الحضاري مع الآخر. نرى في نصوصه عناصر وأسماء تتقاطع حياتهم مع حياة أبطال قصصه منهم: ميمون اليهودي، مانويلا، المورسكيون، حانة رامون، كما عمد الكاتب الى استحضار بعض الكتاب مثل خورخي لويس بورخيس الذي حظي بقصة في المجموعة بعنوان: «عين بورخيس»، وهي قصة موحية وملأى بالرموز وتجري أحداثها في عالم فانتازي. إن محمد الدغمومي عمل في جل قصصه في هذه المجموعة على استنفار الحواس، وإيقاظ اللغة لتعطي صورا وإيحاءات جميلة للمتلقي، رغم ما تخللها من أخطاء مطبعية لا دخل للكاتب فيها، كما تبلور المنجز الإبداعي للدغمومي الذي يستحق المتابعة النقدية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©