الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كباريه...!

كباريه...!
22 مارس 2013 21:10
عندما ترى الأفلام العربية القديمة «أبيض وأسود»، تشعر بأن الكباريه مكان مهم جدًا للإنسان. لا بد من الذهاب للكباريه ليلاً كنشاط بشري طبيعي. يجب هنا التفرقة بين الكباريه والتياترو والخمارة.. التياترو كما يدل الاسم هو مكان أقرب للمسرح الذي تقام عليه الاستعراضات. بما أن معظم الناس لا يقدرون على ارتياد تياترو حقيقي، فإن أفضل طريقة هي أن تأتي لهم بالتياترو إلى السينما.. هكذا يكون الفيلم استعراضيًا غنائيًا حافلاً. الخمارة مكان غير أنيق يجلس فيه اللصوص خلف زجاجات «النبيت» المنتفخة المغلفة بالقش، ويطلقون عليها اسم «فياسكات». بعد انتهاء الرقصة يهشمون هذه الفياسكات فوق رؤوس بعضهم. لم أر أي كباريه في حياتي ولا أعتقد أنني سأفعل. هناك تجمع لا بأس به من الكباريهات في شارع الهرم على ما أعتقد، لكن لم أر مكاناً يستعمل لفظة «كباريه»، إنما هم يسمون المكان «كازينو» أو «ناد ليلي». هناك كذلك الكباريه السياسي الذي قدمه الفنان الراحل فايز حلاوة، ولا يحمل سوى تشابه الاسم مع كباريه الأفلام. هناك يذهب بطل الفيلم ليشرب كل شيء في البار عندما تتخلى عنه حبيبته. هناك أنماط إجبارية.. لا بد من ستيفان روستي يدخن السيجار ويراقب الصالة من مكان خفي، وعيناه على الزبائن الأغنياء.. ثم يصدر أمره لفتاة من فتيات الصالة كي تقصد هذه المائدة أو تلك لأن من يجلس عليها ثري ريفي أبله مولع بالنساء. تذهب هناك وتجلس مع الثري وتطلب منه أن يدعوها لكأس يا «حبيبي». هذه فرصة ممتازة لروستي كي يقول عباراته التي يحفظها الناس مثل «الكونياك مشروب الفتاة المهذبة».. «حا تحزم وآجي».. «اليوم ده باين من أوله». في تلك الأيام السعيدة كان ستيفان روستي يخطط ويرسم الألاعيب من أجل رجل ثري يملك خمسة آلاف جنيه. لو كان مدير الكباريه مسالماً وديعاً فهو من طراز حسن فايق الذي لا يكف عن تكرار: «كونتراتو .. كونتراتو .. كونتراتو». لأن أداء البطل أو البطلة أثار ذهوله. كل الأرمن الذين دخلوا مصر يوماً تم استغلالهم في دور «البارمان».. هذا هو الاستغلال الوحيد للغربيين في السينما المصرية. هناك كذلك موائد يجلس عليها الحرامية.. وهم حرامية جداً جداً، وفي الأفلام القديمة كانوا يلبسون فانلات مخططة بالعرض. لا تعرف ما يسرقون ولا ما يدبرون له، لكنهم على الأرجح لا يسرقون إلا لشراء المواد الكحولية التي يشربونها طيلة الفيلم. هناك الفتاة البريئة المرغمة على مجالسة الزبائن؛ لأن أمها بحاجة إلى دواء. هنا يمضي ستيفان روستي أسعد أوقاته لأن تعذيب هذه الفتاة يناسبه جدًا. هناك امرأة أخرى مع ستيفان روستي هي امرأة خبيثة شريرة تنتمي لنوعه. إن التفاهم بينهما ممتاز، وهي قادرة على تعذيب البطلة البريئة أكثر منه بمراحل. ثم تظلم الأضواء، ويبقى ضوء خافت يلاحق راقصة شرقية.. هنا نلاحظ ظاهرة غريبة تميز الكباريه.. لا شيء يحدث أثناء الرقصة أبدًا.. لا أحد يقاطع إنما ينتظرون حتى تنتهي. ذات مرة، كان هناك رجل شرطة يطارد لصاً خطراً.. دخل الاثنان إلى كباريه أثناء الرقصة، فجلسا في أدب حتى انتهت الرقصة، ثم عادت المطاردة.. كل شيء في العالم يتوقف لحظة الرقصة ويعود بعدها.. لا شك أن الكباريه مكان ممتع كما نراه في الأفلام العربية القديمة. مثلاً هناك ظاهرة جذابة هي أن المطرب يظهر على المسرح فتخرج الموسيقا من فمه مباشرة.. لا توجد فرقة.. مجرد فتح الفم يؤدي لخروج موسيقا ممتازة.. هناك طرق مذهلة لتغيير المناظر.. المكان ضيق لكن فريد الأطرش يحلق فوق السحاب ومعه إسماعيل يس بينما ترقص سامية جمال، ونرى سوريا ولبنان ومصر.. هذه حيل لم يصل لها أعظم مخرجي برودواي بعد.. نعم.. الكباريه مكان مثير وغريب كما نراه في الأفلام.. فلا عجب أن ابني وهو في سن السابعة رأى بعض الأفلام العربية القديمة، فقال لي دامعاً: بابا.. نفسي أروح كباريه!. لم أجرؤ على أن أخبره أنني لم أر أي كباريه في حياتي حتى هذه اللحظة. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©