وترياتٌ تغزلُ الشتاءَ

يجيءُ الشتاءُ.. لينشرَ فوقَ الحقولِ عباءةَ بردٍ بلونِ المطرْ يجيءُ الشتاءُ... حزيناً يعانقُ غيمَ العذابِ المُسافرِ صوبَ المدافئ يخفي حنيناً لِنارِ السَّمرْ يجيءُ الشتاءُ.. ثلوجاً ورعداً وناياً حميماً ودفءَ ليالٍ لأجسادنا ليُزهرَ عُشبُ السريرِ عناقاً بريئاً عناقَ الطفولةِ حُضنَ الزّهرْ وتحملني للندى الذكرياتُ عناداً رقيقاً وطيراً يلملمُ خوصَ السّفَرْ ليحملَ لحنَ البلادِ الغريبةِ للراحلينْ وينثرَ فوقَ المنازلِ ريشَ الحنـينْ ويرحلُ عنّا إلي شمسِ فصلٍ جديدْ تذوبُ اشتياقاً لِلَثْمِ الجليدْ تدورُ المواسمُ فينا جراحاً تنزُّ وخوفاً يقيمُ فضاءً يرددُّ آهَ الوتـرْ يجيءُ الشتاءُ.. بعزمِ الرّعودِ وثوبِ البروقِ وصبْرِِ السماءْ كأنَّ الغيومَ عيونٌ تصبُّ لآلي البكاءْ كأن الصغارَ حمامٌ يلوذُ بُعشِّ المنائرْ فيضحكُ ضوءُ الخدودِ وتندى المشاعرْ يجيءُ الشتاءُ.. بصبحٍٍ تطوفُ العصافيرُ فيهِ فوق رفوفِ الصباحْ فيرتابُ منها وصوتٌ تبلّلَ بالياسمين ويرسمُ فوقَ الرصيفِ صدى العاشقينْ ومعطفَ (سيّدةٍ) يرتديها السلامُ نشيداً يحمحمُ في قُبلتينْ وعاشقها حائرُ القلبِ خلفَ المتاهةِ يسنحُ ظلاًّ تُساجلُهُ الذكرياتُ.. ومصطبةًٌ كانَ فيها يعدُّ الندوبَ - القُبَلْ وآهاتِ أنثى تُغذّيهِ طعمَ النهودَ العسلْ فقدْ عادَ من رحلةٍ خائبةْ إلى صدى القبلة التائبة ومنذُ غبارٍ يحاصرُ وجه الوطنْ يجيءُ الشتاءُ.. وتسدلُ ريحُ السرابِ الشّجنْ ويرسمُ بين عيونِ العذارى قوسَ قُزحْ وتنهالُ لثْماً خُطوطَ النثيثِ أغاني مرحْ ونحنُ نعاتبُ أشباحنا لماذا تزورُ الستـائرْ..؟ لماذا تمارسُ فعْلَ الخيانةِ تسحلُ أحلى نساءِ المدينةْ إلى مخدعٍ عامرٍ بالأنينْ (وليلى) تكوّرُها وحشةُ الراحلينْ ترصُّ مساماتِها بالثغـاءْ وتلطمُ جيبَ الحليبِ حنيناً إليَّ وتمسحُ أردانَهـا بالرحيقِ وتسعلُ ماءً تورّطَ فيهِ البشرْ فيا للملامةِ تحفرُ فيها العُقـدْ وتتركُ أطفالنا ضائعينَ رفاتاً قديماً لذكرى البلدْ يجيءُ الشتاءُ.. مواعيدَ موت يفرّقُ فينا الفزعْ وينداحُ طيارةً من ورقْ بأفقِ الندامةِ يدوّنُ هذي الرؤوس القِطَعْ (وليلى) تضاجعُ (ذئبَ) الخطيئةِ تبيحُ شذاها القطيعْ بطاقاتِ حبٍّ وضيـعْ وترسو علي موجةٍ خائفةْ تكابرُ أغصانها العاصفةْ يجيءُ الشتاءُ.. يطلُّ الشتاءُ.. وأبقى شهيداً لعودتهِ الراجفةْ *من قصائد الشاعر العراقي الراحل