الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخط الحديدي الحجازي إرث عثماني يستقطب السياح وهواة التنزه

الخط الحديدي الحجازي إرث عثماني يستقطب السياح وهواة التنزه
1 يناير 2011 20:58
وسط العاصمة السورية دمشق، وأمام مبنى محطة الحجاز التاريخي الذي يعتبر تحفة فنية من المرحلة العثمانية، تقف إلى يسار المبنى أقدم قاطرة بخارية نادرة من قاطرات الخط الحديدي الحجازي الذي أمر بإنشائه السلطان العثماني عبدالحميد الثاني عام 1900، وسيرت أولى رحلاته من دمشق إلى المدينة المنورة في الحجاز عام 1908، وهي تحمل حجاج بيت الله الحرام من بلاد الشام ومصر وتركيا والدول الآسيوية الإسلامية. تعتبر القاطرة البخارية النادرة، التي تقف إلى جانب محطة الحجاز، ثاني أقدم قاطرة بخارية لا تزال موجودة في الخط الحديدي الحجازي، وهي من طراز "يونج 62"، وصنعت في ألمانيا عام 1906، وتسبقها قاطرة "ونتنور" الألمانية أيضاً والمصنوعة عام 1906. وفي الستينيات من القرن الماضي كان بحوزة الخط الحجازي 232 قاطرة بخارية، منها 1700 عربة لنقل الركاب والشحن، وما زالت هذه القاطرات البخارية الأثرية مع عرباتها لنقل الركاب والشحن تعمل على بعض الخطوط الداخلية السورية، وعلى خط دمشق ـ درعا ـ عمّان، وهي تقوم بنقل الركاب وشحن البضائع أيضاً، ما يجعل من سوريا الدولة الوحيدة التي لا يزال فيها أقدم قطار بخاري في العالم. أصل الحكاية استمرارية عمل القاطرات منوطة بالمعمل المختص بصيانة القاطرات والعربات في محطة القدم جنوب دمشق، والذي هو نموذج مصغر عن معمل "كيم نيتس" في ألمانيا، حيث يقوم حرفيون سوريون بصيانة وتجديد القاطرات والعربات، بما فيها عربات السلطان عبد الحميد الثاني، والتي تستخدم واحدة منها الآن كمطعم سياحي وسط محطة الحجاز الشهيرة، وبقي لدى الخطوط الحجازية 31 قاطرة بخارية أثرية نادرة، منها ثمانٍ لا تزال تعمل. إن هذا الإرث الغني والحي للخط الحجازي الذي ورثته دمشق بجدارة، يدفع إلى استعادة حكاية أول خط حديدي بخاري في منطقة بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية. إلى ذلك، يقول أستاذ علم تاريخ محمد سليمان إن فكرة إنشاء هذا الخط بدأت منذ عام 1864 ميلادي، إلا أن عدم توافر السيولة المالية لدى الدولة العثمانية حال من دون تنفيذه آنذاك، إلا أن السوري عزت باشا العابد، وكان أحد المساعدين المقربين للسلطان العثماني عبدالحميد الثاني أحيا فكرة إنشاء الخط من جديد، وقام بجمع التبرعات للشروع في تنفيذه، حيث قدرت كلفته بما يزيد على أربعة ملايين ليرة عثمانية ذهبية، وقد تمكن العابد من الحصول على مساعدات شعبية من داخل السلطنة العثمانية وخارجها. وقدمت ألمانيا مساعدة مالية عبر بنك "دويتشة بنك" وشركة "سيمنز"، كما تبرع السلطان نفسه بمبلغ "320" ألف ليرة من ماله الخاص، وتبرع خديوي مصر آنذاك عباس حلمي بكميات كبيرة من مواد البناء. ويضيف "هكذا تم البدء بهذا المشروع الكبير بقيادة الألماني هاينريش ميسنر كبير المهندسين، واعتمد في تحديد مسار الخط على طريق الحج البري من دمشق إلى المدينة المنورة، حيث يعبر حوران مروراً بالمزيريب حتى يصل مدينة درعا، ومنها إلى شرق الأردن عبر مدن المفرق والزرقاء وعمّان ومعان، فالمدينة المنورة، وهناك خط آخر يتفرع من بلدة بصرى التاريخية، وكان يتجه غرباً باتجاه فلسطين، وعبر نابلس وحيفا وعكا، ومن مدينة حيفا يتفرع إلى خط يربط فلسطين بمصر". ويتابع "أنجز العمل في الخط الحديدي الحجازي عام 1908، ونقل أول رحلة للحجاج من دمشق في 22 أغسطس 1908، وقطع المسافة بين دمشق والمدينة المنورة والبالغة (1320) كم في خمسة أيام، بدلاً من أربعين يوماً كان يقضيها الحجاج للوصول إلى المدينة بوسائل التنقل الأخرى كالعربات والجياد والجمال وغيرها". فوائد جمة كان إنجاز الخط الحديدي الحجازي نعمة كبرى أفاد منها حجاج بيت الله الحرام، الذين أصبح بإمكانهم الوصول بأيام، وضمن ظروف مريحة وآمنة إلى المدينة المنورة، كما ساهم الخط في تنشيط عمليات تبادل السلع والمؤن بين بلاد الشام والجزيرة العربية، ووفر الربط بين فلسطين ومصر، وبالتالي بين سوريا والأردن ولبنان ومصر. وساعد الخط الحجازي في ربط أجزاء من بلاد الشام ببعضها بعضاً، كما مكن الخلافة العثمانية من بسط سيطرتها على جميع المناطق بفضل حرية النقل والحركة التي وفرها. واستمرت قطارات الخط الحجازي في العمل بنقل الحجاج، وربط حواضر البلاد من عام 1908 وحتى عام (1916 -1917)، حيث تم تخريبه بتحريض من الكولونيل الإنجليزي لورانس خلال الثورة العربية الكبرى التي أطلقها آنذاك الشريف حسين بدعم من البريطانيين. وجرت محاولات عديدة لإحياء الخط الحديدي الحجازي بين الدول العربية التي يمر فيها، لكن هذه المحاولات لم تتكلل بالنجاح، لكن الخط بقي عاملاً في سوريا والأردن، وهو بمواصفات قياسية ضيقة، إذ أن عرض الخط هو 1050 ملم، بينما يبلغ طوله في الأراضي السورية 336 كم، وهو يتركز في المنطقة الجنوبية من سوريا، حيث لا تزال القاطرات والعربات القديمة تقوم برحلاتها على خط دمشق ـ الزبداني ـ سرغايا، وهي الرحلة التي يسميها أهل دمشق "قطار النزهة"، كما أن هناك رحلات من دمشق إلى مدينة درعا ثم إلى بلدة بصرى التاريخية. وهناك تعاون سوري أردني في تنظيم رحلات سياحية بين البلدين، وتجد هذه الرحلات إقبالاً وحماسة من رواد السياحة البيئية، حيث يمر القطار في مناطق طبيعية جميلة جداً، فضلاً عن أسعاره التشجيعية وتتعاون دمشق وعمان في مجال نقل الركاب والبضائع بين البلدين على متن القطارات القديمة. الحفاظ على القديم قرر السوريون إبقاء الخط الحديدي الحجازي القديم على وضعه الحالي واستثماره في خدمة السياحة السورية، فبالإضافة إلى رحلات النزهة إلى مناطق الاصطياف غربي دمشق، فإن هناك العديد من المجموعات السياحية الوافدة التي ترغب في استخدام القطار البخاري الذي لم يعد موجوداً في العالم. ونظراً لوجود عدد كبير من محطات الخط الحجازي ذات الطراز العثماني على طول الخط، فإن المسؤولين يتجهون لاستثمار هذه المحطات في تقديم الخدمات السياحية بتحويل بعضها إلى استراحات ومطاعم مع الحفاظ على طابعها التاريخي.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©