الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتابة الشعر للمارة

كتابة الشعر للمارة
22 مارس 2012
في ديوانه الأول “يطفو كحبات الهيل” يرصد الشاعر عبد الله الهمل عن كثب وبعدسة قريبة مما يدور حوله الكثير من المعاش واليومي والهامشي، لغة مغامرة لا تتوانى في الدخول بنا نحو المهمل والعادي وتحويله إلى قصيدة، وبأدوات في المتناول وبالقرب منه، حيث الشاعر هو من يستخدم اللغة لصالحه، يراقبها ويعرف كيف تنمو باتجاه ما يريد، تاركاً لنا في شعره الجديد أن نندهش من هذه اللغة البسيطة التي صاغها قصائد تحمل عبارات ومفردات زهد كثير من الشعراء في استخدامها لكن الهمل خلق لها هنا فضاء جديدا، وأضاف لها طاقة أخرى، وهو لا يستخدم تلك العبارات والمفردات في مجازاتها بل يدهشنا أكثر وهو يستخدمها بواقعية لكنها تلك الواقعية التي لا يلتفت لها الشعر عادة، بل الشاعر الذي يبحث عن شيء مغاير ومختلف، وليحاول هذا المقال أن يقرأ الهمل في توظيفه لتلك المفردات من جهة وتوظيفه لمحيطه وذاكرته مع الأشياء من حوله من جهة أخرى، بدءا بالعنوان “يطفو كحبات الهيل” الذي يشي بتوظيفه لشيء من ثقافة المكان، حيث الجنوب في السعودية مناخ رحب وفضاء متسع على كل جهاته وربما لم يمنحه الشعر الجديد بين شعراء السعودية قصيدته بعد، وبرؤية شعراء جدد يمثلون واقعاً مختلفاً ومتغيراً بأفكار جديدة، الهيل ليس دلالة كافية على كل هذا ولكنها دلالة قريبة وفي المتناول فهو لا يستبدل مفردته بأخرى قد لا تكون ضمن محيطه، وهو يجد فيها كفايته للتعبير عمّا يريد أن يكتبه. هذه العبارة تحيلنا مباشرة إلى صورة بصرية للمشهد، وتستدعي فنجان قهوة الهيل حتماً، الهمل الذي يقول في أول نص “كلما سقطت أكثر، تعلمت الطيران أسرع “لا يلبث إلا أن يكتب حكاية الهيل الذي يطفو بصورة أخرى، حيث يقول عن محبرته”: “أن أخرج منها جميع الفراشات التي كانت تطفو ميتة”. ويروي لنا في نص “عديدة يا عديدة” انفعالاته مع ذاكرة الطفولة موظفاً تلك الحكايات التي كان يشاهدها على شاشة التلفزيون وظلت عالقة في أذهان جيل كامل ولعلها مؤثرة شعرياً، حيث الحكايات الرهيفة في الفيلم الكرتوني “بشار” أو “كابتن ماجد” بل ومقاطع أخرى من الذاكرة التي ـ ربما ـ لايتوقع أن يستخدمها شاعر، لكن الشعر الجديد ومغامرة اللغة الشائقة والتجريب الفني العالي تقود الهمل لتوظيف حكايات شعبية وأسطورية وأسماء شخصيات معروفة في الذاكرة الجمعية في النص، فمن أكياس “الفيمتو” المثلجة مروراً بالنبالة ـ وهي من أدوات الصيد التقليدية في قرية الشاعر ـ إلى حزم الظامئ والأمثلة الشعبية نعثر على كثير من شريط الذاكرة الممتع لدى الشاعر، وفي قصيدته “أخرى أيتها المدينة واحترق” الشاعر في جدله الخاص مع المدينة بقسوتها وعوالمها الغريبة على شاعر يعشق الطبيعة وتسكنه تفاصيلها الصغيرة، فهو الناقد والساخط ومن يوجه سخريته اللاذعة من شواغل اليوم التي تمر بلا فائدة وتصور حالة من العبث الفني الجميل الذي يعيشه الشاعر وهو يتجول في الحياة ملتقطا بكاميرته اللغوية ذلك الفراغ وجفاف الأمكنة والسأم من الرتابة وما يشبه الغربة الروحية العميقة فيقول: “لا حزن لهم ولا فرح.. كنت أتلذذ بالمراقبة.. وأحزن”. الفضاءات التي يواصل الشاعر دخولها تتجلى في نص “نعاس” وفيه يقول: “أنا ما زلت أبحث عن شيء.. شيء..لا أعرفه”، وكما يكتب الهمل عن ذاكرة جمعية يعرفها الكثير من مجايليه يدخل بنا في نسيج الحكاية ضمن نص حمل هذا العنوان ربما ليشير إلى الحكاية المستلة بعناية من سوسيولوجيا المكان، حيث يحمل النص ضمنياً ما يقرأه الشاعر من سيرة ما حوله، مجتمعه، قواه المؤثرة فيه وتحولاته، ويحمل ضمنياً حواراً مع أعرافه وتقاليده وتحريك مسافاتها الشعورية المندثرة داخل الناس، وهو يوظف في النص مقولات أو إشارات لبعض المقولات بشكل غير مباشر، وهذا ما سنعثر عليه في نصوص أخرى، يقول: “من ينثر التراب في وجه الريح، يصبه العمى”، وعبارة “بعض الأوجه تظنها خشبا” وبعيدا عن التوظيف المغامر والمختلف في المجموعة، سوف لن يخفى على القارئ الصورة الحسية والبصرية التي تتمتع بها هذه المجموعة الشعرية وقدرة الشاعر على استدعاء الذاكرة خلال نصوصه بعيدا عن السائد والمعاد، بل هو يبتكر عبارته المختلفة الملأى بالصور والمفارقات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©