السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأولمبياد···أداة لتعزيز الشرعية في الصين

الأولمبياد···أداة لتعزيز الشرعية في الصين
5 يوليو 2008 23:00
وسط كل النداءات الموجهة من قبل الناشطين الأميركيين والأوروبيين لمقاطعة أولمبياد بكين احتجاجاً على أدائها في مجال حقوق الإنسان، إذا باللجنة الأولمبية الدولية، تفاجئ الجميع في الأسبوع الماضي، بتوجيه انتقاد نادر للحزب الشيوعي الصيني· فقد أعربت اللجنة عن استيائها من استغلال قائد الحزب الشيوعي في إقليم التبت لمناسبة الاحتفال بالشعلة الأولمبية هناك، للهجوم على شخص الزعيم الروحي للإقليم الدالاي لاما، الذي لا يزال في منفاه خارج الصين· ولكن الذي تجهله اللجنة الأولمبية الدولية والجزء الغالب من العالم، أن بكين لا تأبه كثيراً لما يتصوره الآخرون عنها· والحقيقة أن المسابقات الأولمبية لا تعني لبكين أكثر من كونها مناسبة للاستهلاك المحلي، ووسيلة يبرز بها النظام الشيوعي الحاكم عضلاته الدولية الجديدة لشعبه في الداخل· وليس ثمة جديد في مثل هذا السلوك من قبل بكين· فعلى امتداد القرون، واصلت الأسر الصينية الحاكمة الترويج لفكرة أن لها تفويضاً إلهياً بحكم الشعب، حرصاً منها على تبرير تمسكها بكراسي الحكم· وعلى رغم اختلاف طبيعة النظام الحالي من حيث التوجه الفكري والأيديولوجيا، فإن جوهر الفكرة ظل كما هو، دون أن يحدث فيه تغيير يذكر· وفيما لو فرط أي من الأنظمة المتعاقبة في ترسيخ هذه الأسطورة، فإن مصيره لن يكون سوى السقوط في نهاية الأمر· وبالنتيجة لا تزال الصين تفتقر إلى الديمقراطية وإلى أي مستوى من الاستقرار السياسي· فالحكام من ناحيتهم يتخوفون من اندلاع الثورات، تماماً مثلما يخشاها الشعب نفسه· والاستراتيجية الأساسية التي تعتمدها الحكومات للحيلولة دون اندلاع الثورات، هي تعزيز النزعة الوطنية لدى المواطنين· وعليه فإن في وسع الحزب الشيوعي الحاكم أن يثبت شرعيته واستمرار تمتعه بالتفويض الشعبي، فيما لو حقق نجاحاً ملحوظاً في تنظيمه للمسابقات الأولمبية التي تستضيفها بلاده· لكن وبحلول شهر سبتمبر المقبل، فربما تتراجع صورة الصين الدولية كثيراً، بينما يواصل الصينيون رؤيتهم للأولمبياد باعتبارها نجاحاً عالمياً باهراً· وعلى رغم اتساع استخدام شبكة الإنترنت ورفع السلطة الحاكمة لبعض القيود المفروضة على حرية الصحافة، إلا أن الهوة تظل شاسعة جداً بين الصحافة الدولية ونظيرتها الصينية· فعلى سبيل المثال، لم تبث القنوات التلفزيونية الصينية خلال موسم ربيع العام الحالي، من صور احتجاجات الناشطين الفرنسيين على مرور الشعلة الأولمبية بعاصمة بلادهم، سوى تلك الصورة البطولية لامرأة صينية مقعدة على كرسي متحرك، وهي تستخدم الجزء الأعلى من جسمها لحماية الشعلة الأولمبية من هجوم أحد المحتجين عليها· وغابت عن الصورة عمداً صور سيل من المتظاهرين المؤيدين لاستقلال إقليم التبت· أما على مستوى المنهاج الدراسي، فتركز مقررات التاريخ لفترتين دراسيتين في المدارس الثانوية العليا والمتوسطة، على دراسة الإهانات التي ألحقتها كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا والولايات المتحدة الأميركية بالصين خلال القرون الأخيرة الماضية· وبالقدر نفسه يتم التعامل مع أي انتقادات دولية موجهة إلى الصين، على أساس أنها امتداد لتركة سياسات الإهانة هذه· وهنا يتعمد الساسة الصينيون خلط الأوراق، بحيث يحرصون على تصوير أي انتقادات موجهة إلى أدائهم في ما يخص إحداث تحول ديمقراطي في البلاد، على أنها انتقادات قصدت منها إهانة الصين والشعب الصيني· والحقيقة أن الانتقادات الموجهة إلى الصين من الخارج، تساعد كثيراً في تعزيز ولاء المواطنين لنظامهم الحاكم· وعليه فإن الدعاوى التي يثيرها البعض في الغرب لمقاطعة أولمبياد بكين، لن تفعل شيئاً سوى تعزيز المشاعر الوطنية الصينية هذه، ما يعني التفاف الصينيين أكثر من أي وقت مضى حول حكومتهم· وهذا ما أكدته منافسات كرة السلة التي شهدتها بكين في شهر مارس الماضي، بين فريقي ''دودجرز'' من لوس أنجلوس، ومنافسه ''بارديس'' من سان دييجو، بكشفها عما يمكن توقعه من أولمبياد بكين· ففي ذلك الملعب، كانت هناك لافتة بارتفاع 16 قدماً تحوي أسماء 100 صنف من الأصناف الممنوعة· كما كان ممنوعاً إنشاد النشيد الوطني للولايات المتحدة· وفي المباراة نفسها اعتقلت قوات الشرطة مواطناً كورياً من معجبي ''شان هو بارك'' لاعب فريق ''دودجرز''، لأنه كان يحمل لافتة كتبت عليها عبارة ''الفوز لبارك''· وبسبب الإجراءات والمضايقات الأمنية التي صحبت تلك المباراة، فقد ذهل الكثيرون لنجاح إقامتها أصلاً· هذا ولا يزال على اللاعبين المشاركين في الأولمبياد أن يخوضوا التنافس لانتزاع الفوز الذي ينتظرهم· إلا أن الأولمبياد هذه في نظر المسؤولين الصينيين، أدت مهمتها سلفاً وأضيفت إلى حساباتهم السياسية منذ عدة سنوات· ذلك أن نجم الصين قد علا في سماء العالم منذ اختيار اللجنة الأولمبية الدولية لبكين مقراً لمسابقات العام الحالي، ومنذ أن تدفق إلى ساحة ميدان تيانانمين مئات آلاف الصينيين للابتهاج بذلك الاختيار، مع العلم أن ذلك التجمهر يُعد الأكبر من نوعه منذ المذبحة الجماعية التي شهدها الميدان نفسه في عام 1989 بحق المحتجين على سياسات بكين· هذا ويتوقع أن تقاطع قلة من قادة العالم وزعمائه افتتاح الأولمبياد في شهر أغسطس المقبل، إلا أن المباريات سوف تمضي ويتم تصويرها وبثها تلفزيونياً لتعكس ما يرجح أن تصفه حكومة بكين بأنه أكبر حضور جماهيري محلي ودولي للأولمبياد على الإطلاق· وهكذا تضفي الأولمبياد شرعية شعبية ''إلهية'' على حكومة بكين، شأنها في ذلك شأن الأسر الصينية الحاكمة على امتداد القرون! إبريل رابكن- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©