السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدين··· النَّفَس في إندونيسيا

5 يوليو 2008 23:02
إنه ليوم مخيب للرجاء بالنسبة للديمقراطية عندما يُضرَب أنصار التسامح الديني علناً، ولكن هذا ما حصل في جاكرتا الشهر الماضي عندما هاجم مائتا شخص من ناشطي جبهة الدفاع الإسلامية فجأة ميدان ''موناس'' حيث كان أنصار تحالف الحرية الدينية والإيمان يعقدون مهرجاناً سلمياً وكان أغلبهم من النساء، وقد هوجموا بالعصي، الأمر الذي نتج عنه العديد من الإصابات، فقد كانوا يحتفلون بالذكرى الثالثة والستين ''الـبنكاسيلا'' -عقيدة وطنية تتقبل التأثيرات الخارجية من الفكر الإسلامي والهندوسي والبوذي والغربي- وتجسد ''البنكاسيلا'' تعددية إندونيسيا الأساسية والمادة التي تربطهم· قبل فترة من الزمن -أثناء زيارة قمت بها إلى قرية صغيرة في جاوا الشرقية- أجريت حديثاً مع أستاذ لتعليم القرآن، أعرب بتفهم عميق عن قلقه فيما يتعلق بالتدين الإسلامي في إندونيسيا، مشيراً إلى نزعة جديدة من قبل بعض المسلمين لتشجيع نوع قسري من الإسلام يهدف إلى ''قلب ما هو مؤسس''، وكان هذا الأستاذ يؤمن أن الإسلام منتشر في الحياة اليومية في إندونيسيا كالهواء غير المرئي الذي يتنفس· معظم المسلمين الإندونيسيين يوافقون على وجهة النظر البسيطة لأستاذ القرية هذا، وتبدو التوجهات التدينيّة اليوم ضيقة وسطحية، بينما يلعب مجلس العلماء الإندونيسي دوراً قيادياً في هذا التوجه، حيث إن أفراده يتصرفون كمجلس من المفتيين، يصدر فتاوى، وهو أمر رفض ''بويا هامكا'' -أول رئيس للمجلس- أن يفعله خوفاً من أن يمثل المجلس تمركزاً للفقه الإسلامي وإبداء الرأي، ورغم تنصّل المجلس من أن فتاويه ليست سوى آراء أخلاقية ليست لها آثار قسرية، يرجع المسلمون المتشددون في إندونيسيا أحياناً لها على أنها قوانين، وبالتالي قواعد سارية المفعول يتصرفون بناء عليها· على سبيل المثال، استخدمت فتاوى مجــلس العلمـــــاء الإندونيـــسي عامي 1980 و2005 ضــــد حركة الأحمـــدية -مجموعة مسلمة تؤمن أن مجيء المسيح مرة أخرى قد تحقق- على أنها أساس ''قانوني'' لمهاجمة مختلف تجمعات الأحمدية منذ العام ·1983 هذا التوجه يثير الاضطراب، فقد نصت الفتوى الأولى على أن عقيدة الأحمدية منحرفة، بينما طالبت الفتوى الثانية من الحكومة الإندونيسية إعلان المجموعة غير قانونية وتفكيك مؤسساتها· وكرد فعل لتهديدات متزايدة بعنف مستمر، امتنعت الحكومة عن إصدار منع كامل للحركة، ولكنها أمرت طائفة الأحمدية بـ''التوقف عن نشر تفسيرات تنحرف عن تعاليم الإسلام الأساسية''· لقد نسي مجلس العلماء الإندونيسي قوانين تأسيسه التي تتبنى التنوع في الآراء الدينية على أنه دينامية رحمة الله تعالى في السعي وراء الحقيقة، وتنص على أن احترام الفروق هو متطلب مسبق لحياة قدسية ترتكز على التسامح والأخوّة، كما نصت القوانين التأسيسية على أن للمجلس التزاما بإيجاد مجتمع مدني يؤكد على الأمور المشتركة والعدالة والديمقراطية· كانت فضائل هذه القوانين، بالطبع، نتيجة جدل طويل حول التعاليم الإسلامية في إندونيسيا، وكان الإسلام قد انتشر سلمياً في إندونيسيا بحلول القرن الثالث عشر، فقد كتب ''دنيس لومبارد''- خبير في شؤون جنوب شرق آسيا في ''كارفور جافانيس''- قائلا إنه لم تكن هناك هجمات مسلّحة أو تدمير منهجي باسم الإسلام، كما لم تكن هناك دعوة قسرية· تلطخ الهجمات التي وقعت -بداية الشهر الماضي- من قبل المتشددين المسلمين، الإرث الذي بناه المسلمون الإندونيسيون من التيار الرئيس في سعيهم لإنشاء إندونيسيا تعددية وحرة، يتوجب على مجموعات مثل جبهة المدافعين الإسلامية أن تخجل من نفسها بسبب انحرافها عن نموذج التسامح الإسلامي الذي مورس في إندونيسيا منذ قدوم الإسلام· يتوجب على مجلس العلماء الإندونيسي، الذي يشجع ضمنياً سلوكاً كهذا، أن يعود إلى بداياته المتواضعة أيضاً، وقد عرف حتى أول رئيس للمجلس ''بويا هامكا'' كيف يتكلم مع هؤلاء الذين تعتبرهم حركته منحرفين، ورغم أنه كان يعتبر حركات دينية مثل الأحمدية على أنها مرتدة، إلا أنه شجع أتباعه على بناء علاقات معهم بناء على الأخوّة والتسامح· مجتبى حمدي باحث إندونيسي في معهد ''تاكينايا للدراسات الدينية والثقافية'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومن جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©