الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلاح أوروبا ضد الإرهاب... البشر قبل التكنولوجيا

17 مايو 2010 21:12
كان البلاغ المرسل من إسبانيا عبارة عن تحذير غامض، ولكنه كان كافياً بالنسبة لعملاء الاستخبارات الفرنسية الداخلية كي يبدأوا عملهم ويراقبوا الهواتف، ويتعقبوا المشتبه بهم، ويضغطوا على المرشدين المتعاونين معهم للحصول على المزيد من المعلومات. وقبل أن يمر وقت طويل كان هؤلاء العملاء قد قبضوا على مجموعة من المسلمين في مدينة فرنسية إقليمية، كانوا- تحت السطح الهادئ لإيقاع الحياة في تلك المدينة- يخططون لتنفيذ عملية على غرار عمليات"القاعدة" تهدف لتفجير قنبلة في إحدى محطات مترو أنفاق باريس. وهذه المؤامرة على حد وصف مصدر استخباراتي فرنسي مطلع، لم تكن سوى واحدة فقط من 15 مؤامرة لتنفيذ هجمات إرهابية بواسطة خلايا جهادية مقيمة في فرنسا، تم إحباطها في السنوات الأخيرة بواسطة رجال المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية الفرنسية(DCRI)، وهي القوة الرئيسية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب في فرنسا -من بين هذه المؤامرات واحدة كانت موجهة للمقر العام للمديرية ذاتها. والعمل الاستخباراتي المتعلق بمكافحة الإرهاب هو عمل يتم معظمه في الظلام، وبأساليب تضع فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الكبرى المهتمة بهذا الموضوع على طرف نقيض مع الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون الأميركيون عن مكافحة الإرهاب في الوقت الراهن، إلى فهم الأسباب التي دفعت مهاجراً باكستانياً لمحاولة تفجير سيارة مملوءة بالمتفجرات في واحد من أكبر ميادين نيويورك، والكيفية التي تمكن بها ذلك الرجل من ركوب طائرة في مطار "جون إف.كنيدي" على الرغم من ذلك العدد الكبير من قوائم المراجعة والتفتيش المعدة بالكمبيوتر، يعرف المسؤولون الأوروبيون أسلوبهم بأنه يمثل الأسلوب الأمثل للتعامل مع الإرهاب. من هؤلاء "جان لويس بريجيير"، الذي عمل قاضياً للتحقيق في العديد من قضايا الإرهاب الكبرى في فرنسا، الذي يقول"المبدأ الجوهري الذي يقوم عليه أسلوبنا في العمل يعتمد على المبادرة بالفعل، وليس انتظار الآخرين". ويوكد "بريجيير" وغيره من خبراء مقاومة الإرهاب في أوروبا، أن أجهزة الاستخبارات في القارة تفضل الاعتماد على العنصر البشري، بدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا الصماء، وقوائم التفتيش والملاحقة المعدة بالكمبيوتر، التي تفضلها أجهزة الاستخبارات الأميركية المختلفة. والاعتماد على العنصر البشري يعني في نظره، ونظر غيره من الخبراء، بذل مجهود بشري كبير وقضاء ساعات طويلة في مراقبة المشتبهين، والتنصت على محادثاتهم الهاتفية، ومراجعة السجلات المصرفية والتحويلات المالية، وتجنيد المرشدين من داخل الجماعات الإرهابية ذاتها لاختراقها أمنياً، والحصول على أكبر قدر من المعلومات عن أنشطتها ونواياها. في لقاء تلفزيوني أجرته القناة الثانية الفرنسية مع عميل ميداني لـ( DCRI) وتم فيه التشويش على صورته حتى لا تتضح شخصيته الحقيقية قال: إن الفضل في الكشف عن الخمس عشرة مؤامرة إرهابية التي تم إحباطها في فرنسا عبر السنوات الأخيرة يرجع إلى معلومات تم تلقيها من مرشدين مزروعين داخل تلك الجماعات. وقال في لقاء أجراه المدير السابق لـ(DCRI) -الذي غادر منصبه منذ فترة قريبة- مع مجلة "بوان"الفرنسية:"إن شغلنا الشاغل هو التوقع... بمعنى أننا نعمل على تحييد الإرهابيين قبل أن يقوموا بتوجيه ضرباتهم". وهذا الأمر لا يقتصر على فرنسا وحدها، حيث يقول"بيتر نيومان" مدير "المركز الدولي لدراسة الحركات الراديكالية والعنف السياسي"، ومقره لندن، إن المسؤولين البريطانيين في مجال مكافحة الإرهاب يسعون هم أيضاً إلى اختراق مكامن العنف الإسلامي قبل أن يتجسد بالفعل في صورة عمليات إرهابية. ويشرح "نيومان" ما يقصده تحديداً بقوله"في بريطانيا لو جاءت مجموعة أشخاص من المسلمين وقالت للسلطات إنها ضد تنظيم القاعدة، ولكنها تؤيد مع ذلك العمليات التي تقوم بها حماس ضد إسرائيل، فإن الاعتراف الأخير لن يوقف السلطات الاستخباراتية البريطانية عن التعامل مع مثل هذه المجموعة، أما في أميركا، فإن المسؤولين هناك لا يحتملون عادة هذا النوع من الغموض والالتباس". يُشار إلى أن فرنسا وبريطانيا، على وجه الخصوص، قد بدأتا في التعامل مع الإرهاب قبل الولايات المتحدة بوقت طويل. ففرنسا، بدأت التعامل مع الإرهاب بسبب الفلسطينيين القوميين والمتطرفين الجزائريين الذين كانوا يعيشون في باريس. وبريطانيا بدأت العمل بسبب رجال الجيش الجمهوري الإيرلندي، ولكن الفارق هو أن السلطات الفرنسية حصلت على معلومات غاية في الأهمية عن المنظمات الإرهابية وأسلوبها في العمل، من خلال وثائق عثرت عليها عام 1994 بعد محاولة إرهابية لشن هجوم في فرنسا على أيدي مجموعة إسلامية مسلحة، كانت في الأصل خلية متطرفة جزائرية منخرطة في حرب عصابات تهدف للإطاحة بالحكومة الجزائرية. فعلى الرغم من أن تلك الجماعة نشأت في سياق الأوضاع والظروف الخاصة بالجزائر - كما يقول "بروجيير"، فإن الوثائق التي تم الحصول عليها كانت تدل على أن شيئاً أوسع نطاقاً كان يحدث، وهذا الشيء لم يكن سوى بدايات جهاد إسلامي ضد الغرب من النوع الذي يدعو إليه بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة"، والذي قاد في النهاية، إلى عمليات مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويضيف بروجيير "بفضل تلك الوثائق تنبهنا لخطر الإرهاب والتهديد الذي يمثله قبل أن يتنبه الأميركيون لذلك بوقت طويل". إدوارد كودي - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©