الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خليفة المحرزي: غلاء المهور يكسر الظهور

خليفة المحرزي: غلاء المهور يكسر الظهور
17 مايو 2010 21:14
يحلم الكثير من الشباب فور حصوله على أول راتب من الوظيفة بتأسيس أسرة يقودها بكل ثقة ونجاح، لكنه يصطدم بعوائق قد تحول دون تحقيق مآربه، ألا وهي الجوانب المادية وتكاليف الزواج وغلاء المهور التي تشكل ما نسبته 33% من قيمة التكلفة الإجمالية للزواج. تعتمد هذه الإحصائية على الدراسة الميدانية التي قام بها المستشار الأسري خليفة المحرزي. وعلى الرغم من وجود الجهات الرسمية التي تساند الشاب في الحصول على منحة الزواج، إلا أنَّه لا يزال هناك عزوف عن الاقتران بابنة البلد التي قلما تقبل بالشريك على حاله، ولا تضع شروطاً شبه مستحيلة بالنسبة لشاب لايزال في ريعان ظروفه المادية. حول غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، يفضل المحرزي أن يعتمد على الأرقام قائلاً:«كل شيء في الحياة قسمة ونصيب، وكذلك الزواج فهو قسمة ونصيب، ولكن أن تصطدم القسمة والنصيب بغلاء المهور وكثرة متطلبات الزواج فإن ذلك يقودنا لمشكلة اجتماعية بدأت تتفاقم في مجتمعنا، مما يدعونا إلى النظر إليها ولمسبباتها». ويقول من موقعه كاستشاري أسري: «إن وفرة طلبات أسر الفتيات المرشحات للزواج تحول الشباب المتقدم إلى كائن أخرس، فهو ومنذ اللحظة الأولى لتقدمه لخطبة إحداهن أنَّ أهلها يعتبرون الأمر مشروعاً تجارياً له طابع الصفقة. وهذه المشكلة الاجتماعية تمثل أبرز هموم الشباب بعد التخرج في الجامعة، وتعد من أكثر الأسباب التي تجعل الارتباط أمراً صعباً، ناهيك عن أسباب أخرى تتفاعل وتؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج. المحرزي يعدد هذه الأسباب: «البطالة وصعوبة الحصول على مسكن الزوجي، عدا عن أمور أخرى تسهم على اختلاف تأثيرها في كبح جماح المقدمين على الارتباط، مثل معايير الاختيار والوجاهة وعقدة الطبقية، في تغاض كلي عن قول نبينامحمد-صلى الله عليه وسلم- الأكرم «خذوهم فقراء يغنكم الله». التفاخر أحد الأسباب لا تزال ظاهرة غلاء المهور التي تعاني منها معظم الدول الخليجية، رغم الجهود المبذولة في تشريع القوانين إلى التخفيف منها، كما يقول المحرزي، «تقف حجر عثرة في طريق تحقيق رغبة الكثير من الشباب في تكوين بيت الزوجية، مما يتسبب في الكثير من انعكاسات السلوكيات أبرزها على سبيل المثال ?ارتفاع معدلات الزواج من أجنبيات، وزيادة معدلات العنوسة وخصوصاً بين الإناث، في بلدان تتمتع بتركيبة سكانية يغلب عليها الأجانب، رغم النمو السكاني الكبير الذي تشهده». والغريب ان هذه الظاهرة المؤرقة هي من صنع المجتمع نفسه، كما يوضح محدثنا بالقول: «كان لهؤلاء أن أسهموا في تشكيل تلك العقده على أنفسهم، وجعلوا منها ممارسة مقيته تسلط الضوء على جانب مرضي وهو التباهي والتفاخر وحب الاستعراض والتفرد الاجتماعي السلبي، فكم سمعنا عن أعراس تشبه ألف ليلة وليلة، وفي بعض الحالات تكون هدايا الحضور من الذهب أو النقود، في حين تتنافس الفقرات الاستعراضية بين الزفات المصرية والفلسطينية والخليجية واستخدام الطيور والخيول، وأعراس فوق الماء وتحته، وفي الجو أيضاً». غرامة مالية لعلَّ دولة الإمارات كانت من الدول السباقة في معالجة هذه المشكلة، وفق المحرزي الذي يشير إلى إجراءات رسمية تم اتخاذها لضبط الفورة السلوكية، فيقول: «لقد أصدر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قراراً جديداً يقضي بأن «يقتصر الفرح على يوم واحد فقط، وحفلة واحدة للرجال وحفلة واحدة للنساء». كما حدد القرار، الذي ينص على غرامة تبلغ 500 ألف درهم (نحو 82 ألف دولار) لمن يخالفه، عدد الذبائح بتسعة قعدان فقط، لأي عرس من أعراس المواطنين الإماراتيين، ناهيك عن إصدار الكثير من المجمعات الفقهية والهيئات الدينية عدة قرارات تؤكد ضرورة منع ما يصاحب الزواج من مظاهر البذخ والتباهي وحفلات الغناء، وحثت الناس على تقليل المهور، وإعطاء القدوة الحسنة في ذلك من الأمراء والعلماء والتجار ووجهاء الناس». لكن الأمر لم يلق التجاوب المنشود، حيث يرصد الاستشاري الأسري وسائل التفاف حولها: «هناك العديد من الأسر تتحايل على تلك التشريعات بطرق عدة، والسبب يعود إلى عدة أمور، منها على سبيل المثال طمع بعض الأولياء، وعدم إدراكهم لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسة، بالإضافة إلى ما سيتحملونه من كثرة المصروفات والالتزامات التي يرون أنها ضرورية وتغير النظرة إلى الزوج الكفء، واختلاف الناس في فهم ذلك، والتقليد الذي استولى على الناس في الابتداع والتفنن في إظهار شكل الزفاف، وإسناد أموره إلى النساء، وسط شبه غياب لدور الأب في تولى زمام الأمور، وسماع آرائهن وتنفيذ طلباتهن، وذلك حتى لا تقول فلانة كذا، ولا تتحدث علانة بكذا». دور المجلس الاستشاري يوضح المحرزي دور المجلس الاستشاري الأسري بالشارقة في هذا السياق بالقول: «سعينا لإقناع مختلف فئات المجتمع أنَّ غلاء المهور من الأمور التي لاينبغي على أولياء أمور الفتيات التوقف عندها، إذا حضر الزوج الكفء، خاصة أن تكرار القصص التي تحكي عن الإسراف في حفلات الزواج والمبالغة في النفقات قد شغلت بال كثير من الناس، وحالت بينهم وبين الزواج المبكر، وفي ذلك مخالفة لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله التي حضت على الزواج المبكر وتيسير أسبابه، كما أن في ذلك تعريض الشباب والفتيات للخطر والفتنة والفساد، والسفر إلى الخارج لأن ذلك يرتبط بمنكر عظيم، ويترتب عليه تعطيل الكثير من المصالح والفوائد، وشيوع المفسدات، وفتح باب الشهوات أمام الشباب المعسرين وغير القادرين على إتمام سنة الزواج، مما يؤدي إلى انتشار الفاحشة وانهيار المجتمع، بانهيار نواته الأولى المتمثلة في الأسرة». ومن حكايا التراث المعبرة يروي المحرزي بأنَّ أحدهم جاء إلى الحسن البصري فقال له: يا أبا سعيد إن عندي بنتاً كثر خطابها، فمن ترى أزوجها؟ قال: يا ابن أخي زوجها من يخاف الله ويتقيه، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها». ولو عاد بنا الزمان الى عهد كان مهر عصمت الدين خاتون، ابنة الأمير معين الدين أنر، هو وحدة الشام ووأد الخلافات بين والدها وزوجها، وحدة كانت احدى خطوات تحرير بيت المقدس الذي أتمه زوجها الثاني صلاح الدين الأيوبي في زمن يصبح المال أصلاً من لا أصل له، ونسب من لا نسب عنده، تعود الذاكرة الى زمن كان النسب فيه نسب التقوى الذي جعل سعيد بن المسيب يرفض مصاهرة عبد الملك بن مروان، على مهر تحمله القوافل ما بين دمشق والمدينة، مفضلاً عليه تلميذاً تقياً من تلامذته قدم لابنته درهمين مهراً، وهي القصة التي خلدها الرافعي في كتابه وحي القلم بعنوان زواج بدرهمين، درهمان فقط كانا مهر ابنة فقيه المدينة التي شهد لها زوجها بوراثة علم وعقل وسماحة أبيها». البنت سلعة يتمنى المحرزي من أولياء الأمور التخلي عن فكرة جعل الزوجة سلعة تباع وتشترى، مما يخل بالمروءة ومكارم الأخلاق لأن البنت ليست سلعة تباع، إنما هي إنسان، وليبحث لها الأب أو الولي عن إنسان مثله، إنسان كريم الدين، كريم الخلق، كريم الطباع، فماذا يغني الفتاة أن تتزوج، ويدفع لها مهر كبير، إذا تزوجت من لا خلق ولا دين له، كما ان الإسلام حبب الناس في تيسير الزواج، وحذرهم من تعطيله بوضع العقبات أمام الشباب المقدمين عليه، ودعا أولياء أمور البنات لأن يتخيروا لبناتهم الشباب الصالح، وأن يسارعوا بتزويجه إذا أتاهم خاطباً، دون النظر إلى كثرة المال وغلاء المهور».
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©