الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

زايد : لا فائدة من المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب

زايد : لا فائدة من المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب
5 يوليو 2008 23:56
أصدر مركز الوثائق والبحوث بوزارة شؤون الرئاسة مرجعا علميا وثائقيا جديدا عن حياة المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد ''طيب الله ثراه'' وتستهدف هذه الدراسة تأريخ حياة الشيخ زايد وأعماله وفق تسلسل زمني محدد في حقبة تاريخية مهمة، من عام 1946 عندما دخل معترك الحياة السياسية أول مرة ممثلاً للحاكم في العين، إلى عام 1971 بعد أن أصبح أبرز شخصية سياسية في الإمارات، وانتخب بالاجماع رئيساً للمجلس الأعلى للاتحاد وأول رئيس للإمارات العربية المتحدة· وتستعرض '' الاتحاد'' عددا من أبرز الفقرات الواردة فى كتاب (زايد: من التحدي إلى الاتحاد) الذي عكفت على جمع وثائقه الدكتورة جوينتي مايتر بمركز الوثائق والبحوث وهو نتيجة مباشرة لبحث طويل ومجهد في سجلات الأرشيف البريطاني، انطلاقاً من مصدرين أساسيين في المملكة المتحدة هما: المكتبة البريطانية، والأرشيف الوطني· وأكد سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة رئيس المركز على أهمية هذا المؤلف التاريخي الذي يتناول بالتوثيق الموضوعي الدقيق فترة حيوية من تاريخ الوطن، وأوضح سموه '' تأتي أهمية كتاب ''زايد: من التحدي إلى الاتحاد'' من اعتماده على الوثائق الأرشيفية الأصلية، وكشفه حقائق غير معروفة لكثير من الباحثين والدارسين، وعدم اعتماده على مؤلفات وكتب سبق نشرها، يجعله مصدراً هاماً من مصادر البحث التاريخي، والدراسة الأكاديمية، وباعثاً على التحليل والتعليل والاستكشاف، والاطلاع على المزيد من حياة المغفور له - إن شاء الله - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان· وقال الدكتور عبدالله الريس مديرعام المركز '' تراكمت على مر السنين العديد من الكتب والأبحاث التاريخية وتراجم الأشخاص وغيرها من الدراسات من خارج الوطن العربي وداخله عن شخصية قائد فذّ، أثْرَت إنجازاته ومناقبه في مختلف مناحي الحياة الإنسانية''· وفيما يلي مقاطع من الأحداث التي تناولها الكتاب: انطلق مفهوم زايد للسلطة منذ البداية من اعتقاده أن المرء ''لا ينبغي له أبداً أن يضع نفسه موضع القائد إلا إذا شعر بالقدرة على ذلك وبأن الله منحه الموهبة لأداء تلك المهمة''· ''ولم يكن عرب الصحراء المؤمنون بالفردية والمساواة إيماناً عميقاً يعتادون بسهولة قيود الحكم''، كان زايد يحاول دائماً ألا يمارس سلطاته كحاكم مستبد، بل ''بما يتصف مع التفسير التقليدي لدى القبيلة لمصالحها''· وكان يؤمن إيماناً حقاً بأن ''القائد الذي يتحلى بحس المسؤولية لا يمكنه أن يكسب حب شعبه إلا بعد أن يكتسب ثقتهم، ويكون كالأب مع أولاده · أبوظبي وبيروت وكان يحرص كل الحرص على ألا تبقى منافع الازدهار محصورة في حدود أبوظبي العاصمة، بل أن تصل إلى جميع مواطني الإمارة· وحين قابل المقيم السياسي زايد في مجلسه، وسأله عن أحلامه في تطوير أبوظبي والارتقاء بها لتكون نموذجاً مصغراً عن مدينة بيروت،أجاب بأن من همومه الأساسية أن يحسن حياة البدو في الصحراء· كان ذلك حلماً بسيطاً لكنه يحمل أثراً عظيماً لم يكن ليتنبأ به إلا قائد يمتاز برؤية بعيدة مثل زايد· كان الحاكم يؤمن بأن كل ظبياني ''له كل الحق في أن يكون مواطناً متميزاً''، أظهر زايد نضجاً سياسياً بالتفكير ''في اتحاد خليجي في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية، والعملة والمشاريع المشتركة مثل الطرق· وقد رتب لقاء مع بقية الحكام المعنيين لمناقشة ذلك''، وأشار إلى أن ''الاتحاد المقترح هو أفضل ضمانة لأمننا· ليس لدينا تهديدات أو أخطار داخلية، وسيتم التعامل مع الأخطار الخارجية بالاتحاد''· إن طرح فكرة الوحدة السياسية ''رغم أن المنطقة كانت مليئة بالخلافات وتواجه صعوبات كبيرة في ذلك الوقت '' يقدم دليلاً واضحاً على بعد رؤية زايد· أعلى دخل للفرد عندما وصل زايد إلى السلطة كان يُتوقع لأبوظبي أن تحظى في نهاية الأمر بـ ''أعلى مستوى دخل للفرد في العالم''، باعتبارها ''كبرى المشيخات السبع المستقلة وأغناها''، وذلك بمقارنة دخلها النفطي الضخم بعدد سكانها القليل، كما ذكر الوكيل السياسي· وقد قُدر عدد سكان أبوظبي بنحو 20 ألف شخص، يعيش نحو 8000 منهم في مدينة أبوظبي، و 6000 في البريمي، ونحو 2000 في ليوا جزءاً من السنة، ويقضون بقية السنة في عيشة بدوية في الصحراء مع أربعة آلاف شخص الباقين· وظهرت مراكز سكانية جديدة عند قواعد شركة النفط في جبل الظنة وجزيرة داس، ومع ذلك بقي للعاصمة مظهر ''بلدة عربية ساحلية بسيطة'' دون أي علامات ظاهرة على الازدهار، في حين استمرت الحياة البدوية التقليدية في الداخل· كانت خدمات البنية التحتية ''كالإسكان والكهرباء والنقل والاتصالات '' في أبسط أشكالها البدائية· وقد وصفت العاصمة بأنها ''قرية صغيرة هزيلة من أكواخ سعف النخيل وبيوت الطين، يطل عليها الحصن والوكالة السياسية البريطانية· وكان الحصن '' وهو مبنى ضخم ذو شرفات واسعة يعبر عن الكرم والبراحة ''يمثل مسكن الحاكم، إلى جانب السجن والمحكمة ومقر الحكومة· وكان هناك عدد قليل من المحال، وعدد أقل من السيارات، ونحو مائتي ياردة من الأسفلت''· وما يكسر رتابة المشهد الذي تتناثر فيه بيوت سعف النخيل ذلك العدد المحدود من البيوت الدائمة التي تعود ملكيتها إلى تجار اللؤلؤ المشهورين في تلك السنوات الخالية، وهي تذكر برفاهية العصور الماضية قبل عام ·1966 وكانت هناك محكمة شرعية واحدة في مدينة أبوظبي وأخرى في العين، وعُين قاض مدني عام ·1965 وكانت هناك ''ثكنات لجيش لا وجود له''، وفندق لا يفي بالغرض، وآخر قيد الإنشاء· وكان في أبوظبي محطة طاقة واحدة تنتج 3000 كيلوواط، يشرف عليها مهندس كهربائي واحد، وفي العين كان عدد قليل فقط من وحدات توليد الكهرباء للقصور وبعض البيوت· وكان السفر إلى العاصمة صعباً وغير ممكن إلا بواسطة لاندروفر أو مركبة من نوع جيب· وكانت طائرات الخطوط الجوية الدولية تصل إلى البحرين والدوحة ودبي· ومن هذه المراكز كانت شركة طيران الخليج تسيّر رحلات ربط يومية من أبوظبي وإليها· ولم تكن هناك خدمات جوية داخلية ما عدا الرحلات المستأجرة التي كانت ترتبها شركات النفط لعامليها في الحقول النفطية· وكانت سفن شركة ستريك إليرمن (Strick - Ellermen) وخطوط الهند البريطانية تمر بأبوظبي مرة أو مرتين في الشهر، ووكالات البريد البريطانية هي التي تدير خدمات البريد الداخلية والخارجية فيها· التعليم كان التعليم في الإمارة بدائياً في أسلوبه· وفي غياب نظام تعليمي شامل كان من المفهوم ألا تتغير وجهة النظر الأساسية لدى السكان· وفي عام 1958 افتتح الشيخ شخبوط المدرسة الفلاحية في مدينة أبوظبي في بناء صغير قدمته الوكالة البريطانية، لكنه أغلقها بعد ذلك بوقت قصير، ولم تفتح ثانية حتى عام 1960 - ·1961 وأسست مدرسة أخرى في البطين في العام نفسه، وافتتحت أول مدرسة للبنات في أبوظبي عام ·1963 في هذه الأثناء كان التعليم يتقدم بثبات في القسم الشرقي من أبوظبي بإشراف مباشر من الشيخ زايد· النفط والمستقبل عند تسلم الشيخ زايد السلطة بدأ اقتصاد الدولة بالازدهار· وقد أشار لامب إلى أن ذلك في نهاية العام كان ''في وضع أكثر تعافياً على الرغم من عجز بعض التجار المحليين عن الاستفادة من الفرص المعروضة عليهم على النحو المرجو بسبب نقص الخبرة وعدم وجود الدافع القوي''· واستمر إنتاج النفط في النمو، وكانت صادراته من الامتيازات في المناطق البرية تبلغ 5062043 طناً طولياً، وفي المناطق البحرية 42053582 عام ·''1966 وبسبب ضآلة النشاطات الصناعية الأخرى، وضعف الجدوى المتوقعة منها - كان يُتوقع أن تبقى عوائد النفط هي المصدر الرئيسي في اقتصاد الإمارة· توزيع الثروة والوظائف لا يجادل أحد في أن عوائد النفط وضعت أبوظبي على عتبة ازدهار غير مسبوق، لكن الشيخ زايد كان يرى بأسلوبه المميز أن تلك الثروة ''ملك للأمة كلها وليست ملكاً لأي فرد بعينه، والقائد مجرد حارس للأمة وثروتها''· وكانت إصلاحاته التي بدأها في أبوظبي ترتكز على إيمانه بأنه ''إذا كان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لإرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد وسوق الخير إلى شعبها ببناء مجتمع يتوفر فيه المأكل والمشرب ومرافق التعليم والرعاية الصحية والإسكان''· ولكي ينجز أهدافه السامية ويحقق طموحات شعبه، كان شعاره الذي صاغه بنفسه: ''لا قيمة للمال إذا لم يُسخر لخدمة الشعب''· العطاء ذكر لامب أن ''كل ظبياني مهما بُعدت منطقته كان يعرف جيداً مظاهر الرفاهية المادية'' في الوقت الذي كانت فيه قلة من الناس فقط يجيدون القراءة والكتابة، وأراد الحاكم أن تشمل المنافع المادية جيران أبوظبي أيضاً بمساعدات لصندوق تنمية الإمارات المتصالحة T.S.D.F وقد كانت مساعدته المالية الرئيسة الأولى لهذا الصندوق بعد وقت قصير من تسلّمه مقاليد السلطة، وهي مبلغ نقدي مقداره 500 ألف جنيه استرليني· ورغم أنه فتح خزائنه لمساعدة المحتاجين، فقد كان في الوقت نفسه شديد الحذر لئلا يسمح بأن تقع بلاده ضحية ''للاستغلاليين عديمي الضمير''· وقد أراد زايد أن تصل آثار كرمه إلى الإمارات الأخرى، ثم إلى دول الخليج والوطن العربي، وأخيراً إلى العالم بعمومه· وبمرور الأعوام جعل زايد ثروة النفط الجديدة تعود بالنفع على شعبه، واكتسب بحق لقب ''رجل الخير والعطاء· ولم يكن إحسانه يعرف قيوداً أو حدوداً، وترك انطباعاً مستديمآً تجاوز الوطن العربي إلى الصعيد العالمي بأسره· وفي مجال التوظيف كان التزام الحاكم بتأمين وظائف للقبائل التي كانت القوة العاملة الرئيسة في أبوظبي، وعلق الوكيل السياسي الذي حضر بنفسه تنفيذ هذه السياسة بأنه ''في الوقت الحاضر أصبح كل فرد من أهالي أبوظبي وهو انتماء يجعلهم في نظر أنفسهم خيار الناس واثقاً بأنه سيُعطي وظيفة· ولم تكن آثار الخير والعطاء التي بدأت تعم إبان حكم الشيخ زايد تظهر على إمارته فحسب، بل وقف جزءاً لا بأس به من المال والجهد والاهتمام لمساعدة الإمارات الشمالية على النهوض، بالإضافة إلى معاملته الراقية و''لباقته· وذكر الشيخ أحمد بن راشد المعلا حاكم أم القيوين أن الشيخ زايد موّل في خريف 1967 بناء 30 منزلاً في الإمارة، وهو ما أدى إلى ازدياد النشاط العمراني ازدياداً ملحوظاً بين الطريق والبحر هناك· وفي السنة التالية تعهد بحفر ثلاثين بئراً على نفقته الخاصة في أم القيوين أيضاً، ولكنه حرص في الوقت نفسه على أن يتمّ الحفر حصراً بعد الحصول على المساعدة من هيئة مسح المصادر المائية قبل الشروع فيه من أجل تجنب الارتباك الذي حصل سابقاً في منطقة الذيد أثناء تنفيذ مشروع حفر أكثر من ثلاثين بئراً ، وهي عملية مولها الشيخ زايد أيضاً في ذلك الوقت ، أما في عجمان فقد ذكر الشيخ حميد أن الشيخ زايد قدم منحة لبناء نفس عدد المنازل التي قدمها لأم القيوين، في حين موّل بناء ثلاثين مسكناً شعبياً في الفجيرة، بالإضافة إلى تحمّله نفقة إنشاء طريق مهم جداً في منطقة الشارقة وسدّ بسخاء ديون حاكم رأس الخيمة لأحد البنوك· كهرباء دبي ذكر الوكيل السياسي دي· إيه· روبرتس أن زايد ''أظهر كرمه وسخاءه بطرق أخرى'' في دبي؛ فقد كتب رسالة إلى مدير شركة دبي للكهرباء اقترح فيها ''أن يتم بيع الكهرباء للمستهلك في المستقبل مقابل 10 دراهم للوحدة، وأن يتحمل هو الفرق بين هذا السعر والسعر الحالي الذي يدفعه المستهلك وهو 19 درهماً للوحدة ''السعر كان أقل لكبار المستهلكين''· وكانت النتيجة أن قبلت شركة دبي للكهرباء عرض زايد· وذكر بن فطيم أحد أبرز التجار في دبي أن زايد كان مستعداً لتقديم عرض مشابه لتخفيض تكلفة المياه للمستهلكين المحليين''، كما قرر تعبيد طريق السيارات بين دبي وأبوظبي وقدم أيضاً لحاكم الشارقة دعماً مالياً ''لمساعدته على إعانة قومه''· وما أراده الشيخ زايد في الأساس هو ''أن يقدم حاكم الشارقة المال لأفراد رعيته لدعم مشاريع التنمية الزراعية''· سخاء للعرب تجاوزت رغبة الشيخ زايد في مشاركة الآخرين ثروته الهائلة جميع الحدود التي كانت تفصل الإمارات بعضها عن بعض، ولم يتوقف أبداً عن اتباع عادته الرائعة في منح التبرعات السخية ليستفيد منها عامة الشعب، ولتكون خطوة نحو تحقيق الأهداف السامية والنبيلة في الوطن العربي، وفي البلدان المجاورة، وفي العالم أجمع· ،في يونيو 1967 أرسل الشيخ زايد إلى الملك حسين ملك الأردن 1,3 مليون جنيه إسترليني بهدف الإعانة، وقدم ''دفعة مخصصة لإعانة المدنيين فقط في سورية''· وفي زيارة لباكستان في نوفمبر 1967 سجل مرافقه العسكري تشارلز وونتنر الذي رافقه في زيارته - أن الشيخ زايد تبرع بمبلغ 100 ألف روبية لدار للأيتام، وبمبلغ آخر قدره 100 ألف روبية أيضاً للرابطة الإسلامية· وبلغ إجمالي الهبات والتبرعات والهدايا التي قدمها في باكستان في هذه المناسبة قرابة 400 ألف روبية· وفي ديسمبر قدم للبحرين أول دفعة سداد لقرض دون فائدة مقداره 6 ملايين دينار بحريني، وذلك إلى حين حصولها على الأرباح المتوقعة والناتجة من ''الزيادة الكبيرة في عوائد النفط''· ولأهمية القضية الفلسطينية لأبوظبي، وكونها إحدى أهم القضايا في السياسة الخارجية فيها، استقبل الشيخ زايد وسكان أبوظبي الملك حسين ''بحرارة كبيرة'' وقدموا له ''مساعدات كبيرة للجيش الأردني الذي كان يواجه العدو على خطوط النار''· وفي زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية إلى أبوظبي في 20 مارس 1968 بهدف جمع التبرعات للطلاب الفلسطينيين في الخارج بعد احتلال الضفة الغربية - ساهمت أبوظبي بمبلغ يعادل نصف إجمالي المساهمات التي جمعت من دول الخليج العربي مجتمعة آنذاك· التحديات بينما استمرت عملية التطوير والتنمية دون توقف في المجال الداخلي حدث تحول جذري في الأحداث فيما يتعلق بسياسات منطقة الخليج عامي 1967 و1968؛ فظهر في الساحة العربية ''حدثان بارزان'' جداً، كان لهما كبير الأثر في إحداث صدمة كبيرة في سياسة دول الخليج العربي ''ولكن بطرق مختلفة''· هذان الحدثان هما: أزمة الصراع العربي الإسرائيلي التي استمرت من مايو إلى يونيو، وانتهاء الحكم الاستعماري في عدن نتيجة الانسحاب البريطاني من جنوب شبه الجزيرة العربية في نوفمبر· وتزامن هذان الحدثان مع الأزمة الاقتصادية التي هزت المملكة المتحدة في نوفمبر بانهيار الجنيه الاسترليني· وبسبب هذه الأمور مجتمعة نستطيع أن نستنتج أن ''أبوظبي نجت من هذه الأزمات بخسائر لا تذكر البتة''· لقد سبّب الصراع العربي الإسرائيلي صدمة كبيرة لمشاعر سكان منطقة الخليج العربي، وفي أجزاء أخرى من الوطن العربي، ''ما أحدث ضرراً مباشراً بالمصالح البريطانية''· وأظهرت هذه الأزمة تعاطف الحكام ''والمهتمين بالسياسة في المنطقة'' مع القضايا العربية، وأدت إلى إشعال الكثير من المظاهرات والاضطرابات العنيفة في بعض الإمارات الشمالية و''لم تواجه شرطة أبوظبي أي صعوبات في السيطرة على المظاهرات الصغيرة التي حدثت ولم تتخللها أعمال عنف''، بيد أن الموقف الشجاع الذي اتخذه حاكم أبوظبي في هذه المناسبة الذي كان قد أكمل لتوه عشرة أشهر من تسلمه السلطة وما زال يافعاً في مجال الدبلوماسية الدولية - أوضح أن أسس سياسته الخارجية المستقبلية كانت ترتكز على مبادئ الأخلاق والعدل· وقف تصدير النفط وطبقاً لمااتُّفِقَ عليه في مؤتمر وزراء النفط العرب الذي عُقِد في بغداد وحضره ممثلو أبوظبي والبحرين وقطر - أصدر الشيخ زايد المرسوم الأميري رقم 4 في 9 يونيو 1967 بوقف تصدير النفط من أبوظبي إلى ''الدول التي تساند إسرائيل''· أورد آرشي لامب الوكيل السياسي في أبوظبي أن الحاكم أعطى تعليمات شفوية لشركات النفط لتطبيق مرسومه· كذلك أبلغ العمال العرب بهذه التعليمات وأمروا بقبولها، ''غير أن حكومة أبوظبي لم تعلن بصورة رسمية حظر تصدير النفط إلى كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية'' حسبما أكده لامب· يجب الانتباه إلى أن الشيخ زايد الذي جمع بين التميز السياسي من ناحية، والقيم الإنسانية من ناحية أخرى - لم يكن في نيته أبداً إلحاق الأذى أو الإضرار بمصالح الدول المشمولة بالحظر، بل كان المقصود إعلاناً سياسياً من زعيم عربي للمطالبة بالعدل في مجال السياسة الدولية· زعيم عربي أعلن الشيخ زايد، بعد شهر من سريان قرار الحظر أنه ''ليست لديه نية أبداً لخرق حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا''، ما شكل خطوة دبلوماسية أخرى تمكن بها الشيخ زايد من تصحيح انطباع كان قد ترسخ في الخارج مفاده أن إنتاج أبوظبي من النفط وصادراته لم يتأثرا بالحرب العربية الإسرائيلية· وذكر الحاكم صراحةً: ''لدي العديد من الأصدقاء البريطانيين والأميركان لكنني عربي أولاً وأخيراً· ولذا أعطيت تعليمات صارمة بألا يتم تحميل أية ناقلة نفط بريطانية أو أميركية''· وألزم الحاكم أي ناقلة '' بغض النظر عن جنسيتها '' بأن تبرز شهادة توضح المكان الذي تقصده، وأن تقدم عند عودتها إلى أبوظبي ''شهادة ثانية توضح أنها قد أفرغت حمولتها من النفط في ذلك المكان'' علاوة على ذلك قام الشيخ زايد ''بمنح الأردن أربعة ملايين دولار أميركي (1428500 جنيه إسترليني) لتخفيف معاناتها ما بعد الحرب''، وأمر باتخاذ الترتيبات اللازمة ''للنقل الجوي للمتطوعين الراغبين في مغادرة أبوظبي لمساندة القضية العربية'' عند اندلاع الأعمال العدائية· ورفع حظر النفط العربي بُعيد توصيات مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم· وفي 5 سبتمبر 1967 أصدر حاكم أبوظبي المرسوم الأميري رقم 6 قرر بموجبه إعادة ضخ النفط إلى جميع الدول التي أوقف عنها الضخ أثناء الاعتداء الأخير على الدول العربية· والانطباع الذي تركه زايد بردة الفعل التي أبداها أثناء هذه الأزمة هو أنه كان جاهزاً تماماً ليؤدي دوره ''كحاكم عربي مستقل''، حسب شهادة الوكيل السياسي في أبوظبي· ديمقراطية الصحراء لاشك أن عقد السبعينات من القرن العشرين سوف يبقى حياً في ذاكرة شعب الإمارات وقتاً طويلاً من حيث الأحداث المهمة التي شهدها، والتطور الكبير الذي كان سمة مميزة من سماته، والذي قاد مباشرة إلى ولادة الإمارات العربية المتحدة في وقت كان فيه الشيخ زايد في طريقه إلى قمة المجد في حياته السياسية ،ويعود الفضل الأكبر في النقلة التي حدثت في الإمارات إلى الشيخ زايد، القائد ورجل الدولة الذي تمكن من استنباط صيغة سياسية حيوية من النسيج المتشابك للسياسات القبلية والدبلوماسيات المتقاطعة· وقد وازن في تأسيس الاتحاد بين الأصول التاريخية والتراثية، والنظريات الدستورية الحديثة· '' أهدي هذا الكتاب إلى روح والدي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه ، تقديراً وإعجاباً بقيادته المتميزة وإسهاماته المجيدة لبلده وشعبه '' منصور بن زايد آل نهيان
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©