الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الرجل الذي يصرخ» يندد بالحرب الأهلية ويفضح المنتفعين منها

«الرجل الذي يصرخ» يندد بالحرب الأهلية ويفضح المنتفعين منها
17 مايو 2010 21:30
انفتح مهرجان كان على السنيمات الطليعية والمتميزة باتجاهاتها الفنية بغض النظر عن مصدرها، فصار مع الوقت نافذة لسنيمات العالم ومصدراً مهماً من مصادر انتشارها. وفي دورة هذا العالم عرض فيلم من تشاد للمخرج محمد صالح هارون، وهذه المرة الأولى التي يشارك فيها فيلم تشادي في مسابقات كان. وعرف العالم هارون مخرجاً من خلال مشاركاته في مهرجانات عالمية كبيرة. وفي فيلمه “الرجل الذي يصرخ” المعروض ضمن مسابقة الأفلام الروائية يتناول هارون الحرب الأهلية التشادية وما خلفته من نكبات وويلات. وحتى يظهر حجم العذابات التي عاناها سكان هذا البلد، ذهب إلى مكان بعيد عن ساحاتها فقد أراد تصوير الحرب عبر تجربة أناس عاديين وجدوا أنفسهم ودون إرادة منهم وسطها، فخسروا فيها أغلى ما يملكون مثلما خسر آدم ولده الوحيد فيها. وتعمد هارون التركيز على حياة آدم وولده عبد الله، ليشكلا المحور الرئيس الذي بنى عليه فيلمه. فآدم الرجل الذي قارب عمره الستين كان سباحاً محترفاً وحصل على العديد من الأوسمة ولهذا كان أبناء بلدته يسمونه البطل. ولحبه السباحة عمل مشرفاً على حوض السباحة في فندق بنجامينا يساعده فيه ولده عبد الله. وكان سعيداً ومزهواً بعمله ولكن تحول هذا الشعور إلى نقيضه بعد أن قررت صاحبة الفندق الجديدة فصله من عمله والاكتفاء بعامل واحد بدل عاملين. وكانت هذه أولى الانتكاسات التي تركت آثارها النفسية عليه مباشرة فتحول إلى رجل صامت. وفي هذا الجزء، الذي امتاز بإيقاع بطيء، أقرب إلى إيقاع الحياة في ذلك المكان، وضع هارون المشاهد في أجواء البلاد، وما جرى فيها من متغيرات اقتصادية؛ فالرأسمالية الصينية المنطلقة بقوة عالمياً وصلت إلى هناك والفقر الذي يعيشه آدم وعائلته شكل مظهراً عاماً يتشارك فيه عامة الناس، فيما كانت أصوات الطائرات الحربية، التي لم تظهر أبداً في الشريط، تملأ السماء بضجيجها، وتكفلت أصواتها المنفرة بنقل الحالة العسكرية التي كانت تشاد تمر بها، إلى جانب الأخبار التي كان آدم يواظب على سماعها من المذياع يومياً. لقد كانت تخبر الناس بأن ثمة حرباً كانت تجري بين القوات الحكومية وبين المتمردين عليها، ولكنها ما زالت بعيدة عن عائلة آدم. بعدها يدخل الشريط في تطور جديد، على المستوى السردي والتقني، تبرز خلاله شخصية جديدة تمثل المنتفعين من الحرب والتي باسم الوطنية كانت تطالب آدم الفقير بدفع بدل دعم الحرب ضد المتمردين. ولأن آدم لا يملك نقوداً فقد دفع حياة ابنه ثمناً. لقد سيق عبد الله عنوة إلى الحرب. وفي الثلث الأخير للفيلم يذهب هارون أعمق في تسجيل بشاعة الحرب، التي تتجسد في وصول خبر إصابة عبدالله في إحدى المعارك. ورغم محاولة تهريب الأب لولده من المستشفى فإن ساعته قد أزفت، فمات متأثراً بإصابته. وفي هذه اللقطات يلجأ هارون إلى أعلى درجات التكثيف ليسجل العلاقة الحميمة بين الأب وولده، والأشد إيلاماً المصير التراجيدي الذي يتعرضان له والذي ينقله الفيلم بصورة معبرة عن الإحساس بالخيبة والمرارة والفقدان المؤلم. وأوصل هارون بلغته السينمائية السهلة والممتعة جزءاً من صراع عبثي أخذ شكل حروب أهلية عاشتها بعض بلدان العالم الثالث وخاصة أفريقيا. ومع أن أفلاماً كثيرة نقلت هذه الحروب إلا أن مشاركة فيلم مخرجه من تشاد في مهرجان كان يمثل استثناء سيجلب الشهرة والرواج لفيلم “الرجل الذي صرخ” ليس بسبب موضوعه الحيوي فقط، بل لأن مستوى شغله البصري جيد. واللافت، أن هارون كتب بنفسه السيناريو ولهذا جاءت درجة الانسجام واضحة بين النص والإخراج. وعبر هارون عن مسؤوليته كسينمائي معني بالمشاكل التي تواجه الإنسان في وطنه وربما المشهد الأخير الذي يودع فيه الأب جثة ولده في النهر، كان كافياً لتكثيف الحالة النفسية المدمرة التي عاشها الأب وهو يودع ولده المقتول. والتراجيديا في فيلم هارون ليست تلاعباً درامياً يراد به اللعب على مشاعر المشاهد، بل هي محاولة نقل صادق لمشاعر البشر لحظة فقدان عزيز لهم. وهي في ذات الوقت احتجاج، لأن الحروب من صنع الإنسان وهي ليست مصائر تاريخية محتومة قدر ما هي قساوة تقف وراءها نفوس مريضة ومصالح متشعبة. لكل تلك الأسباب يعد فيلم هارون صرخة ضد الحروب الأهلية المجنونة، وفي نفس الوقت يعد منجزه حدثاً مهماً بامتياز للسينما الأفريقية، سيعود بالفائدة لها وسيظل حاضراً في الذهن طويلاً. فمشاركة فيلم أفريقي في مسابقة كان حدث سينمائي بكل الأبعاد.
المصدر: كان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©