الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا: الضحية المقبلة للأزمة العالمية

أفريقيا: الضحية المقبلة للأزمة العالمية
21 يناير 2009 23:48
إن الانخفاض الذي حدث مؤخراً على أسعار النفط والسلع الأخرى، جعل من شبه المؤكد أن تصل بعض البلدان غير المستقرة والمُصدِّرة للسلع إلى مرحلة الأزمة في غضون الأشهر القليلة القادمة· والسؤال الآن هو أيُّ هذه البلدان ستنفجر فيه الأزمة أولاً؟ يمكن الرهان على حدوث تأثر في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك فرصةً كبيرة جداً لأن يحدث انفجار حقيقي في أفريقيا، وعلى الأغلب في الكونغو ثم السودان· أما في أميركا اللاتينية فتتجه الأرجنتين نحو انهيار مالي وعجز آخر عن تسديد ديونها بينما يتواصلُ التدهورُ السريع في فنزويلا· وهناك روسيا أيضاً، التي يُرجَّح أنها لن تُحسِن التصرفُ في وقتٍ يمضي فيه اقتصادها نحو ركود شديد· وستتصاعدُ الضغوط على الولايات المتحدة خاصة من أجل التدُّخل، خصوصاً في أفريقيا، عندما تعود الحروب والمجازر الجماعية مرة أخرى· لقد كانت الأسعارُ المرتفعة للنفط والسلع الرئيسية الأخرى بمثابة غطاءٍ حاجب خلال السنوات القليلة الماضية، أخفى توتراتٍ متزايدة داخل البلدان المصدِّرة للسلع الرئيسية· أما وقد انخفضت العائداتُ الكبيرة بشدة من هذه الصادرات الآن، فإن القتال سيتصاعد لاقتسام حصصٍ من كعكةٍ مالية يتضاءلُ حجمُها باستمرار· وفي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار النفط، بحساب معدل التضخم، من 100 دولار تقريباً للبرميل الواحد عام 1980 إلى 16 دولاراً فقط للبرميل عام ،1997 كانت الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى المستوردة للنفط تتمتع بنموٍ اقتصادي سريع· ولكن عندما ارتفعت الأسعار الحقيقية للنفط، أخذت أضرارُها تظهر على النمو الاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً في السنة الأخيرة عندما تضاعفت أسعار النفط تقريباً· والحقيقة أن الارتفاع السريع في أسعار النفط وَخَزَ فُقاعة أسعار العقارات في الولايات المتحدة وأوروبا بأسرعَ مما كان لذلك أن يحدث لو كانت أسعارُ النفط أكثر استقراراً· وقد أدّى انفجارُ أسعار العقارات إلى حدوث الأزمة المالية، لأن كثيراً جداً من الأفراد والمؤسسات بالغوا في الاستدانة انطلاقاً من القناعة الخاطئة بأن أسعار العقارات ستمضي قُدُماً في اتجاهٍ تصاعدي· ومن جهةٍ أخرى، جلبت الزيادةُ الكبيرة في أسعار النفط والسلع الأخرى عائداتٍ غير متوقعة للدول المصَدِّرة· ولكن معظم البلدان الأفريقية المنتجة للنفط والسلع الأخرى، إضافةً إلى بلدانٍ مثل فنزويلا، أنفقت تقريباً كلَّ ما تلقته وزيادةً، بعكس النرويج والعديد من البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط· ولسنوات طويلة ظلت الأوضاع في الكونغو الديمقراطية، تتسم بعدم الاستقرار· وقد شهد هذا البلد حرباً أهلية بين عامي 1996-،1997 ثم حرباً أهلية أخرى بين عامي 1998-·2003 ولم يتوقف العنف تماماً على رغم وجود أعدادٍ كبيرة من قوات ''حفظ السلام'' التابعة للأمم المتحدة· ويعاني الكونغو من وجود مجموعاتٍ متمردةٍ محلية وإقليمية عديدة، ربما تبلغ 60 مجموعة، وهناك مناطقُ كثيرة في البلاد لا تخضعُ لحكم الدولة بصورة فعلية· وقد تصاعد العنفُ مؤخراً في المناطق الشرقية ووقعت حوادث اشتباكات متزايدة مع وحداتٍ عسكرية من رواندا المجاورة· ويأتي جزء كبير من الدخل في الكونغو من عمليات التعدين التي يتم بعضها بصورة غير قانونية، ومع تراجع العائدات من هذا المصدر بسبب الانخفاض العالمي في أسعار السلع، فإن الحوافز لسرقة الآخرين ستزداد· وفي ضوء التوترات الاقتصادية المتزايدة من جهة والأحقاد العِرْقِية والقَبَليِّة المتنوعة من جهة أخرى، فإنَّ هناك خطراً حقيقياً ومباشراً من أن يؤدي العنفُ المتسارع إلى نشوب حربٍ إقليمية عبر الحدود تنجُمُ عنها خسائر كبيرة في الأرواح· ومن جهته يشهد السودان نوعاً من الحرب الأهلية منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 تقريباً وحتى الآن· كما أنه شهد سلسلة متواصلة من الاشتباكات مع العديد من الدول المجاورة له· وقد نجمَ عن المعارك التي دارت عبر السنين بين عرب الشمال وغير العرب في الجنوب وقوعُ خسائرَ بشرية بلغت ملايين الضحايا، وهي أعدادٌ تفوقُ بكثير الضحايا الذين سقطوا في دارفور· وهناك احتياطيات نفطية ضخمة في جنوب السودان، ويجري شحن الإنتاج إلى الشمال للتصدير· وقد تمتع السودان بنسبة نمو مرتفعة جداً في السنوات الأخيرة، على رغم أن معظم أرجاء البلاد تعاني من فقرٍ شديد· وقد تم تقاسم عائدات النفط مع الجنوب بما يكفي لضمان وقفٍ مؤقت لإطلاق النار، ولكن كلا الطرفين يواصل التسلُّح، وهناك، على سبيل المثال، ما يدلُّ على أن السفينة الأوكرانية، التي كانت مُحمَّلةً بدباباتٍ وأسلحة من أيام العهد السوفييتي والتي سيطر عليها القراصنة الصوماليون مؤخراً، كانت متوجهة إلى السودانيين الجنوبيين· والسؤالُ الآن، وفي ضوء تراجع أسعار النفط هو، هل تقبل حكومة الخرطوم عائداتٍ أقل مقابل عدم دفع الجنوبيين إلى إشعال حربٍ أهلية أخرى؟ وحتى لو قبلوا بذلك فإلى متى سيستطيعون السيطرة على الأمور؟ والحال أن الأسعارُ المرتفعة للنفط والسلع لم تحقق فقط نمواً اقتصادياً حقيقياً في أفريقيا خلال العقد الأخير، ولكنها أيضاً مكَّنت العديد من المجموعات السياسية والميليشيات المختلفة من الحصول على الأسلحة وتخزينها مدفوعةً بإدراكها بأنه ليس من المحتمل أن يكون السلام دائماً· والآن، ومع احتمالات الانخفاض الشديد في عائدات النفط والسلع الأخرى على بلدان القارة، فمن المتوقع أن يعمد كثيرون إلى المحافظة على دخلهم النفطي عن طريق انتزاعه من مجموعات أخرى· وستتجددُ المجازرُ الجماعية على الأرجح، وستتعرضُ البلدان الغربية للضغط من أجل التدخُّل· ولكن محاولة إيجاد قبعاتٍ بيضاءَ حقيقية، في حين أن معظم القبعات على الساحة هي أطيافٌ متنوعة من اللونين الرمادي والأسود، سيُشكِّلُ تحدِّياً عند اختيار الجهة التي ينبغي دعْمُها· فالساعونَ للخير، شأنهم شأن الوسطاء الآخرين حسني النية، قد يجدون على الأرجح أن الهدف قد أصبح مُكْلِفاً ومستعصياً على الفهم· ريتشارد دبليو· ران كاتب ومحلل سياسي مهتم بالشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''منبر الحرية''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©