الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الحليان نحت نصّه بمزاج شعري وانتباهات لمّاحة

الحليان نحت نصّه بمزاج شعري وانتباهات لمّاحة
22 مارس 2015 23:20
إبراهيم الملا (الشارقة) ضمن متواليات وتقاسيم سمعية وبصرية بدت غاية في الانسجام والتناغم، وأعادت الكثير من العافية والوهج والبشارة إلى مسرحنا المحلي، قدمت فرقة مسرح رأس الخيمة الوطني مساء أمس الأول لجمهور الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية ما يروي عطشه الفني. عرض «مقامات بن تايه» من تأليف وإخراج مرعي الحليان، ونفذه أدائيا على الخشبة كل من سالم العيان في دور (المطرب الشعبي بن تايه)، والذي قدم أداء لافتا واستثنائيا في مشواره الفني، وأحمد ناصر (في دور ابن المطرب)، وعبدالحميد البلوشي في دور متعهد الحفلات، بالإضافة إلى الفنان حسن يوسف والفنانة الواعدة ميره العلي، وتميز جميع هؤلاء الممثلين بحضور قوي وواعٍ لقيمة وتأثير الشخصيات التي جسّدوها على الخشبة. متاهات وأقفاص يفتتح العرض على ضوضاء وموسيقا غربية مزعجة، وفي فضاء فارغ يحتله السواد من كل جانب وكأننا وسط كواليس مسرح كبير نرى المطرب الشعبي (بن تايه) وهو يرفض المشاركة في حفل عالمي مستضاف، ورغم العرض المادي المغري ورغم إلحاح متعهد الحفل ومحاولات إبن المطرب، إلا أن (بن تايه) يصرّ على الرفض كي لا ينمحي صوته التراثي الأصيل وتتلاشى صورته المعروفة وسط هذا الحشد من الموسيقيين والعازفين الأجانب، وكي لا يتحول إلى مجرد ديكور وعازف هامشي في الحفل. ووسط مربعات الضوء على أرضية الخشبة والتي بدت مثل أقفاص ومصائد نفسية، يقحمنا المخرج في لعبة شائكة من الصراعات والتمزقات والمحاكمات الاجتماعية والإسقاطات النقدية، بين الحداثة والتراث، وبين العابر والمقيم، وبين عشق الفن والمتاجرة به، وبين كل الأضداد المتنافرة في نسيج المكان، وفي أرواح المعذبين بانتمائهم لزمن جميل ولّى، وبات يذوب ويتبخر ويتقزّم أمام هجمة الظواهر والسلوكيات والأذواق الجديدة والممسوخة. هذه الإشكالية أو المتاهة المعنية بسؤال الانتماء وقيمته وجذوره يطرحها مخرج العمل ومؤلفه مرعي الحليان من زاوية أخرى في المشهد التالي من العرض، حيث تبرز الإشكالية هنا في العلاقة المتوترة بين الزوج المثقف المنتمي لطبقة فقيرة وبين الزوجة المرفّهة القادمة من طبقة أعلى في السلم الاجتماعي، ونستمع للزوج وهو يقول في أحد الحوارات المؤثرة: «جربتي إتشمين ريحة النخل، عقب ما يطيح المطر؟» فتجاوبه الزوجة: «فكني من غبارك الجديم»! هذا الحوار رغم شعريته الصادمة، يمكن له أن يفتح مغاليق عديدة في ثنايا هذا العرض الحميمي الذي بعث طفولتنا من مرقدها البعيد، وأيقظ صوت المفردة الشعبية الآسرة والمحلّقة فوق ماء وصحراء وجبل، مجلجلا بأصداء المطربين الشعبيين القدامى، وبصوت العود وإيقاع المراويس وصرير خشب (الدروازة) وحفيف (الرمرام) في براري المخيلة. ورشة ذهنية كما يمكن تكثيف محتوى هذا العرض المتشعب تعبيريا والعصي على التأطير في المشهد التالي: «عود مهجور يحكي اغترابه في ضجة من انفصام وترف، وصوت يستقيل من بحّة الحنين وعذوبة المواويل الغارقة، إنه عود من شجر أصيل يقف وحيدا ومرتجفا وسط خرائب لامعة وعواطف زائفة وقلوب من حجر. بينما يقف في زاوية متداخلة رجل وامرأة يرويان لنا قصة عشق ملتبس، ويطرحان مفاهيم حادة تتجاوز الذات نحو مدارات أوسع وأشمل، لإعادة الروافد التائهة إلى مجراها الأمثل ونبعها الأول». قد يبدو هذا التوصيف مقاربا نوعا ما للنص المسرحي المحكم والرصين الذي كتبه الحليان بمزاج شعري عال وبانتباهات ذكية ولمّاحة ومخترقة بلطف وشفافية لذاكرة الغناء والطرب الشعبي، وهو نص لا يمانع أيضا في تعميم وتدوير وتأويل مضامينه ومقاصده، لأنه ينطلق من الحالة الفردية إلى ضروب من إشكالات وقضايا عامة، وهو نص يتسرب من متن الحكاية وأصلها إلى هوامش وتخوم وتفريعات حياتنا المعاصرة بكل ما فيها من عقد وصراعات واحتدامات، كما نستطيع إلحاق هذا العرض وبشكل مجازي لما يمكن وصفه بـ(مسرح المؤلف) قياسا للمصطلح الشائع: (سينما المؤلف) حيث تمتزج هنا رؤية الكاتب مع اقتراحات المخرج، وكلاهما ينطلقان من ذهنية مشتركة تنحت في النص، وتحرث في الخشبة، وكان واضحا أن الطيف الثالث الذي بدا لنا في العرض، هو طيف الدراماتورج المثقف والواعي وصاحب المهارات الخاصة في استجلاب المعلومات والبحث في المراجع ووضع البناء المسرحي وتحليله من أجل الوصول للصيغة الأمثل حول مكونات العرض وحركة الممثلين والمؤثرات التقنية وتوزيع الإضاءة وتصميم السينوغرافيا. في الندوة التطبيقية: خديعة رومانسية محمد عبدالسميع (الشارقة) بحضور مرعي الحليان مؤلف ومخرج مسرحية «مقامات بن تايه»، أدار الفنان عبدالله مسعود الندوة التطبيقية، وشهدة الجلسة مداخلات عديدة. قال محمود عبدالله: الموضوع ناقوس خطر يحذر من الهجمة على الشخصية والتراث والموروث العربي. غانم السليطي قال: مخرج واعي وأدوات الممثل إضافة لماكينات التمثيل الإماراتية. بوسلهام الضيف قال: عرض حداثي بامتياز، خلق مسرحاً حقيقياً ينتمي للإنسان. ليلى محمد قالت: الإخراج والتمثيل في هذا العرض ينتمي إلى الحداثة ويعتمد على التجريب وعلى الممثل بالأساس. مضر رمضان، قال: العرض كشف أجزاء من عيوب الثقافة العربية ولم يتعرض لكشف عيوب الثقافة الأخرى. وقال محمد ولد سالم: لأول مرة نشاهد مخرجاً لا يتهرب من مواجهة مسألة العولمة الثقافية. علي فاضل رأى أنه عرض حمل معاني ومضامين قوية على مستوى المشهدية البصرية. ورد المخرج ومؤلف العمل مرعي الحليان قائلاً: نذهب لعمل فيه خديعة رومانسية لنفتح الجرح. كانت الإضاءة بهذا الشكل وتباعد الشخصيات كان بهدف إبراز التنافر وإيضاح أن هناك مقاما ناقصا.. نريد الانتصار للممثل في كل الحالات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©