الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقشف حافز للنمو.. أسطورة!

27 يونيو 2016 23:38
كتب «جريج مانكيو»، أستاذ الاقتصاد في جامعة «هارفارد» والصوت المحترم في دوائر صناعة السياسات الاقتصادية، مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً يناقش فيه خمسة تفسيرات محتملة لتباطؤ النمو في الدول الغنية. والاحتمال الأخير الذي ناقشه هو احتمال لم أره كثيراً في السنوات الأخيرة، وهو مفهوم أن العجز في الميزانيات الحكومية من شأنه إبطاء النمو الاقتصادي. وقبل خمسة أعوام، كان من الشائع سماع مزاعم أن إفراط الحكومة في الاقتراض من شأنه الإضرار بالنمو، وهي فكرة معروفة بـ«التقشف التوسعي». وقد أجرى باحثون لدى «صندوق النقد الدولي» قدراً كبيراً من الأبحاث التي يستشهد بها مؤيدو هذه النظرية. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية، كانت هناك تساؤلات كثيرة حول تشجيع الصندوق في الماضي على التقشف. ووظيفة «صندوق النقد» هي إقراض الدول التي تواجه صعوبات، غير أنه أيضاً يحاول جعل قروضه مشروطة بأن تطبق الدول إصلاحات في سياساتها الاقتصادية تهدف إلى حل المشكلات التي دفعت الدولة للأزمة في المقام الأول. ولكن لفترة طويلة، اعتبر الصندوق عجز الموازنات الحكومية مصدر مشكلات خطيرة، وبعد سلسلة اضطرابات مثل الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، ضغط صندوق النقد على الحكومات المقترضة لتقليص الإنفاق. بيد أن الصندوق تعرض لانتقادات متزايدة بسبب هذا النهج، فمبادئ السياسة المالية «الكينيزية»، التي بدأت تعود ببطء للمشهد، تشير إلى أن تقييد الإنفاق هو أسوأ شيء يمكن فعله في خضم الركود. وبصورة عامة، ليس من الواضح أن هناك طريقة سحرية تجدي بها هذه السياسات بصورة إيجابية. ويبدو أن المبرر الأساسي المزعوم هو تلك الفكرة الغامضة التي تقول إن انخفاض عجز الموازنة يزيد ثقة مجتمع الأعمال. وقد بدا أن بعض الأبحاث تؤيد سياسات التقشف. ويؤكد واحد من تلك الأبحاث، أجراه الخبير الاقتصادي «كينيث روجوف»، الذي عمل كبيراً للاقتصاديين في صندوق النقد الدولي من 2001 إلى 2003، بالتعاون مع الباحثة «كارمين رينهارت»، أن الدول التي تقترض أكثر تنمو بشكل أقل. ولكن في عام 2013، تعرض هذا البحث لانتقادات واسعة وأظهرت تحليلات لاحقة أنه لا يوجد دليل على أن زيادة الديون تسبب تراجعاً في النمو. وهناك دراسة أخرى تؤيد التقشف، استشهد بها «مانيكو» في مقاله المنشور في «نيويورك تايمز»، وقد أجراها «أوليفر بلانشتارد» و«روبيرتو بيروتي» في عام 2002. وتوصلا إلى أنه عندما يرتفع الإنفاق الحكومي، تتراجع استثمارات الشركات. وتتعارض تلك النتيجة المؤيدة للتقشف مع كثير من الأبحاث الأخرى، ولكنها كانت مؤثرة جداً بصورة جزئية بسبب وضع «بلانتشارد» كرمز كبير في علم «الاقتصاد الكلي»، ولأنه كان كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي من 2008 إلى 2015. وعلى رغم ذلك، غيّر «بلانتشارد» موقفه في السنوات الأخيرة. وفي بحث أجراه عام 2013 بالتعاون مع «دانييل ليغ»، أظهر أن صندوق النقد الدولي كان مخطئاً دائماً في تقديراته لتأثيرات التقشف. وكلما توقع الصندوق منافع كثيرة، كان مخطئاً في تكهناته! وتوصل «بلانتشارد» و«ليغ» إلى أن كل دولار من الإنفاق التحفيزي ينتج أكثر بكثير من دولار إضافي في الناتج الاقتصادي. وهو ما انعكس على تفكير صندوق النقد الدولي. ففي توقعاته الاقتصادية لعام 2012، بينما تظاهر بتأييد «التعزيز المالي»، إلا أنه كشف عن تغير في التفكير قائلاً: «إن النشاط الاقتصادي أحبط عدداً من الاقتصادات التي باشرت (التعزيز المالي)، ولذا فإن التساؤل الطبيعي هو ما إذا كانت التأثيرات السلبية قصيرة الأجل للتقشف أكبر مما توقعنا لأن (المضاعفات المالية) أسيء تقديرها؟.. وتشي نتائجنا الجديدة بأن المضاعفات المالية الحقيقية كانت أكبر مما افترض محللونا». وهذه التصريحات لم تكن مجرد إقرار بالخطأ دفعة واحدة فحسب، وإنما تغير وضع سياسات صندوق النقد الدولي بشكل عام تغيراً كبيراً مقارنة مع السنوات القليلة الماضية. وقد توصلت دراسة حديثة أجراها باحثون لدى «الصندوق» أن الاستثمارات الحكومية تعزز القطاع الخاص، بدلاً من أن تضيق الخناق عليه. *أستاذ مساعد للمالية في جامعة «ستوني بروك» الأميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©