الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة وجودية لأوروبا المتكاملة

28 يونيو 2016 17:05
من المتوقع أن يؤدي تصويت بريطانيا التاريخي بمغادرة الاتحاد الأوروبي إلى انجراف الكتلة التي تتألف من 28 دولة إلى أزمة وجودية، وأن يشهد «حلم أوروبا المتكاملة» أكبر ضربة له منذ بدء المسيرة نحو تحقيق الوحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ويواجه هذا الجهد الآن قفزة كبيرة إلى الخلف، مع خروج بريطانيا الذي يحمل تداعيات عالمية، وسيؤدي خروجها إلى تغيير الاتفاقات التجارية والأسواق المالية المضطربة بالفعل، ومن بينها، أسواق آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا، كما أنه سيقسم – ويضعف بشكل كبير - كتلة الدول المتحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. ويخشى المراقبون من أن أوروبا المنقسمة حديثاً، ربما أيضاً تزيد من جرأة روسيا، بينما تخفف من سلطة ونفوذ الغرب، والخوف من أنصار الاتحاد الأوروبي، هو أن التصويت البريطاني ربما يكون قد استولى على روح العصر، واستياء عميق من العولمة يمتد عبر الأطلسي، وهو شعور قد يترجم إلى مزيد من القومية وعقلية قائمة بذاتها. والسؤال هو ما إذا كان تحرك بريطانيا لتصبح أول دولة تخرج من الاتحاد سيمثل البداية لسلسلة من الاستفتاءات المماثلة التي يمكن أن تهدد بقاء الكتلة. ومن ناحية أخرى، فقد أشاد الشعبويون في جميع أنحاء أوروبا بالتصويت البريطاني باعتباره فرصة للتخلي عن «المشروع الأوروبي» للوحدة السياسية والاقتصادية. وغرد قادة اليمين في فرنسا وهولندا ودول أخرى، معربين عن تأييدهم لإجراء استفتاءات للخروج من الاتحاد الأوروبي، وبينما تغادر الاتحاد، ربما تفقد بريطانيا قدراً كبيراً من إمكانية إبداء رأيها في الشؤون الأوروبية، لكن بقية أوروبا تعاني، أيضاً، ويتوقع معظم الخبراء على الأقل تجميد، إن لم يكن تراجع خطير في الخطوات التي تم اتخاذها على مدى عقود طويلة نحو التكامل الإقليمي. ويقول الخبراء، إن الاتحاد الأوروبي سيجبر على إلقاء نظرة فاحصة على نفسه. وينبغي على القائمين عليه حاليا التعامل ليس فقط مع الخروج الفوضوي لبريطانيا، بل أيضاً إعادة تجديد الكتلة بطريقة تجعلها أكثر سهولة وحيوية للناخبين في جميع أنحاء أوروبا. ومن المرجح أن يثير خروج بريطانيا «أزمة ذات أبعاد هائلة، لم نعرفها حتى الآن»، بحسب «ستيفين بلوكمانز»، باحث بارز في مركز دراسات السياسة الأوروبية. والقارة التي تواجه بالفعل مشاكل مجتمعة، من بينها أزمة اللاجئين، واستمرار مشاكل الديون السيادية واستمرار الحرب بدرجة منخفضة في أوكرانيا - ستجد اهتمامها الآن حكرا على المفاوضات المطولة بشأن انسحاب بريطانيا. وذكر الأمين العام للناتو «ينس ستولتنبرج» أثناء مقابلة يوم الجمعة، أن «عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ دائماً يخلقان تحديات لأمننا، إنه وضع لا يمكن التنبؤ به الآن أكثر مما كان الأمر قبل أن تقرر المملكة المتحدة الخروج». وعندما يقرر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الانفصال أخيراً - في عملية من المتوقع أن تستغرق عامين على الأقل - ستتضاءل الكتلة إلى حد كبير، والأكثر تأثيراً سيكون ذهاب أهم قواتها العسكرية والدبلوماسية، وكذلك ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد والذي يمتد من أيرلندا إلى اليونان، ولاتفيا والبرتغال. وما سيتبقى سيكون كتلة أكثر تركيزاً، أكثر من أي وقت مضى، على أقوى دولة قوية من الناحية السكانية والاقتصادية - ألمانيا. ومن المرجح أن تولد هذه الحقيقة توترات جديدة، ولا يزال الألمان قادة مترددين وغير راغبين في احتضان هذا النوع من الدبلوماسية القوية، المدعومة من قوة عسكرية، والتي قد تحتاج إليها الكتلة لممارسة نفوذ عالمي خطير. وبعض الدول المجاورة لألمانيا، والتي تضع في اعتبارها الحربين العالميتين في القرن الـ20 ما زالت لا تثق بألمانيا. وينضم لهذه المخاوف القديمة مخاوف أحدث – لا سيما إصرار ألمانيا على نظام مالي منضبط، باعتباره محور عضوية الاتحاد الأوروبي، وهناك تيار من التوتر يمر عبر الحكومة الألمانية فيما تفكر في خسارة بريطانيا - والتي كان رئيس وزرائها المحافظ ديفيد كاميرون يدعم إلى حد كبير المستشارة حملة التقشف لأنجيلا ميركل. وتخشى برلين الآن من حدوث «توحد» من قبل دول، من بينها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، والتي قد تسعى إلى إطاحة سياسة التقشف أولاً لميركل. ومع ذلك، إذا كان الألمان لا يقودون، فمن الذي سيقود؟ إن فرنسا مشتتة للغاية، فهي دولة غارقة في الركود الاقتصادي وحرب على الإرهاب، أما إيطاليا وإسبانيا، في الوقت نفسه، فهما تكافحان مع صعوبات مالية واضطرابات سياسية وبطالة واسعة النطاق. إن خروج بريطانيا سيوجه ضربة قوية خاصة لبروكسل، مقر مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتضررة. ويعتمل في المدينة شعور بأن الاتحاد الأوروبي يمكنه فقط أن يتوسع، وليس أن ينكمش، مع مشروعات البناء العملاقة التي تفتح تفتح آفاقاً جديدة لإيواء مزيد من البيروقراطيين الأوروبيين. وحتى قبل أسابيع قليلة، كان قلة من المسؤولين الأوروبيين في عاصمة الاتحاد الأوروبي يتوقعون إمكانية خروج بريطانيا، بحسب ما أكد دبلوماسيون ومحللون، ومع ذلك، فلم يتم وضع خطط مفصلة عما سيتم عمله في حالة المغادرة، ما جعل المسؤولين يجاهدون للاستجابة الآن. *مدير مكتب «واشنطن بوست» في برلين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©