حلاق الصحة !

هذا المشهد كان يتكرر كثيرا بالمناطق الريفية في العديد من الدول العربية، نحن الآن في صالون حلاقة بإحدى القرى قبل سنوات، والحلاق هو طبيب القرية والمهيمن على شؤون صحة أفرادها، وهو الذي تسبب في إصابة طه حسين بالعمى، وساهم بالمقابل في شفاء آلاف المرضى بما يملكه من خبرة عملية في التعامل مع بعض الأمراض· في صالون حلاق ''الصحة'' هذا، يجلس أحد الأشخاص منتظرا العلاج من صداع حاد، وما أن ينتهي الحلاق من حلاقة شعر ''الرأس'' التي بين يديه، حتى يمسح يديه بقليل من الكحول استعدادا لعلاج مريضه، وبعد أن يستمع إلى الشكوى، يستأذن مريضه في التغيب للحظات يعود بعدها حاملا وعاء به عدة ديدان، يضع إحداها على جانب جبهة المريض، ويضع ثانية على الجانب الآخر، لتبدأ الدودتان في امتصاص الدم، وبعد لحظات يزول الصداع· حتى وقت قريب كانت ديدان العلق، مصاصة الدماء البشرية، وسيلة علاجية فعالة لعشرات الأمراض في العديد من المناطق الريفية، وكان التفسير الوحيد لهذا التأثير العلاجي هو أن الدودة تمتص الدماء الفاسدة وتخلص الجسم منها· وجاء الطب الحديث ليكتشف الأسباب الحقيقية لهذا التأثير، ومنها على سبيل المثال أن الدودة قبل أن تبدأ في امتصاص الدم تقوم بإفراز مادة كيمائية خاصة لمنع تجلطه، هذه المادة لها تأثيرات علاجية عديدة، أهمها خفض ضغط الدم ومعادلة تأثير الكولسترول الخبيث، وآخر التأثيرات العلاجية التي تم اكتشافها حديثا، علاج الالتهابات الروماتيزمية· فقد جرب أطباء روس، من جامعة كازان، ديدان العلق على 100 مريض بالروماتيزم، وتوصلوا إلى أنها تقلل الآلام وأعراض التهاب المفاصل الأخرى· ويعتقد الأطباء أن المواد المخففة للدم والمقللة للألم التي تطلقها الديدان هي صاحبة الفضل في معالجة الروماتيزم، وهو ما اكتشفه حلاق القرية بالفطرة قبل مئات السنين· alhefnawi@yahoo.com