الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبداعات شيوخ الخزافين في مصر المملوكية.. بين الطابعين الفاطمي والصيني

إبداعات شيوخ الخزافين في مصر المملوكية.. بين الطابعين الفاطمي والصيني
5 سبتمبر 2009 01:40
في الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية الأولى والمعروفة اليوم بحي مصر القديمة ازدهرت الفواخير أو معامل إنتاج الخزف والفخار خلال العصر المملوكي وذلك بعد ان تحولت الفسطاط من مدينة مزدهرة إلى مجرد أطلال بعد الحريق الذي دمرها في عهد الوزير الفاطمي شاور• وعندما أجريت الحفائر الأثرية في كيمان الفسطاط في النصف الأول من القرن الماضي تم الكشف عن بقايا أواني الخزف والفخار والقطع التالفة التي أهملتها الفواخير، وكان معظمها يحمل توقيعات لعدد من الخزافين الذين أبدعوا في صناعتها وزخرفتها• ويظهر أن توقيعات الخزافين كانت بمثابة العلامات التجارية لمنتجات معاملهم وفي ذلك اعتزاز بصنعتهم أمام جمهور المستهلكين• ومن هؤلاء الفنانين خزاف اسمه «غيبي» يبدو أنه أحرز شهرة واسعة في مجال عمله حتى أننا نرى العديد من القطع التي تحمل اسمه أو توقيعه فتارة كان يوقع باسم «غيبي» وتارة أخري «غيبي الشامي» وأحيانا «غيبي التواريزي» ايضا. نوعان من الخزف ويغلب على الظن أن كل هذه التوقيعات كانت إعلانا عن اسم مصنعه أكثر منها توقيعا فنيا خاصا به، ومن خلال دراسة فنية لمنتجات «غيبي» يمكن القول إنه كان ينتج نوعين من الخزف لإرضاء الذوق الفني لدى المستهلكين• النوع الأول استوحى فيه رسوم الخزف الفاطمي والتي كانت لدى البعض طرازا تقليديا يدل على الفخامة فلجأ الى محاكاة ما كان يرسم على هذا الخزف من صور لحيوانات وطيور فضلا عن العناصر النباتية والعبارات الدعائية• ومن أمثلة هذا النوع قطع من إناء خزفي بوسطه رسم سمكة وقد التوى جسمها في رشاقة واضحة وقطع أخرى بها رسوم متنوعة مثل رسم ثور ينام تحت شجرة وغزال وسط زخرفة نباتية قريبة من الطبيعة وكذا تصاوير تمثل انقضاض حيوانات مفترسة على طيور برية• أما النوع الثاني فهو قطع خزفية تحمل الطابع الصيني، وفي ذلك تلبية ايضا للذوق الفني السائد آنذاك حين كانت مصر تستورد الأواني الخزفية من الصين وقد لاقت هذه المنتجات إقبالا شديدا نلحظ أثره الخالد في اطلاق المصريين تسمية الصيني على كل منتجات الخزف مهما كان مصدرها إلى يومنا هذا• ومن منتجات «غيبي» التي حاكى بها الخزف الصيني بقايا أطباق بها رسوم لطيور خرافية ورسم لشخص له رأس حيوان يجلس على كرسي وهو فيما يبدو مستوحى من موضوع صيني تقليدي• غزال والرزاز ومن الخزافين الذين عملوا بالفسطاط وتركوا قطعا تحمل توقيعاتهم الفنان «غزال» والفنان «الرزاز» ويظهر في أعمالهما الالتزام الكامل بتقاليد الخزف الفاطمي القديم، من حيث استخدام رسوم الحيوانات والطيور والزخارف النباتية، إضافة إلى الكتابات المسجلة بخط النسخ وعلى طرف النقيض من هذين الفنانين يقف كل من «درويش» و»عجمي» حيث ظهرت توقيعاتهما على قطع خزفية تبدو شديدة التأثر بالأساليب الصينية وخاصة في رسوم النباتات والكائنات الخزافية• ويعتبر «شيخ الصنعة» من أهم الخزافين الذين مثلوا الطابع التقليدي في التصوير المملوكي الذي نرى امثلته الناضجة في تصاوير المخطوطات• ويشير تلقبه بشيخ الصنعة إلى أنه كان شيخا لطائفة أو نقابة الخزافين وهو منصب لا يرقى إليه إلا من مهر في الصنعة ودان له جميع افرادها بالولاء التام• ورغم قلة الأعمال التي تحمل توقيعه فان «ناصر الدين الترجمان» كان فنانا موهوبا يمارس عمله الرفيع القدر في انتاج خزف زهيد الثمن للغاية ويعتمد اسلوبه الفني على الاغراق في الطابع الزخرفي حيث ينقش ارضية اوانيه بزخارف التوريق العربية «الارابيسك» ويترك مساحات محجوزة في وسطها لرسم بعض الطيور وقد اشرأبت اعناقها وشرعت اجنحتها استعدادا للطيران• ويشابه الترجمان من ناحية العناية بالزخارف الناتية خزاف اخر هو «دهين» الذي يشهد ببراعته في هذا المضمار بقايا من الخزف محفوظ بمتحف الفن الاسلامي بالقاهرة• اما «ابوالعز» المعاصر لهما فهو على غزارة انتاجه يظهر ميلا واضحا لتقاليد الزخرفة الفاطمية التي تحولت فيما يبدو عقب سقوط خلافة الفاطميين الى اسلوب شعبي اثير لدى عامة الناس• ولا يختلف امر «المهندم» عن سابقه فهو أيضا يحاكي بدقة تامة الموضوعات والزخارف المألوفة في الخزف الفاطمي وكذا كان يفعل «العجيل» الذي عمل في بدايات العصر المملوكي• الأستاذ المصري ويسترعى الانتباه بين توقيعات هؤلاء الخزافين توقيع «الأستاذ المصري» وهو ما يعني قدرا كبيرا من الاعتزاز بعمله الذي برع فيه حتي أصبح استاذا «الأسطى تعنى الأستاذ» وتدل نسبته «المصري» على أن هذا الخزاف ينتمي إلى فواخير الفسطاط المعروفة بمصر القديمة• ويبدو أن هذا الفنان عاش في الفترة الأخيرة من عصر المماليك لأن كثيرا من موضوعاته الزخرفية والتصويرية تتشابه مع الأواني المعدنية المنتجة في عصر المماليك الجراكسة ويتبع الاستاذ المصري طريقة مختلفة في ترتيبه لزخارفه فيبدأ بالرسم في منتصف الصحن ثم تبدأ زخارفه بالانتشار في اتجاه حواف الاناء• ويتفق اسلوب الخزاف «ابوالعز» في تلك الخاصية الاخيرة مع أعمال «الأستاذ المصري» فنراه يكتفي احيانا بتزيين قاع الاناء وحسب أو يرسم وردة متفتحة في وسط الصحن ومنها تخرج افرع نباتية ملتوية وحلزونية تنتهي جميعها عند حواف الاناء• وعلى النقيض من هذا الاسلوب الفني تقف منتجات الخزاف «ابن الخباز» حيث تظهر الأواني التي تحمل توقيعه مسبوق بكلمة «عمل»، انه كان يراعي التوازن في توزيع رسومه على الإناء فتتجاور وحداته الزخرفية إلى جانب بعضها دون ان تفقد اتصالها أو تداخلها وكأنها قطع متالفة من تصميم زخرفي واحد• ويمثل الفنان «الشامي» مدرسة فنية مستقلة على هذا الصعيد من الفهم الزخرفي اذ يكتفي هذا الفنان برسم عنصر واحد يكون غالبا من الطيور وقد تمتد في بعض الاطباق لتصل ذيولها إلى حافة الاناء• ويقترب من أسلوب «الشامي» فنان آخر هو «الهرمزي» الذي يركز عمله الزخرفي فقط في قاع الآنية تاركا زخارفه تمتدإالى حافة الاناء حينا أو تنكفئ على ذاتها في قاع الإناء احيانا اخرى• أشهر خزاف ويدين جميع الخزافين لاثنين من أشهر الذين عملوا في العصر الفاطمي الأول هو «علي البيطار» الذي كان يوقع على أعماله بعبارة « من عمل علي البيطار بمصر» أي من الخزافين بالفسطاط وإلى هذا الخزاف الذي انتج اعماله في بداية العصر الفاطمي يرجع الفضل في تطوير زخارف الخزف لتكتسب رشاقة رائعة بعدت بها عن غلظة النسب الزخرفية المعروفة عن رسوم الخزف الطولوني• اما الخزاف الثاني فهو «مسلم بن الدهان» أو ابو القاسم مسلم بن الدهان أشهر خزاف مصري في العصور الإسلامية وعلى يديه تحررت رسوم الخزف من الجمود الطولوني وتميزت بالتعبير الجريء عن الحركة• ويميل مسلم إلى رسم موضوعه الرئيسي بحيث يتوسط الإناء وهو ينوع بين رسوم الطيور والحيوانات والآدميين وقد يلجأ أيضا إلى تصوير الكائنات الخرافية ويمزج بينها وبين زخارف نباتية دقيقة تؤلف خلفية لموضوعه الرئيسي•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©