السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع عمرو بن العاص ..إمام المساجد وقطب سماء الجوامع

جامع عمرو بن العاص ..إمام المساجد وقطب سماء الجوامع
5 سبتمبر 2009 01:42
يتوسط جامع عمرو بن العاص اليوم حي مصر القديمة وهي التسمية التي تعرف بها الآن مدينة الفسطاط أولى عواصم مصر في العصر الإسلامي، ومثلما كانت الفسطاط أول حاضرة إسلامية تشيد على أرض القارة الأفريقية، فقد كان جامعها الذي شيده فاتح مصر عمرو بن العاص أول بيت لله يقيمه المسلمون في القارة السمراء، وقد عرف لذلك باسم الجامع العتيق وايضا تاج الجوامع. مكانة خاصة يحظى جامع عمرو بن العاص بأهمية خاصة لدى عامة المصريين خلال شهر رمضان الكريم إذ يتولى مشاهير الأئمة إمامة صلوات التراويح ولذلك فإنه يندر أن يتوفر موطئ قدم داخل الجامع بعيد صلاة العشاء. والحقيقة أن إقبال المصريين عل الصلاة بجامع عمرو خلال شهر رمضان يعود بالأساس إلى أنه من المواضع المشهورة بإجابة العداء فيها حسبما أشار الى ذلك المؤرخين نقلا عن الصحابة الأوائل الذين رافقوا جيش الفتح. ويشتهر الجامع منذ تأسيسه في عام 21هـ (642م) بعقد جلسات ودروس العلم في أروقته وتنتظم هذه الدروس بشكل خاص خلال شهر رمضان. وحسبما يشير المؤرخ ابن دقماق في كتابه «الانتصار لواسطة عقد الأمصار» فإن عددا كبيرا من مشاهير الصحابة شارك في تحري قبلة هذا الجامع، إلا انها جاءت منحرفة بعض الشيء عن الاتجاه الصحيح للقبلة، وتزخر المصادر التاريخية بأوصاف تاج الجوامع الذي عمره الصحابة بأداء الصلوات وإلقاء الدروس حتى أن أحد المؤرخين يصفه بأنه «إمام المساجد ومقدم المعابد وقطب سماء الجوامع ومطلع الأنوار اللوامع وموطن أولياء الله وحزبه وطوبى لمن حافظ على الصلوات فيه وواظب على القيام بنواحيه وتقرب منه الى صدر المحراب وخر إليه راكعا وأناب». والحقيقة أن جامع عمرو كان صغيرا عند تشييده إذ لم تتعد أبعاده الأولى 50 ذراعا طولا و30 ذراعا عرضا، كانت كلها ظلة للصلاة بلا صحن مكشوف ولم يكن للجامع محراب مجوف، بينما كانت جدرانه عارية من كل زخرف وله بابان في الضلعين الشمالي والغربي، وآخران يواجهان دار الإمارة الملاصقة لجدار القبلة. وعندما اتخذ والي مصر عمرو بن العاص لمسجده هذا منبرا من الخشب ليخطب في الناس من فوقه كتب اليه الخليفة عمر بن الخطاب يأمره بكسره قائلا:»أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك، فكسره ويقال انه أعاده بعد وفاة الفاروق عمر بن الخطاب». توسعة المسجد مع تزايد الهجرات العربية إلى مصر وانتشار الإسلام بين المصريين ضاق الجامع بالمصلين فتعاقب الولاة على توسيعه فترة بعد أخرى حتى توارت تماما كافة المعالم الأصلية للجامع الأول. وفي سنة 53هـ/ 672م قام الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري بزيادة مساحة الجامع وأنشأ أربع صوامع للمؤذنين في أركانه وزخرف جدرانه وسقوفه وأمر بفرشه لأول مرة بالحصر بدلا من الحصباء وجاء الوالي قرة بن شريك فهدم الجامع وأعاد تشييده بمساحة كبيرة في عام 93هـ وظهر المحراب المجوف لأول مرة في عمارة قرة بن شريك. وخلال العصر العباسي زيدت مساحة الجامع حتى وصلت على يدي الوالي عبدالله بن طاهر في سنة 212هـ «827هـ» الى مساحته الحالية وهي 120 مترا طولا و113 مترا عرضا ورغم ذلك لم يبق من الأعمال المعمارية لهذا الوالي سوى بعض زخارف على الخشب نقلت الى متحف الفن الاسلامي بالقاهرة. وبعد استقرار مساحته شرع الولاة في العناية بزخرفته وتزيينه ولم يأت منتصف القرن الرابع الهجري حتى كان الجامع قد بلغ ذروة الغنى الجمالي مما جعل الرحالة المقدسي يصفه بالفخامة وانه حسن البناء وفي حيطانه شيء من الفسيفساء على أعمدة رخام أكبر من جامع دمشق وهو اكثر مواضع مصر عمرانا. حريق «شاور» على الرغم من العناية الكبيرة التي أولاها الفاطميون لجامع عمرو بن العاص، فإن بناء الجامع أصيب في عام 564هـ (1168م) عندما أقدم الوزير الفاطمي شاور على إحراق مدينة الفسطاط خشية سقوطها بأيدي الصليبيين وظلت النار مشتعلة بها 54 يوما فتخربت مبانيها وتشعث جامع عمرو بعد أن هجره المصلون ولم تفلح محاولات الحفاظ عليه من قبل الأمراء والسلاطين لانتقال العمران الى شاطئ النيل بعيدا عن موقع الجامع. وقيض لتاج الجوامع أن يعاد ترميمه بصورة شاملة على يد الأمير مراد بك في العهد العثماني وبالتحديد في عام 1212هـ (1797م) أي قبل مقدم الحملة الفرنسية لمصر بعام واحد. ويقال ان مراد بك فعل ذلك بحثا عن كنز أخبره بعض العرافين أنه مدفون تحت أرض الجامع ولكن هذه الأعمال المعمارية انهارت بصورة جزئية في عام 1300هـ (1882م) مع الاحتلال البريطاني لمصر، وأعيد بناء الأروقة في الظلتين الجنوبية والشمالية واستغرقت أعمال البناء والزخرفة التي أشرفت عليها لجنة حفظ الآثار العربية حوالي 17 عاما انتهت مطلع القرن العشرين. وخلال ذلك أجريت تنقيبات أثرية في أرض المسجد أسفرت عن كشف القواعد القديمة للأعمدة وهو ما أتاح اجراء ترميم علمي وشامل لإعادة جامع عمرو بن العاص الى هيئته التي كان عليها في عهد عبدالله بن طاهر. حلقات تدريس بإشراف الأزهر أعاد المجلس الأعلى المصري للآثار في السنوات الأخيرة تأهيل الجامع حتى أصبح اليوم مركزا دينيا مرموقا ومزارا أثريا في ذات الوقت. ومن المعروف أن لهذا المسجد شهرته القديمة في عقد حلقات التدريس، وقد شرع في السنوات الأخيرة في إحياء تقاليدها تحت إشراف علماء من الأزهر وتجدر الإشارة الى ان تقسيم الدروس في العصور الوسطي كان يتم علي حلقات وصل عددها في القرن الرابع عشر الهجري الى أكثر من أربعين حلقة لا تكاد تنفض. وكثيرا ما كان يطلق على أماكن حلقات دروس كبار العلماء بالجامع الزوايا فعرف درس الشافعي بزاوية الإمام الشافعي لانه كان يدرس فيه الفقه وحرص على التدريس بها أعيان الفقهاء والعلماء من أتباع المذهب الشافعي. وحافظ الجامع العتيق الذي صادفه حظ عاثر في الحفاظ على معالمه الأثرية القديمة وعلى مكانته الروحية والدينية ودوره الثقافي بفضل سيرة الصحابة الأوائل الذين عمروه بناء وتدريسا.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©